بقلم / سهام عزالدين جبريل
على هامش الاحتفال بمرور 32عام على تحرير سيناء
، وبين الدعوة والامل الى إعاد ة النظر الى سيناء من منطلق الاهمية والموقع
الاستراتيجى وبعد الامن القومى المصرى فى
هذه المنطقة نقتح ملف سيناء ، بكل مايحمل من امال ورؤى للمستقبل وايجابيات وسلبيات
تضعنا على الطريق الصحيح والحقيقى لنظرة جديدة لسيناء بوابة الامن الفومى المصرى .
سيناء هي بوابة مصر الشرقية
وخط الدفاع الأول ومسار الأنبياء وأرض التواصل بين قارتي آسيا وأفريقيا منذ فجر
التاريخ ،وهى بوابة النور والنار ومنطقة التحدى الحضارى وبوابة الامن القومى
المصرى ، ومن الهام جدا النظر الى هذه المنطقة من كافة ابعادها الجغرافية
والتاريخية والجيواستراتيجية ، والانطلاق نحو سيناء بقوة تحمل كل الطموحات
وتترجمها الى برامج للتنمية الشاملة ، حيث تمثل تنمية سيناء عبورا ثانيا للشعب المصرى،
ودعامة اساسية لتحقيق تنمية حقيقية لشبه جزيرة
سيناء، والانطلاقة الكبرى نحو إعادة توزيع السكان على صحراء مصر الشاسعة والغنية بخيراتها
.
وتتأتى أهمية سيناء من موقعها الاستراتيجى
الفريد حيث يمثل حلقة الوصل بين فارتى افريقيا واسيا فإذا تم وضع المدخل الشمالي
الشرقي لسيناء تحت عدسة مكبرة، فسوف يتضح أن مثلث سيناء هو العقدة التي تلحم
إفريقيا بآسيا ، وأن المثلث الشمالي منها، والذي يحده جنوباً الخط من السويس إلى
رفح تقريباً، هو حلقة الوصل المباشرة بين مصر والشام. وبمزيد من التحديد، فان المستطيل
القاعدي الشمالي الواقع إلى الشمال من خط عرض(30) تقريباً فهو إقليم الحركة
والمرور والوصل، في حين أن المثلث الجنوبي أسفل هذا الخط ، هو منطقة العزلة والفصل
الأول يحمل شرايين الحركة المحورية والحبل السري بين القارتين، والثاني هو منطقة
الطرد والالتجاء التي آوت إليهابعض العناصر المستضعفة أو المضطهدة ،ولما كان طريق
الخطر الخارجي البري إلي مصر هو الشام أساساً ، وكانت سيناء تحتل النقطة الحرجة
بين ضلعي الشام ومصر اللذين يكونان وحدة استراتيجية واحدة، أصبحت سيناء "طريق
الحرب" بالدرجة الأولى لأنها معبر أرضي، وجسر استراتيجي، عبرت عليه الجيوش
منذ فجر التاريخ عشرات، وربما حرفياً مئات المرات جيئة وذهاباً(تحتمس الثالث عبرها17مرة
)
جغرافية سيناء العسكرية:
وكقاعدة جيوستراتيجية،
تتلخص أبعاد المستطيل الشمالي أساساً في ُثلاثيتين من المحاور
الإستراتيجية الفقْرية، كل
منهما مركبة على الأخرى، واحدة عرضية، والأخرى طوليه. الأولى تتعلق بطرق
المواصلات والحركة وخطوط الاقتراب بين الشرق الفلسطيني والغرب المصري، ما بين
الساحل وبداية المثلث الجنوبي من سيناء
والثانية تمثل خطوط الدفاع الأساسية عن مصر النيل، والتي تمتد من الشمال
إلى الجنوب وبتعاقب عبر سيناء من الحدود إلى القناة ، والثالثة: بتعامدهما
وتقاطعهما تنسجان معاً الشبكة الفعالة والحاكمة في أي صراع مسلح على مسرح سيناء
والتي تحدد مصيره إلى أبعد الحدود.
محاور سيناء الاستراتيجية :
فإذا بدأنا
بثلاثية المحاور، وجدنا ثلاث مجموعات من الطرق الشريانية العرضية التي تستحيل
الحركة الميكانيكية خارجها وهي
أ - محور الشمال: الذي يوازي الساحل.
ب- محور الجنوب : الذي يصل بين زاوية البحر المتوسط قرب
رفح وخليج السويس.
جـ- محور الوسط : الذي يترامى كقاطع بين زاوية البحر المتوسط وبين
منصف قناة السويس عند بحيرة التمساح. وبنظرة عامة يمكن رؤية أن الطرق الثلاثة ترسم
معاً شكل مروحة أو حزمة مجمّعة في أقصى الشمال الشرقي، قرب التقاء الحدود السياسية
وساحل البحر المتوسط. ومفتوحة في الغرب والجنوب الغربي بطول قناة السويس. غير أننا
إذا أضفنا فرعاً جنوبياً أقصى للمحور الجنوبي، يمتد ما بين رأسي خليجي السويس
والعقبة، لتحول النمط العام إلى شكل حرف (Z) .
د- ويُعد المحور الشمالي أو الساحلي الطريق التاريخي، طريق القوافل،
الذي عبرته ذهاباً وإياباً ، عشرات الجيوش فضلاً عن قوافل التجار، والذي يرسمه خط
السكة الحديدية الوحيد عبر شبه الجزيرة، ويجاوره طريق بري رئيسي، وإن يكن
صعباً نوعاً للسيارات. ينحصر المحور ويتحدد بين مستنقعات الساحل الرخوة الهشة من
الشمال، وبحر رمال الكثبان الشاسعة المفككة التي لا يمكن أن تخترقها المركبات
الميكانيكية من الجنوب ، الطريق غني بالآبار وموارد المياه نسبياً، ولكن الإنجليز
في الحرب الأولى اضطروا إلى تعزيزه بأنبوب من مياه النيل عبر القناة ، أما
ساحل البحر المتاخم، فضحل رسوبي لا يصلح لاقتراب أو رسو السفن الكبيرة، وإن أمكن
للسفن الصغيرة أن تدخل موانيه الرئيسية. غير أن الطريق البحري ليس منافساً أو
بديلاً للمحور الأرضي ، ومن الناحية الأخرى تستطيع المدفعية البحرية الحديثة بعيدة
المدى، أن تقصف من عمق البحر وتضرب أجناب المحور، كذلك يمكن لوحدات القوات الخاصة
والضفادع البشرية، أن تتسلل إليه من البحر لتضرب مراكزه ، وهذا ما فعلته القوات
البحرية المصرية الفدائية والخاصة مراراً وبنجاح كبير في حرب أكتوبر.
هـ- يبدأ المحور من القناة عند القنطرة : التي تحدد نهاية بحيرة
المنزلة الجنوبية وبداية أول أرض صلبة بعدها، وتستمد القنطرة اسمها من أنها كانت
"قنطرة العبور" على فرع النيل البيلوزي في العصور العربية الوسطى ومن
القنطرة يتجه المحور باتجاه الشمال الشرقي، موازياً لسهل الطينة الرخو وبعيداً
عنه، ثم ينثني شرقاً قرب بالوظة ثم يمر برمانة ، فقاطية، ثم بئرالعبد على طرف
بحيرة البردويل، ومن البحيرة يمضي المحور إلى العريش، فالشيخ زويد، فرفح حيث يتصل
بطريق الساحل في فلسطين.
و- ونظراً لأهمية المحور التاريخي، نجد كثيراً من معارك مصر، أو
بالأحرى معارك مصر في سيناء، دارت غالباً إن لم نقول دائما ً في نهايته في أقصى
الشرق والغرب، أو رفح وبيلوزيوم (الفرما) على الترتيب وقد حدث هذا في العصر
البطلمي ، وتكرر أيام الرومان، ومراراً مع العرب.
ز- ويمكن القول بصفة عامة: إن المحور الشمالي كان أهم خط استراتيجي في
سيناء
في العصور القديمة، ولكنه في العصر الحديث، عصر الحرب الميكانيكية، فقد هذه
الصدارة واأصبح للمحور الأوسط أهمية أولى .
حـ- أما محور الوسط :
فهو
المحور القاطع الذي يمتد بين الإسماعيلية وأبو عجيلة وهو العمود الفقري بلا نزاع في محاور سيناء الاستراتيجية الثلاثة .
ويعد
اليوم طريق الخط الأول بلا شك. وقد كان محور تحرك القوات البريطانية بين مصر
وفلسطين دائماً، كما ركزت عليه إسرائيل في كل عدوان شنته ويرجع ذلك إلى أنه صالح
تماماً لتحرك الحملات الميكانيكية الثقيلة، إذ يترامى على صلب السهول الهضبية
الثابتة وإن اعترضته بعض حقول الكثبان الرملية.
هذا إلى أنه يؤدي مباشرة إلى قلب الدلتا في مصر عن طريق وادي
الطميلات وهو كذلك يؤدي شرقاً إلى قلب هضبة فلسطين الداخلية، ومن هنا كان يعرف
"بطريق الشام" وينحصر المحور بين نطاق الكثبان الرملية وبعض كتل الجبال
المنعزلة في الشمال، وبين القاطع الجبلي الأساسي في الجنوب. ومن هنا يتحكم في، أو
تتحكم فيه، فتحة جبلية حاسمة تعد مفتاح المحور كله، ويبدأ المحور على القناة إزاء
الإسماعيلية، التي تصبح بذلك الهدف الطبيعي الأول لكل من يهاجم مصر والقناة من
الشرق وبعدها
يتبع ممر الختمية المهم الذي يقع بين جبل الختمية شمالاً، وجبل أم خشيب جنوباً. ثم
يستمر المحور شرقاً حتى يصل إلى مضيق الجفجافة الذي يُعد الفتحة الحاسمة بين جبل
المغارة في الشمال، وكتلة جبل يلق الصعبة في الجنوب.
وبعد المضيق يتجه شمال شرق حيث تحدده فتحة أخرى ثانوية تنحصر بين
جبل لبنى في الشمال وجبل الحلال في الجنوب وبعد ذلك يستمر المحور حتى يصل إلى أبوعجيلة، حيث يتصل المحور الأوسط
بالمحور الشمالي لأول مرة في الرحلة ، ومن هناك يؤدي إلى قلب إسرائيل.
طـ- المحور الجنوبي :
يمتد ما بين السويس والقسيمة وهو خط اقتراب أقل أهمية من محور
الوسط، إذا لا يصلح إلا للحملات الخفيفة، كما يعتبر غير مباشر وبعيد نسبياً عن
أقطاب الصراع على جانبي سيناء وهو بعيد عن الكثبان الرملية، ولكن تعترضه العوائق
الجبلية، وإن أفاد من فتحاتها كما يفيد من بطون روافد وادي العريش.
ويبدأ المحور من السويس التي تستقطب كل الأهمية
الإستراتيجية لرأس الخليج، وذلك باعتبارها مدخل القناة، ومركز عمراني وصناعي،
فضلاً عن أنها تؤدي بطرق السيارات والسكة الحديدية المباشرة إلى القاهرة رأساً ومن
السويس يتجه المحور إلى الكوبري والشط، وبعدهما يصل إلى ممر متلا، الفتحة الجليلة
الحاكمة للمحور بأسره والتي منها يمكن تحديد الحركة عليه وإيقاف الزحف المعادي
فوقه.
ك- من هنا تأتي أهمية الممر الدفاعية القصوى عن
السويس فالقناة فالقاهرة وبعد الممر يتجه المحور شمال شرق إلى أعالي وادي البروك،
الذي يستفيد منه المحور، ويتبعه هو وأودية أخرى مجاورة، ومنها يمضي إلى الجنوب من
جبل الحلال إلى أن يصل إلى القصيمة قرب الحدود مباشرة وهنا من القصيمة يتصل
المحورالجنوبي الأوسط شمالاً عند أبوعجيلة، وبذلك يصب المحور هو الآخر في قلب وسط
فلسطين.
خطوط الدفاع الإستراتيجية :
هناك ثلاثة
خطوط دفاعية أساسية محددة بوضوح كامل، تتعاقب من الشرق إلى الغرب، أي من حدود مصر
الشرقية حتى قناة السويس على الترتيب .
أ- الخط الأول : قرب الحدود ويكاد يوازيها.
ب- الخط الثاني : خط المضايق من شرق السويس إلى البردويل.
جـ- الخط الثالث : خط قناة السويس نفسها.
د- ويُعد كل خط من هذه الخطوط بمثابة "خط حياة" لمصر، لذا
يحتاج إلى نظرة فاحصة عليه أولاً، ثم بعد ذلك إلى نظرة متكاملة في إطار الشبكة
الدفاعية كلها.
تلك هي محاور سيناء الإستراتيجية الأساسية الثلاثة، إلا
أن هناك محوراً فرعياً (أو رابعاً) يخرج من المحور الجنوبي متجهاً إلى رأس النقب
على نهاية خليج العقبة. فبعد ممر متلا، تتجه هذه الشعبة ناحية الجنوب الشرقي، مارة
بنخل على وادي العريش الرئيسي وفي قلب شبه الجزيرة. وبعد ذلك تصل إلى التمد على وادي
العقبة، وأخيراً إلى رأس النقب على الحدود قرب طابا المصرية والعقبة الأردنية
(وبينهما الآن إيلات إسرائيل) ، وعند التمد تخرج من المحور شعبة نحو الشمال الشرقي
إلى الكونتيلا، آخر النقاط العسكرية المصرية الداخلية على الحدود جنوباً ، هذا
المحور هو بالطبع طريق الحج القديم، "درب الحج"، الذي فقد أهميته بعد
تحول الحج إلى طريق السويس البحري، فضلاً عن الطريق الجوي. وهو يسير على أرض صلبة
ولكنها صعبة. ومن الواضح أن الطريق غير مباشر وبعيداً للغاية عن مركز مسرح القتال،
لكنه وارد دائماً كبديل أو كمفاجأة استراتيجية، وقد استغله العدو الإسرائيلي في
حرب يونيو إلى أبعد حد. والواقع أن أخطار هذا المحور العسكرية يمكن أن تزداد بتقدم
وتزايد العمران في النقب وزحفه نحو الجنوب مستقبلاً ، وخطورة ذلك وتداعياته على حدود
مصر الشرقية مما يهدد الامن القومى المصرى .
------------------
تحياتى / سهام عزالدين جبريل
0 تعليقات:
إرسال تعليق