Ads

حــســـن زايـــــد .. يـكتـب : للـــديـمـقــراطـيــــــة

لا شك أنه من العبث أن يحاول المرء ـ أو يفكر مجرد التفكير ـ انتقاد الديمقراطية ، أو رفضها . لأن ذلك يعد ضرباً من الجنون ، فهي أفضل ما توصل إليه العقل البشري من نظام يضمن المشاركة الشعبية في السلطة والحكم . فالشعب بالمفهوم الديمقراطي ، يحكم نفسه بنفسه ، وهو مصدر السلطات في الدولة ، وهو الذي يحدد شكل الحكم ، والنظم السياسية والإقتصادية والإجتماعية السائدة في الدولة ، وهو مصدر السلطات . ومن هنا تأتي المعضلة في نقد النظام الديمقراطي أو رفضه . لأن إشهار الديمقراطية كسلاح في وجه أي فرد ، أو أي نظام يفضي إلي اغتياله سياسياً . وهذا يقودنا إلي المقال الذي كتبه عمرو حمزاوي في جريدة الشروق المصرية اليوم الخميس 8 / 5 / 2014 م  تحت عنوان : " للديمقراطية : هل لكم أن تجيبوا عن هذه الأسئلة " . موجهاً تساؤلاته للكتاب والسياسيين والإعلاميين . فبعد أن اتهمهم بأنهم : " اختزلوا الوطن/ الدولة/ المجتمع فى شخص واحد وروجوا لأسطورتى «البطل المنقذ» و«مرشح الضرورة» وربطوا بينهما وبين ترشح وزير الدفاع السابق للرئاسة " تساءل : " هل تعتقدون أن فرص بناء الديمقراطية ستكون حاضرة معنا حال وصول المرشح السيسى إلى الرئاسة أم أننا سنكون بصدد التأسيس لحكم الفرد واستكمال الخروج عن المسار الديمقراطى واستمرار اختزال الوطن فى بطل/ زعيم/ قائد لا يساءل ولا يحاسب، بل ولا يناقش؟ " . وكي نفهم السؤال لابد من النظر بإنعام في المقدمة ، علي ضوء الخلفية السياسية للسيد حمزاوي . فعمرو حمزاوي يختلف مع 30 يونية ، ويعتبر ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً علي الشرعية  الإخوانية . وبالتالي فإن اعتبار أن السيسي بطلاً أنقذ مصر من النظام الإخواني المتآمر مع قوي دولية من أجل تفتيتها كلام فارغ ، وترويج لأسطورة لا نصيب لها من الواقع ، ومن ثم فإن اعتباره مرشح ضرورة مجرد اختزال للوطن وللدولة وللمجتمع في شخص واحد من وجهة نظره . وهذه في الواقع مقدمة فاسدة ، لابد وأن تفضي إلي نتيجة فاسدة  . ففساد المقدمة يتأتي من اعتبار 30 يونية انقلاباً ، وهي ليست كذلك باعتبار الوقائع والأحداث والإلتفاف الجماهيري ، فالشعب رفض الإخوان خاصة بعد إصدار الإعلان غير الدستوري الذي انقلب به علي ثورة يناير ، وبدأت حركة تمرد في جمع توقيعات مناهضة لهذا النظام ، والتفت حولها جماهير الشعب ، وتطور الموقف الشعبي ، وفي المقابل هاجت وماجت جماعة الإخوان وتوابعها ، وهددت ـ وهي في السلطة ـ بسحق الشعب وتأديبه ، ولو وصل الأمر لإراقة الدماء في الشوارع . واعتقد أن هذه التهديدات  كانت جدية ولها صدي من الواقع في سورية وليبيا . فما كان من السيسي إلا أن انحاز للإرادة الشعبية ، وانتصر لها في مواجهة الطغيان المتسربل بأردية الدين . فأصبح بذلك بطلاً  صنعته الجماهير وليست النخبة . خاصة أن الإخوان قد جاءوا به وزيراً ظناً منهم بانحيازه لإخوانيتهم ، فإذا به ينحاز للشعب . وصنعت بطولته أنه لم يفكر في ذاته إذا كان مآل ما حدث الفشل ، أو لو اعترض طريقه أحد قادة الجيش ، أو قبض عليه ، فلا ريب أن الجماعة كانت ستطيح برأسه من بين كتفيه . والزعماء لا يولدون في الصالونات الفكرية بمنأي عن الجماهير في الشوارع .  