الدكتور عادل عامر
المجتمعات الإسلامية مثل كل المجتمعات تعاني من كثير من المشكلات الاقتصادية التي تسبب اضطرابات وتخلفاً وهو واقع لا سبيل لإنكاره ولا حل لهذا الواقع إلا باستخدام أدوات النظام الاقتصادي الإسلامي . أدى غياب إرادة النجاح مع فشل الإدارة في مصر إلى سواد حالة من الفوضى والعبثية نعيشها ونلمسها في شتى مجالات حياتنا إلا ما ندر، ونتج عن ذلك بطبيعة الحال تفاقم المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على مدار السنوات الماضية.
وإذا أردنا أن نوصّف المشاكل الاقتصادية في مصر منذ ثورة يوليو 1952 وحتى الآن فنستطيع القول أنها مشاكل مزمنة وهيكلية ومتأصلة، لأنها لم تأخذ حقها من الدراسة والتحليل بأساليب علمية دقيقة لتحديد أصول المشاكل وأسبابها ثم وضع حلول جذرية لها، مما أدى إلى تفاقمها والعجز عن حلها أو القضاء عليها على مدار سنوات طويلة.
وغالباً ما كان يحدث نوع من الصدام بين الإرادة والإدارة، ففي حين كانت تتوافر أحياناً الإرادة الحقيقية لعلاج المشاكل الاقتصادية لم تكن تتوافر الإدارة الكفء لتحقيق ذلك، وعلى العكس عندما كانت تتوافر الإدارة الجيدة – في بعض الأوقات – القادرة على وضع حلول للأزمات والمشاكل لم تكن تتوافر الإرادة المطلوبة لتحقيق ذلك. وقد بدأت تزيد حدة المشاكل الاقتصادية المصرية منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، وأبرزها ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة (الناتج عن ارتفاع نفقات الدعم والأجور مقابل نقص الموارد)، وتراجع معدلات الإنتاج، وعجز ميزان المدفوعات، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وزيادة الدين العام، بالإضافة إلى مشاكل سعر صرف العملة.
وترجع أسباب تلك المشاكل في الأساس إلى فشل وضعف الإدارة سواء على مستوى الأفراد أو المشروعات أو المرافق أو الخدمات وعدم توافر أساليب الإدارة الحديثة ذات الللآخذ.الفاعلية (وهى عيوب ومشاكل صارخة تظهر جليّاً في شركات القطاع العام)، وهو ما أدى إلى تدنى وتراجع الإنتاج في قطاعي الزراعة والصناعة، ومن ثم حدوث تخلف وخلل واضح في هيكل الصادرات المصرية وعدم منافسة المنتجات المحلية للمنتجات الأجنبية المستوردة التي تفوقت على المنتج المصري سواء في الجودة أو السعر (وبالأخص المنتجات الصينية والتركية خلال السنوات العشر الماضية).
الذين يعارضون حل مشاكلنا الاقتصادية باستخدام أدوات النظام الاقتصادي الإسلامي لديهم شبهة أساسها مفهوم خاطئ , مفاده أن النظام الاقتصادي الإسلامي مؤسس بالكامل على الصدقات التطوعية والتبرع بما تحمله لهم هذه الكلمات من معاني الاختيار والدونية .
بمعنى أنهم لا يتصورون كيف يتم حل المشاكل الاقتصادية في الدولة الحديثة بالاعتماد على أدوات غير ملزمة وسدادها قائم على التبرع والشفقة من المعطي وفيه إذلال للآخذ .
الرد على هذه الشبهة يكمن في أن للنظام الاقتصادي الإسلامي أدوات كثيرة أولها وأهمها الزكاة,وهي إلزامية وليست مجرد إحسان فردي حسب رغبة الإنسان , والدولة مسئولة عن جمعها وإنفاقها في مصارفها , وتتجلى هذه المسئولية في الأمر الموجه من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم باعتباره قائد الدولة الإسلامية الأولى في قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } التوبة 103 .
والزكاة متكررة كلما حال الحول , وأوعيتها تتميز بالتنوع مما يجعلها تغطي كافة عناصر الثروة والدخل فنجدها تشمل النقديين الذهب والفضة وما في حكمهما من أثمان ونقود سائلة , وعروض التجارة , والمزروع والثمار , والثروة الحيوانية,والرزاز كالمعادن والكنوز والبترول وكل ما يستخرج من باطن الأرض , والثروة البحرية كاللؤلؤ والمرجان , وكل ما يجد في كل عصر مما يعتبر ثروة ودخل .
معدلات الزكاة مختلفة فتفرض بمعدل 2,5% , 5% , 10% , 20% والاختلاف في معدلاتها يرجع إلي مراعاة تكاليف الإنتاج والجهد البشري المبذول في الحصول على الثروة أو الدخل , ليس هذا فحسب بل أن الثروة إذا تحولت إلى أصل رأسمالي منتج يتم فرض الزكاة على الناتج وليس على الأصل الرأسمالي , وفي ذلك إعجاز تشريعي واقتصادييه حفاظ على الأصول الرأسمالية التي يقوم عليها الإنتاج بما يضمن الاستقرار والتقدم الاقتصادي المضطرد , وهذا يؤدي بدوره إلى تراكم رأسمالي جديد يساهم في توفير فرص عمل جديدة في المجتمع .
معلوم أن الزكاة حق لكل فرد في المجتمع ألجأته الظروف للاحتياج إليها , وللفرد أن يطالب بحقه لدى المجتمع ولا يكون ذلك من قبيل الإحسان ولا أدل على ذلك من قول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه " .
