Ads

حـســـن زايـــــد .. يـكتـب : مـفــاهــيم يـنـبــغي أن تــصـحــح

أجد في نفسي غصة من خلط المفاهيم ، خاصة إذا كان هذا الخلط مقصود ، والخلط يكون مقصوداً حين يكون مغرضاً ، أي يستهدف تحقيق غرض معين . والخلط المقصود يستجلب الجدل العقيم من حوله ، ويثير الكثير من الغبار من أجل طمس الحقيقة  ، خاصة إذا كانت هذه الحقيقة مُرة ومؤلمة ، ويصعب بلعها ، فضلاً عن هضمها . ومن هنا أنا لا أجد غضاضة ، في البوح عن مكنون نفسي ، من اعتبار الجدل الدائر في بعض الأوساط النخبوية، حول التسريبات ، التي جري نشرها ، وبثها عبر شاشات التلفاز ، عن قيام من يطلق عليهم اصطلاحاً الطليعة الثورية ، بتلقي تدريبات وأموال من جهات خارجية . فتركت النخبة الموضوع ، وذهبت إلي الحواشي . وأثير الكثير من الغبار حول الأجهزة التي سجلت هذه التسريبات ، وأن ذلك يعد اعتداءً صارخاً علي حقوق الإنسان . وأن أجهزة الدولة العميقة قد عادت لممارساتها في تتبع خصوصيات الإنسان المصري  ، وكأن الدولة غير العميقة لو وجدت فإنها ستمرر هذه الجريمة دون محاسبة أو تعقب ، وستبلعها ، وتهضمها ، وكأن شيئاً لم يكن . وهذه الفرضية لو صحت لضاعت الدولة ، لأن أمنها القومي سيصبح ألعوبة في أيدي العابثين . كما قيل نخبوياً أن إثارة هذا الموضوع هو محاولة بائسة من الثورة المضادة لتشويه الطليعة الثورية ، وتلطيخ سمعتها ، وإغتيالها سياسياً ، وكأن عدم إثارة الجريمة تنفي عن المجرم السلوك الإجرامي الذي دفعه إلي إرتكاب جرمه . ونسينا أن المجرم يبقي مجرماً بفعله لا بفعل غيره ، وأن التغافل عن المجرم ـ إن أجرم ـ جريمة . ولا أدري كيف يتسني لإنسان لديه مسحة من عقل أن يدافع عن جريمة ، جري تسجيلها ، ولا يكذبها الواقع ، بدعوي أنها قد سجلت علي خلاف القانون . نعم قد تسقط الجريمة قانوناً إلا أنها لا تسقط أخلاقياً وأدبياً بحال . كل هذه حواشي حول الموضوع ، قد تكون هناك أخطاء ، وقد تكون هناك جرائم موازية ، قد ارتكبت أثناء التسجيل أو التسريب . فليكن . فليحاسب من أخطأ ، وليعاقب من أجرم ، دون إغفال للجريمة الأم ، الجريمة الموضوع . أما صناعة الوهم بأن الكشف عن جرائم العمالة والخيانة قد يفضي في النهاية إلي تشويه الفعل الثوري للشعب المصري ، فهو قول مردود . لأنه من الأخطاء المنهجية إعتبار هؤلاء الأشخاص هم الثورة ، أو هم طليعة الثورة ، أو هم مفجرو الثورة ، دون غيرهم . لأن هذا تقزيم للثورة ، وتصغير لها . فالثورة قام بها الشعب المصري ، الذي لو لم يتحرك ، ما كانت هناك ثورة من الأساس ، وما كان لفعل هؤلاء قيمة ، وما كان له من أثر . فكشف هؤلاء الناس لا يعني بالضرورة القضاء علي الثورة ، أو تشويهها . وعدم الكشف عنهم يعني بالضرورة حرمان الشعب المصري من حقه ، في معرفة من ينشط ضد مصالحه ، وضد وجوده . ولا يقنعني أحد بأن الخيانة كانت لنظام مبارك فحسب باعتباره نظام استبدادي متسلط ، فالخيانة خيانة ، والأخلاق لا تتجزأ . وبناءًا علي ذلك يمكن الجزم بأن هؤلاء الأشخاص كانوا يعملون وفق أجندات خارجية ، وليس هناك من ضامن بانقطاع الصلة بهذه الأجندات قبل وصول أصحابها إلي الغايات التي يعملون من أجلها . ومن هنا كانت الغصة في الحلق من خلط المفاهيم .

0 تعليقات:

إرسال تعليق