ولم ينقلب السيسي ـ لو كان انقلاباً ـ رغبة في سلطة ، لأنها واتته ، ولا طمعاً في حكم لأنه ترك الأمر لرئيس انتقالي ، وحكومة مؤقتة ، وخارطة طريق ترتب لانتقال السلطة علي نحو ديمقراطي باختيار الشعب . ولم يدفع الجماهير إلي مطالبته بالترشح للرئاسة . ومن هنا يمكن الإطمئنان إلي القول بفساد المقدمة . فماهي النتيجة ؟ النتيجة هي السؤال الذي مفاده الصب في ذات الإتجاه ، والوقوع في أسر التوجه السياسي الأكاديمي دون النظر لإختيارات الشعوب . فهو يتساءل عن حضور الديمقراطية في ظل وجود السيسي رئيساً ، أم أن وجوده سيمثل تأسيساً لحكم الفرد ، واستكمال للخروج عن المسار الديقراطي ، واختزال الوطن في بطل / زعيم / قائد قد لا يساءل ولا يحاسب ، ولا يناقش . والإجابة علي هذا السؤال في جملة واحدة أن الدستور الحالي لا يسمح بذلك . ولتحقيق ذلك لابد للرئيس من تعديل الدستور ، ولن يتسني له ذلك دون الرجوع للشعب . الشعب الذي يُتَاجر بالديمقراطية باسمه . هذا عن السؤال الأول ، أما السؤال الثاني فقد فرش له بمقدمة فاسدة كذلك ، حيث قال : " إلى الكتاب والسياسيين والإعلاميين الذين فرضوا الرأى الواحد والصوت الواحد على المجال العام صحافة وإعلاما تليفزيونيا ونقاشات علنية وصمتوا عن انتهاكات حقوق الإنسان والحريات أو تعاملوا معها بمعايير مزدوجة أو برروا حدوثها كضرورة تقتضيها الحرب على الإرهاب أو مواجهة الفوضى التى تسببها مظاهرات واحتجاجات الشباب  " . دعنا من قضية الصوت الواحد والرأي الواحد لأن السيد حمزاوي بكلامه هذا يعني أنه لم يُفرض عليه شيء ، وأن هناك تعدد في الأصوات والأراء . ونتوجه إليه بتساؤل مشروع عن كيفية مواجهة الإرهاب والفوضي التي تستهدف تقويض أركان الدولة ، وهدم قواعد المجتمع . وهل مواجهة ذلك بالقوانين العادية والقضاء الطبيعي يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان ؟ . إلا إذا كان يقصد الحرية والحق ، في انتهاك حقوق الآخر، وإرهابه وقتله ، بقصد إرعابه ، ودفعه للخروج علي الدولة التي عجزت عن حمايته . ومن ثم يدخل المجتمع في أتون حرب أهلية من أجل الحقوق والحريات المزعومة لفصيل تنازل طواعية عن كافة حقوقه حين فكر في حمل السلاح في مواجهة المجتمع . ولا أظن أن المطلوب من المجتمع النوم في غياهب نظرياتك السياسية ، وحين يستيقظ لا يجد دولة ، ولا يجد مجتمع . وأن لا أقول بحتمية انتهاك الحقوق والحريات ، ولكن أقول أن هناك حقوق وحريات للآخرين ينبغي التوقف عند حدودها ، ولا يتعين أن تفرض عليهم خياراتك طالما مثلوا الأغلبية . ثم يمضي حمزاوي إلي القول : "وبعد أن دللت حوارات المرشح السيسى على محدودية اهتمامه بحقوق الإنسان وصمته عن الانتهاكات والغياب الكامل لأى حديث عن عدالة انتقالية وتبنيه للنهج السلطوى المرتبط بقانون التظاهر وبغيره من القوانين المقيدة للحريات " .  