بعد هذا العرض الموجز عن الزكاة يتبين أن النظام الاقتصادي الإسلامي يعتمد على أدوات إلزامية وأخرى تطوعية , ولا يجب الخلط بينهما لأن لكل منهما مجاله في دفع النشاط الاقتصادي نحو التقدم وتحقيق العدالة الاجتماعية,والزكاة إلزامية للمسلمين للدرجة التي تصل إلي وجوب مقاتلة مانعيها حتى يؤدوها كاملة , أما مسألة شعور الأفراد بالدونية عند أخذهم للزكاة من الأغنياء فقد تبين أن مسئولية جمع الزكاة من الأغنياء وإيصالها إلى المستحقين تقع على عاتق الدولة باعتبارها الطرف الضامن لحقوق جميع المواطنين , ويأتي هذا في سياق حفظ كرامة الفرد ومراعاة شعور أبناء المجتمع يعتبر نشاط الاستثمار والتمويل عصب المصارف الإسلامية ومن طبيعتها المميزة ، حيث يطلق عليها العلماء والخبراء بأنها مصارف استثمارية تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية طبقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
وتقوم المصارف الإسلامية بتجميع المدخرات بأدوات استثمارية متنوعة منها : الحسابات الجارية ، والحسابات الاستثمارية لأجل ، وحسابات التوفير الاستثمارية ، وصكوك المضاربة والاستثمار الإسلامية وغير ذلك ويحكم ذلك عقد المضاربة في الفقه الإسلامي ، حيث يمثل أصحاب الحسابات الاستثمارية رب المال ، ويمثل المصرف الإسلامي رب العمل ، وتوزع عوائد الاستثمار بينهما حسب الاتفاق الوارد في العقد .
وتستثذلك،مصارف الإسلامية الأموال المجمعة والفائض من أموالها الذاتية في تمويل المشروعات الاستثمارية المختلفة بصيغ تمويل مختلفة من أهمها المضاربة والمشاركة والإجارة والمرابحة والسلم والاستصناع والتجارة في الأوراق المالية والاستثمار في العقارات .. ونحو ذلك ، ويحكم ذلك أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
ومن موجبات نجاح نشاط الاستثمار والتمويل في المصارف الإسلامية وجود خطة متكاملة تساعد في الرقابة وتقويم الأداء واتخاذ القرارات الاستثمارية والتمويلية الرشيدة ، ويتم هذا كله طبقا لمجموعة من المعايير والمؤشرات في إطار المقاصد المشروعة لأهداف المصرف الإسلامي وسياساته الإستراتيجية . ومن أبرز ما أحدثه تطور الصناعة المصرفية الفجوة الكبيرة بين الباحثين في مجال فقه التمويل والمصارف وبين الباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي، فقد أصبح الذي يكتبون في مجالات فقه التمويل يظنون بأنهم قد حازوا الاقتصاد أبا عن جد رغم أنهم يكتبون في فقه التمويل أو فقه البنوك، وليس في اقتصاديات التمويل أو اقتصاديات البنوك ولا أنكر أن كثيرا مما يكتبونه هم فيه عالة -دون اعتراف بالفضل لأهله- على الباحثين الأوائل في الاقتصاد الإسلامي، وقد زهد هؤلاء ظاهراً في كتابات الباحثين الرواد من الاقتصاديين ووجدوا في الانغماس مع البنوك الإسلامية سلوى لهم، بل أصبح كثير من هؤلاء وهم من الفقهاء في أغلبهم يعنونون كتبهم بالاقتصاد الإسلامي رغم أن ما فيها كله فقه، بل إن بعضهم عندما يتحدث - وهو فقيه - يقول نحن الاقتصاديين. وهذا كرس مفاهيم خاطئة تجاه المفهوم الحقيقي للاقتصاد الإسلامي لدى كثير من العاملين في المجال. وزاد من تهميش الباحثين الحقيقيين والرواد الأوائل للاقتصاد الإسلامي والذين ضمتهم مراكز بحثية مرموقة، مثل المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ومركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، وصندوق النقد الدولي، وجمعتهم مؤتمرات متقدمة في كل من جدة وماليزيا أوراقها متوفرة لدى مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي ومجلته الرائدة يجب أن نخرج من دائرة التفكير النمطي الضيق والمحدود الأفق لعلاج مشاكلنا الاقتصادية المزمنة «والذي لم يسفر عن أي نجاحات حقيقية علي مدار أكثر من 40 عاماً» إلي ساحات الإبداع وبراح الابتكار وخيال العقل، وهذا الأسلوب في حل المشاكل كان كلمة السر في تفوق ونجاح كل من ماليزيا وتركيا والصين وجنوب أفريقيا وغيرها.
ويكفي أن نذكر أن دولة مثل سنغافورة رغم عدم امتلاكها أي موارد طبيعية مثل البترول أو الذهب أو الأنهار أو موارد بشرية ضخمة أو حتى مقومات التاريخ والحضارة والثقافة.. الخ «وهي جميع المقومات والموارد الموجودة والمتوافرة في مصر» فإنها استطاعت خلال 40 عاماً أن تصبح اليوم الدولة الأولي عالمياً من حيث النمو والتقدم الاقتصادي وذلك من خلال الاستثمار في العقول والاهتمام بالإبداع والابتكار والأفكار الخلاّقة.
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق