الدكتور عادل عامر
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، فإن التحدي يكمن في القدرة علي مواجهة الضغوط التضخمية، وخاصة تلك الناتجة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتزايد الضغوط علي الجنيه المصري بسبب الانخفاض الحاد في عوائد النقد الأجنبي. وللتصدي لمثل هذه الضغوط، يجب الالتزام بمبدأ الشفافية في إدارة السياسة النقدية مما يساعد علي خلق توقعات أكثر واقعية.
رابعاً: ضرورة تكثيف جهود الصندوق الاجتماعي للتنمية لتشجيع قيام مزيد من المشروعات المتوسطة والصغيرة التي تُكوّن العصب الأساسي للاقتصاد المصري، وخاصة تلك التي تنتج سلعا يحتاجها الاقتصاد الوطني ويقوم باستيرادها حاليا. كما يجب دعم موارد الصندوق كي يقدم تسهيلات أكبر للمشروعات متناهية الصغر التي تحسن دخول الفقراء والسيدات المعيلات، وتولد فرص عمالة كبيرة بأقل التكاليف.
ثالثا: النظام الاقتصادي المقترح "نظام السوق الاجتماعي":
لقد كان النظام الاقتصادي السائد في مصر خلال الستينيات هو النظام الاشتراكي، ثم أصبح الانفتاح الاقتصادي خلال السبعينيات، ليتمثل بعد ذلك في نظام الاقتصاد "الحر" خلال التسعينيات.
هذا ويمكن القول إن النظام الاقتصادي ليس هدفاً في حد ذاته، ولكنه وسيلة لتحقيق أكبر قدر من الرفاهية في المجتمع. وعناصر الرفاهية هي الأهداف الرئيسية للسياسة الاقتصادية، وهي: التنمية المستدامة المتسارعة، والعدالة الاجتماعية، والتوظيف الكامل، واستقرار مستوي الأسعار والعملة، وميزان مدفوعات ملائم.
وقد أظهرت تجارب الماضي أن اقرب هذه النظم لتحقيق أكبر قدر ممكن من هذه الأهداف هو "نظام السوق الاجتماعي"، بمعني التوجه نحو إعمال آليات السوق الحر مع الأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث أدي نظام السوق وحده إلي توحش الرأسمالية، كما أدي النظام الاشتراكي إلي انخفاض الكفاءة، وضعف الحافز الفردي.
هذا وتتمثل أهم عناصر نظام السوق الاجتماعي فيما يلي:
1- اتخاذ القرارات الأساسية، الإنتاج والاستثمار والاستهلاك، بناء علي قوي السوق.
2- اتساع المجال أمام القطاع الخاص للقيام بالنشاط الإنتاجي.
3- إعطاء أهمية كبري لعدالة توزيع الدخل والثروة مع اتخاذ السياسات الملائمة لتحقيق ذلك.
4- قيام القطاع العام بالعمل في المجالات الإستراتيجية والحيوية التي يقرر المجتمع عدم احتكار القطاع الخاص لها.
5- تشجيع المنافسة إلي ابعد حد، ومنع الاحتكار إلا في الضروريات، وعندها يجب أن يخضع المحتكرون للرقابة من قبل الحكومة بما في ذلك التسعير الجبري وتحديد حدود قصوي لهوامش الربح.
6- حوكمة قوية ترعي الصالح العام في المقام الأول، وقادرة علي الإشراف والتوجيه.
تأتى ملامح المستقبل الذى اطلقت ثورة 30 يونيو خارطة للطريق اليه واضحة فى عيون الخبراء فى كل المجالات ويرتقب المصريون جميعا بشائر تحقق آمالهم فى وطن ينمو وشعب يتألق بوجود خطط واضحة ومدروسة للمستقبل المرغوب ويؤكد خبراء الاقتصاد والضرائب أن تحقيق التنمية الاقتصادية يتطلب اتخاذ اجراءات اصلاح شاملة ومتكاملة. وتنفيذ برنامج واضح ومحدد زمنياً لعلاج المشاكل المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد المصري. وعلي رأسها عجز الموازنة العامة. وارتفاع حجم الدين العام. والتضخم. والبطالة. والأجور. إن عملية الاصلاح ستتطلب اجراءات صعبة لكنها ضرورية. ويجب أن تبدأ فوراً. وأن تكون بالتدريج علي مراحل حتي لا يتأثر المواطن محدود الدخل.