ورغم أن الأسئلة التي طًرحت تمثل محددات للحوار ، وغياب الموضوع عن الإجابة مرتبط بوجود السؤال . فإن القول بمحدودية اهتمامه بحقوق الإنسان ، وصمته عن الإنتهاكات ، كلام لا يرقي لمستوي المناقشة ، لوجود منظمات للمجتمع المدني تراقب هذا الوضع ، وتتقاضي أموالاً من الخارج لهذا الغرض . ثم أنه يفترض أن حقوق الإنسان كانت مصانة في عهد الإخوان ، ولم تكن هناك أي انتهاكات لهذه الحقوق ، كما أنه نسي أن السيسي كان مجرد عضو في الحكومة بفرض صحة ما ذهب إليه حمزاوي في زعمه . ثم يستطرد حمزاي : "هل تعتقدون أن الرأى الواحد والصوت الواحد سيتراجعان حال وصوله إلى الرئاسة وأن انتهاكات الحقوق والحريات ستتوقف وأن مساءلة ومحاسبة المتورطين بها ستبدأ وأن الممارسات السلطوية الراهنة ستنتهى وأن القيود على الحريات السياسية ستتوارى؟" . والإجابة علي هذا السؤال نعم يا سيد حمزاوي ، لأن هذا الرجل يحسبه الناس أنه لا يريد بمصر إلا خيراً ، ولم يتقاضي ثمناً لمواقفه لا من الداخل ولا من الخارج ، وما سعي إلي ذلك ، وإنما سعت إليه الجماهير تدفعه دفعاً للترشح . إنه جاء لتحقيق أهداف الثورتين بأجندة مصرية خالصة بعيداً عن الأجندة الأمريكية ، وأجندة الإخوان المتوافقة معها . ثم يطرح حمزاوي تساؤله : " وبعد أن تابعتم الحوارات التليفزيونية هل تعتقدون أن المرشح السيسى يمتلك رؤية واضحة المعالم لإصلاح مؤسسات وأجهزة الدولة وتأهيلها ديمقراطيا أم أنه يقاربها كالحاكم الفرد القادم الذى يريد منها الكفاءة والفاعلية ولا يكترث كثيرا بالمعايير الديمقراطية؟ هل تعتقدون أن المرشح السيسى يمتلك رؤية محددة للانفتاح على قاعدة شعبية واسعة وترجمة تطلعاتها إلى أجندة اقتصادية واجتماعية وسياسية متوازنة ولتجاوز سيطرة شبكات المصالح الاقتصادية والمالية والإعلامية على الدولة والمجتمع وتداخلها العضوى مع دوائر الحكم/ السلطة/ المكون العسكرى ــ الأمنى أم أنه مرشح هذه الشبكات والدوائر؟ " . وكأن الرجل لم يقرأ الدستور ، ولم يطلع علي صلاحيات الرئيس وسلطاته التي تم تقليصها لصالح رئيس الحكومة ولصالح المجلس التشريعي ، فإذا به يتحدث عن الحاكم الفرد الذي بيده دفة الأمور ، القادر بمفرده علي فعل أو الإمتناع عن فعل كل شيء وأي شيء . هذا من ناحية ، ويتساءل عن امتلاك السيسي لرؤية محددة للإنفتاح علي قاعدة شعبية واسعة يترجم تطلعاتها إلي أجندة يتجاوز بها سيطرة شبكات المصالح ، وكأن السيسي قد هبط علي الشعب من الفضاء ، مع أنه مدفوع إلي الترشح بزخم من هذه القاعدة لم يحظ به رئيس من قبل ، من ناحية أخري . كما أنه يبدو أن السيد / حمزاي لم يستمع إلي حوار السيسي المتلفز ، لأن السيسي قال بذلك ، وبرنامجه يقوم عليه . وقال بتدخل الدولة كمنافس لضبط انفلات الأسواق ، وتحدث عن تطوير الإعلام الحكومي ، من ناحية ثالثة . أما الغمز بأنه مرشح شبكات ودوائر المصالح فهو كلام يثير الغثيان . ثم يستطرد السيد / حمزاوي في عرضه : " إلى الذين دافعوا عن ترشح وزير الدفاع السابق للرئاسة لكونه الوحيد القادر ـ ومعه المؤسسة العسكرية كالمؤسسة الأقوى فى بنية الدولة المصرية ـ على المزج بين تبنى أجندة تنموية ومجتمعية تضمن الخبز والأمن للناس وبين الانفتاح المنظم على التعددية السياسية وتداول السلطة وسيادة القانون ـ دون تهديد تماسك الدولة ـ " . ثم