Ads

مصر التي نتمناها


بقلم هيام محى الدين
عانت مصر في الأعوام الأربعين من مجموعة ضخمة من المشكلات التي أسهم في صنعها أبناؤها بنفس الدرجة التي أسهم في صنعها أعداؤها ؛ فسياسيا تحول النظام الحاكم فيها من نظام يعمل لصالح الشعب ويؤيده الشعب ويسير خلفه بأغلبية كبيرة يلتحم فيها الحاكم والمحكوم لتحقيق آمال الشعب وأحلامه إلى نظام يتحكم في الناس ويحكمهم بسلطة الأمن وطغيان الرأي الواحد والانحياز لفئة ورؤية لا تتفق مع آمال الشعب وطموحاته ؛ واقتصاديا تحول النظام إلى شكل رأسمالي بشع منحاز لفئة صغيرة من الأثرياء باع القطاع العام بأبخس الأثمان وصنع انفتاحاً استهلاكيا أصبحت مصر من خلاله دولة تستورد أكثر مما تنتج وتستهلك إيراداتها السيادية في اقتصاد ترفى تعود ثمرته على أقلية ضئيلة وتعاني غالبية الشعب من فقر مدقع اقتصاد يزداد فيه الأغنياء غنى والفقراء يزدادون فقرا وعددا أيضاً ؛ كما فرط هذا التوجه الاقتصادي في ثروات الأمة ونصيب الأجيال القادمة فيها ؛ مما تسبب في تحول فئة كبيرة من المجتمع إلى الفكر المتطرف وأعطى لتجار الدين بيئة صالحة لنشر فكرهم الهدام وتعصبهم المقيت والسيطرة على البسطاء والسذج الذين تضاعفت أعدادهم في ظل نظام تعليمي فاسد ساهم في انتشار الأمية الثقافية والفكرية ورعاية صحية متدنية ساهمت في انتشار وتوطن الأمراض خاصة الفيروسية منها فاجتمع على المصريين مثلث الفقر والجهل والمرض وعاشوا في ظله هذه العقود الأربعة مستلهمين صبرهم التاريخي ولكن المتغيرات التي سببها هذا المثلث المدمر لسلوكيات وقيم وأخلاق المصريين كانت شديدة الوطأة على مجتمع لم يعرف الانقسام والتشرذم من قبل ؛ فشاع الفساد والفسق والكذب والفجور والأنانية والسلوك السلبي المتمثل في الأنامالية ؛ وانهيار الانتماء الوطني وذيوع فقه التطرف في أبشع صوره الذي وصل إلى تكفير الآخر وتقسيم الوطن والمواطن على أساس عقائدي وديني وفكري والهجوم المسف والسباب المنحط ، وانتشار البلطجة وزيادة معدل الجريمة ، الذي أدى إلى ظهور هذه المشكلات خلال الأعوام الأخيرة بشكل صارخ مدمر وأدى إلى أن تركب تيارات التطرف والجهل كراسي الحكم بعد ثورة يناير 2011 وكانت الجينات التاريخية الأصيلة التي يملكها الشعب المصري زورق النجاة وسط عاصفة السقوط فهب شعب مصر في 30 يونيو 2013 ليكتسح هذه السلبيات المدمرة التي أنشبت أظفارها في روح مصر وجسدها ؛ ولكن إزالة السلبيات يحتاج دائماً إلى ملء فراغها بإيجابيات تقابلها ويتطلب غرس إيجابيات الرخاء والعلم والصحة مجهودا ضخما بعد معايشة طويلة للفقر والجهل والمرض ؛ وقد استطاع المصريون عبر تاريخهم الممتد في الزمان أن يجتازوا ويتغلبوا على ما صادفهم من عقبات وصعوبات.
ومصر اليوم في لحظة حاسمة فارقة تصل إلى درجة أن نكون أو لا نكون ، ونحن نملك كل الوسائل التي يمكننا بها الخروج من المأزق الذي نعيشه اليوم إلى رحاب مستقبل مبشر بالخير والرخاء فمصر تملك أعظم الثروات الصانعة للحضارة وهي الإنسان فالملايين التسعون التي تشكل الشعب المصري نوع متميز من البشر إن أحسن استغلاله ورعايته فهو قادر على صناعة المعجزات ؛ وقد صنع الإنسان الياباني نهضته رغم تعرضه للضرب بالقنابل الذرية ورغم فقر إمكانات بلاده في الثروات الطبيعية بجهده البشري فقط وعقله العلمي والرعاية الجيدة التي نعم بها في التعليم والصحة وتنمية مشاعر الولاء للوطن ؛ ومصر تملك إلى جانب طاقتها البشرية الكبيرة ثروات طبيعية زاخرة وموقعا جغرافيا أسطوريا وعلاقات دولية وإقليمية شاملة يمكن من خلالها إذا خلصت النوايا أن تستعيد مصر حضارتها ونهضتها ومكانتها فالشعب الذي بني السد العالي وهزم العدوان الثلاثي وانتصر في حرب أكتوبر وتخلص من تجار الدين قادر على أن يستعيد بالعمل الجاد والإخلاص والاتقان والعلم والمعرفة والثقافة كل ما فقده خلال الأربعين الماضية ؛ إن استعادة الأمن والقضاء على الإرهاب أهداف عاجلة يجب تحقيقها خلال الأشهر القادمة ؛ لكي نتفرغ لإصلاح التعليم والارتفاع بمستوى الرعاية الصحية ؛ وخلق فرص عمل واسعة من خلال مشروعات تنمية قومية طموحة مثل مشروع تطوير قناة السويس وتعمير سيناء وممر التنمية بالصحراء الغربية ؛ ودخول النادي النووي ؛ وتشجيع وتنمية البحث العلمي ؛ وبناء المصانع المتطورة ؛ وتطوير الزراعة واستصلاح الأراضي ؛ واستكمال البنية الأساسية في كل قرى ومدن مصر ؛ ليست أحلاما غير قابلة للتحقيق إن استعاد المصريون قدراتهم التاريخية وإصرارهم على الانتصار وانتماءهم الوطني من خلال زعامة تاريخية وعدالة اجتماعية ، وعمل دءوب جاد مصمم على تحقيق الرخاء واستعادة المكانة والاستغلال الأمثل للثروات البشرية والطبيعية والجغرافية فمساحة مصر مليون كيلو متر مربع وسيصل عدد سكانها عام 2025 إلى مائة وعشرين مليون نسمة فلو استطعنا أن نشغل مساحة وطننا كان لكل كيلو متر مربع مائة وعشرون نسمة وهو عدد مناسب تماما لصناعة الرخاء ، إن استطعنا أن نعيش على كل شبر من أرض هذا الوطن.
وأعتقد أننا نستطيع yes we can
                                        هيام محي الدين          









0 تعليقات:

إرسال تعليق