إن الوضع الاقتصادي والمالي في مصر حالياً يفرض علي الجميع الابتكار والجدية والمصارحة لأنه رغم الاجراءات التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية فان الفقر في مصر لايزال ينمو.
من جانبهم أكد خبراء الضرائب أن تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة يحتاج إلي اتخاذ اجراءات لتنشيط الاقتصاد وزيادة الاستثمارات من خلال اصلاح المنظومة الضريبية. وحل المشكلات المزمنة التي يعاني منها الممولون مع قوانين الضرائب المختلفة ومع الادارة الضريبية منذ فترة طويلة.
مع ضرورة اعلان رؤية واضحة لمنظومة الضرائب في مصر خلال الفترة القادمة. حتي يمكن للمستثمرين اتخاذ قراراتهم الاستثمارية علي أسس سليمة وواضحة.
إن وضع برامج للاصلاح الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة يجب أن يواكبه رؤية واضحة للمنظومة الضريبية باعتبارها أحد العوامل الرئيسية في اتخاذ القرار الاستثماري.
لان هناك اجراءات يجب اتخاذها بصفة عاجلة لاصلاح المنظومة الضريبية الحالية. منها ما يتعلق بالتشريعات والقوانين. مثل ضرورة اعلان معايير واضحة لتقييم المنشآت السياحية والصناعية في قانون الضريبة العقارية الجديد. وعلاج التشوهات الموجودة في قانون الضريبة علي المبيعات. وتيسير اجراءات رد الضريبة للمصدرين. وحل المشاكل المتعلقة بالتعديلات الأخيرة في قانون الضريبة علي الدخل..
و أنه خلال الفترة الأخيرة خرجت تصريحات من المسئولين في وزارة المالية ومصلحة الضرائب تشير إلي التفكير في فرض ضرائب جديدة لزيادة الحصيلة الضريبية. وهو أمر لا يتناسب مع محاولات جذب الاستثمارات المباشرة. وأن الافضل لزيادة الحصيلة الضريبية هو تيسير الاجراءات ومكافحة التهرب وضم القطاع غير الرسمي وعلاج التشوهات في القوانين الحالية.
إن الهدف الاستراتيجي وأساسا التنمية لجميع دول العالم بما فيهم من دول متقدمة وغنية هو الاستثمار مع حسن توظيفه في مختلف المجالات. من خلال الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات والامكانيات والثروات الطبيعية والاقتصادية والبشرية وبشكل يحقق التوازن مع الزيادة السكانية.
وأن نجاح مصر في التنمية رهن بزيادة القدرة علي جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية مما سيؤدي بالتبعية إلي خلق فرص عمل في الاقتصاد المصري والمساهمة في انخفاض مستوي البطالة نظراً لما تتمتع به مصر من قوة بشرية ضخمة وتحقيق معدلات نمو مرتفعة وسيؤثر بصورة مباشرة علي التوازن المالي والاستقرار النقدي للعملة المحلية واسعار الصرف.
أن الاستثمار بصفة عامة والاستثمار الأجنبي بصفة خاصة يأتي بالتكنولوجيا الحديثة والخبرة في الادارة بالاضافة إلي الارتباط بالاسواق العالمية وهو ما تحتاجه مصر للنهوض بالصناعة المحلية حيث يسمح تواجد رأس المال وتوافره بالتوسع في الانتاج وتنوع المنتج وتحسين جودته كما تساهم التكنولوجيا الحديثة في تطوير المنتج وخفض تكلفة الانتاج ومن ثم يمكن القول أن الاستثمار يسهم في زيادة الانتاجية وفي انشاء صناعات جديدة وتحسين القدرة التنافسية للصناعات القائمة وربط المنتجين المحللين بالاسواق الدولية وتتمثل أهم عوامل وأدوات جذب الاستثمارات فيما يلي:
أولاً: الاستقرار الأمني والسياسي مع استقرار في التشريعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي وخاصة التشريعات الضريبية.