يتساءل : "هل تعتقدون أن إرادة مزج التنمية والأمن بالتعددية وتداول السلطة حاضرة لديه ولدى المحيطين به أم أنه غير راغب فى تجاوز المقايضة السلطوية التقليدية للحكم فى مصر ـ إما الخبز والأمن وإما الحرية ـ  و ـ الأفضل لك يا مواطن هو أن تحصل على الخبز والأمن وأن تتجاهل الحرية ـ وسيعيد إنتاجها ويمزج بينها هى وبين فكرة وصائية/ محافظة/ ذات نزعة دينية تتعلق بدور البطل/ الزعيم/ القائد فى «تقويم» المواطن/ الشعب/ المجتمع؟ ". وهو في الواقع سؤال يصادر علي المستقبل ، ويحاكم النيات ، باحكام وأفكار مسبقة تصادر علي حق الرجل في الترشح ، ولا أظن أن هناك عاقل  يقول بهذا السؤال في اللقاء التلفزيوني الذي تم مع المرشح السيسي . لأن هذه الأمور لا تتكشف إلا بالممارسة علي الأرض ، والشعب يحكم له أو عليه . ولدينا في الدستور الجديد صلاحية عزل الرئيس ، ومحاكمته ، وفقاً لمعطيات ممارساته . ولدينا نظام في اختيار الحكومة لا يترك للرئيس فرصة فرض خياراته بإرادة منفردة ، وهي حكومة شريكة في الحكم . ولدينا مجلس تشريعي قادر علي المحاسبة والعزل والإحالة للمحاكمة . ثم يعرج السيد / حمزاوي إلي الموضوع / المحور بقوله  للذين : "دفعوا بحتمية التمييز بين الخلفية العسكرية للمرشح""وعسكرة الدولة ودافعوا عن كونه مرشحا مدنيا منذ أن استقال من المؤسسة العسكرية" وتساءل : "هل تعتقدون أن لتمييزكم هذا مضمونا متماسكا وأن المرشح السيسى سيقبل حال وصوله للرئاسة أن تتحول المؤسسة العسكرية إلى مؤسسة نظامية طبيعية لها دورها الاعتيادى المتمثل فى حماية أمن الدولة والمجتمع وتسقط عنها الوضعية الاستثنائية وغير الديمقراطية التى أقرتها لها الوثيقة الدستورية الراهنة وسينفتح على التعاون مع المدنيين ومع النخب السياسية والحزبية المختلفة " . وأنا اعتقد أن ذلك قد ورد علي لسان الرجل في الحوار المتلفز له . أما الوضع الإستثنائي الذي يتحدث عنه السيد حمزاوي ، فهو بذاته قد أقر بوجوده في الوثيقة الدستورية التي جري إقرارها بالإستفتاء الشعبي ، إلا إذا كان يريد المصادرة علي الإرادة الشعبية ، أو المزايدة عليها .  ثم يستطرد : " أم أن شيئا من هذا لن يحدث وسيتواصل غياب التوازن داخل بنية الدولة المصرية بين مكون عسكرى ــ أمنى مهيمن ومؤسسات مدنية ضعيفة وسيستمر تهميش المدنيين/ النخب السياسية والحزبية فى شئون الحكم/ السلطة " . وأنا اعتقد أن الرد عند السيد حمزاوي ذاته باعتباره رئيساً لأحد الأحزاب السياسية الهشة التي لا تكاد تجد لها موضع قدم في الحياة السياسية . فلو صح كلامه عن غياب التوازن داخل بنية الدولة المصرية لصالح المكون العسكري / الأمني ، فذلك عيب في النخب السياسية والحزبية التي لا تكاد تشغل حيزاً من الفراغ . فلو أن هذه النخب لها رصيد في الشارع لكان تحركها مؤثراً وفاعلاً في آليات اتخاذ القرارات . ولو كان لديك من له هذا الوزن فلما لم يتقدم إلي حلبة الصراع علي منصب الرئاسة ؟ . هل تظن أن المؤسسة العسكرية ، أو أي من مؤسسات الدولة ، قد حالت دون أحد والترشح لمنصب الرئاسة ؟ أعتقد أن وجود السيد صباحي كمرشح مدني يدحض هذه المزاعم .

0 تعليقات:

إرسال تعليق