ثانياً: توافر المرافق والبنية الاساسية والمناطق الصناعية المجهزة تجيهزاً مناسباً بالطرق والمياه والصرف الصحي والاتصالات وغيرها.
ثالثا: الحد والقضاء أن أمكن علي الإجراءت الروتينية والتعقيدات البيروقراطية التي تواجه المستثمرين في التعامل مع أجهزة الدولة.
رابعاً: الضمانات والحوافز والاعفاءات "الإعفاءات بشكل عام والإعفاءات الضريبية بشكل خاص سواء كان إعفاء كلي أو جزئي أو سعر ضريبي متميز" في ظل استقرار التشريعات الضريبية والابتعاد عن سياسة التوسع والتزايد في تطبيق مبدأ زيادة الحصيلة الضريبية علي نفس ذات الممولين ولكن يمكن زيادة الحصيلة الضريبية عن طريق توسيع قاعدة المجتمع الضريبي وتحصيل المتأخرات الضريبية.
وفيما يتعلق بوضع الموازنة العامة للدولة، فقد تعرضت الموازنة العامة للدولة لعام 2011- 2012 إلي تطورات سلبية في ضوء الظروف الراهنة، وتجسدت هذه التطورات في ارتفاع عجز الموازنة عن المستوي المقدر عند صياغة الموازنة وهو نحو 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي إلي نحو9.2% حاليا. وربما يختتم العام المالي الحالي بعجز نسبته 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا الوضع يتطلب اتخاذ مجموعة من السياسات التي من شأنها النهوض بأوضاع الاقتصاد المصري، ويأتي في مقدمتها:
أولاً: تشغيل الطاقات الإنتاجية العاطلة، والعمل علي زيادة الإنتاج والصادرات، ومن ثم ارتفاع مستوي التشغيل وانخفاض معدل البطالة، وأهم ما يلزم في هذا الصدد ما يلي:
- توفير حوافز لأصحاب الأعمال في القطاع الخاص لزيادة التوظيف، وذلك من خلال الإعفاء المؤقت من الضرائب علي الرواتب، بالإضافة إلي الدعم المؤقت للتدريب المهني لتشجيع التدريب ورفع الكفاءة المهنية، علي أن يتم إيقاف هذا الدعم تدريجياً مع تحسن إنتاجية العامل.
- حث الجهاز المصرفي علي توفير التمويل اللازم للوحدات الإنتاجية وإتاحة السيولة المطلوبة للقطاعات المختلفة، مع سرعة فتح الاعتمادات اللازمة لاستيراد السلع الاستراتيجية (استهلاكية، ومستلزمات إنتاج، وسلع رأسمالية) بدون تأخير، مع عدم وضع العراقيل أمام طلبات الائتمان المنتجة التي لها جدارة ائتمانية.
- تشجيع البنوك علي إنشاء مشروعات كبري كثيفة العمالة مع طرح جزء من رأسمالها للاكتتاب العام. وهذه المشروعات تحقق الصالح العام، وكذلك ربحية عالية للبنوك علي المدي الطويل.
- ضرورة قيام الجهاز المصرفي بمراجعة تكاليف التمويل المرتفعة بطريقة غير مبررة، وذلك للحد من ارتفاع تكلفة إنتاج السلع والخدمات.
ثانياً: تحسين مناخ الاستثمار لجذب رجال الأعمال لزيادة الاستثمار، والحفاظ علي مستويات الإنتاج والتشغيل.
ثالثاً: زيادة موارد الموازنة العامة للدولة من خلال إعادة النظر في هيكل النفقات العامة، بحيث يتم إعادة توزيع الموارد علي نحو يعود بالنفع علي الفقراء ويساعد علي تنشيط الاقتصاد.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق