بقلم -فالح الحجية
ولد الشاعر محمد مهدي الجواهري في النجف في السادس والعشرين من تموز عام 1899م ولد من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم والأدب والشعر تُعرف بآل الجواهر ، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، والذي ألّف كتاباً في الفقه واسماه (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) . وكان لهذه الأسرة ، كما لباقي الأسر الكبيرة في النجف مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية . مدينةالنجف كانت ولاتزال مركزا دينيا وأدبيا ، وللشعر فيها أسواق تتمثل في مجالسها ومحافلها ، وكان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف ، أراد لابنه الذي بدت عليه علائم الذكاء والمقدرة على الحفظ أن يكون عالماً من علماءالدين ، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العا شرة.
قرأ القرآن الكريم وهو في سن امبكرة وتم له ذلك بين أقرباء والده وأصدقائه، ثم أرسله والده إلى مُدرّسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة، وعلوم اللغة العربية لترابط علوم اللغة بعلوم القران الكريم فأخذ عن شيوخه النحو والصرف والبلاغة والفقه وما إلى ذلك مما هو معروف في منهج الدراسة آنذاك . وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان المتنبي فيبدأ الفتى بالحفظ طوال نهاره منتظراً ساعة الامتحان مساءا بفارغ الصبر ، وبعد أن ينجح في الامتحان يسمح له بالخروج فيشعر انه خُلق من جديد ،ثم صحب والده إلى مجالس الكبار .
أظهر ميلاً كبيرا منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعرالعربي ، فنظم الشعر في سن مبكرة ، متأثراً ببيئته ، واستجابة لموهبة كامنة فيه .
كان أبوه يرغب ان عالماً لا شاعراً ، لكن ميله للشعر غلب عليه . وفي سنة 1917، توفي والده وبعد أن انقضت أيام الحزن عاد الشاب إلى دروسه وأضاف إليها درس البيان والمنطق والفلسفة.. وقرأ كل شعر جديد سواء أكان عربياً أم مترجماً عن الغرب .
كان في أول حياته يرتدي العمامة وهي لباس رجال الدين حيث نشأ نشأةً دينيه محافظة ، واشترك بسب ذلك في ثورة العشرين عام\ 1920م ضد السلطات البريطانية معمما فكان من الدعاة لها ويدعوا ليقضة عراقية عربية ضد المستعمرين ، انتقل الى بغداد حيث اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة ، ثم هجر العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الملكي وراح يعمل بالصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد ، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة ( الفرات ) وجريدة ( الانقلاب ) ثم جريدة ( الرأي العام ) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين .
لم يبق من شعره الأول شيء يُذكر ، وأول قصيدة له كانت قد نشرت في شهر كانون الثاني عام 1921 ، وأخذ يوالي النشر بعدها في مختلف الصحف والمجلات العراقية والعربية .
نشر أول مجموعة له باسم ( حلبة الأدب ) عارض فيها عدداً من الشعراء القدامى والمعاصرين .
ترك النجف عام \1927 بعد ان تم تعيينه معلماً على الملاك الابتدائي في الكاظمية وكان يطمح ان يعين مدرسا على الملاك الثانوي بدلا من الابتدائي .
أصدر في عام\ 1928 ديواناً أسماه ( بين الشعور والعاطفة ) نشر فيه ما استجد من شعره .
استقال من البلاط سنة 1930 ، ليصدر جريدة (الفرات) ، ، ثم ألغت الحكومة امتيازها بعد اصدار العدد العشرين منها فآلمه ذلك كثيراً ، وحاول أن يعيد إصدارها فلم يوفق ، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة\ 1931 في مدرسة المأمونية ، ثم نقل الى ديوان وزارة المعارف ( التربية حاليا ) رئيساً لديوان التحرير .
و في عام\1935 أصدر ديوانه الثاني بإسم ديوان الجواهري .
-وفي أواخر عام \1936 أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي لكنه شعر با نحراف حكومة الانقلاب عن أهدافه التي أعلن عنها فبدأ يعارض سياسة الحكم فيما ينشر في هذه الجريدة ، فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الصحيفة عن الصدور شهراً .
وبعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام) ، ولم يتح لها مواصلة الصدور ، فاغلقت مرات عديدة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة ولاذعة للسياسات المتعاقبة .
لما قامت حركة مارس\ 1941 رشيد عالي الكيلاني والضباط الاحرار أيّدها الاانها فشلت بسبب وجود قوات الاستعمار البريطاني في العراق وبعد فشلها غادر العراق مع من غادر إلى إيران ، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته
في عام\ 1944 شارك في مهرجان أبي العلاء المعري في دمشق .
ثم أصدر في عامي\ 1949 و 1950 الجزء الأول والثاني من ديوانه في طبعة جديدة ضم فيها قصائده التي نظمها في الأربعينيات والتي برز ت فيها شاعريته ًالكبيرةً .
شارك في عام\ 1950 في المؤتمر الثقافي للجامعة العربية الذي عُقد في الاسكندرية ثم انتخب رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيباً للصحفيين .
واجه مضايقات مختلفة في زمن حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم التي اعلن تاييده لها منذ البداية لما اكتنفها من احداث دامية فاضطر لمغادرة العراق عام \1961 إلى لبنان ومن هناك سافر الى اوربا ليستقربه المقام في براغ ضيفاً على اتحاد الأدباء التشيكوسلوفاكيين .
أقام في براغ سبع سنوات ، وصدر له فيها في عام\ 1965 ديوان جديد سمّاه ( بريد الغربة ) .
عاد إلى العراق في عام\ 1968 بعد قيام حكومة حزب البعث الثانية بقيادة المرحوم احمد حسن البكر وخصصت له حكومة الثورة راتباً تقاعدياً قدره\ 150 ديناراً في الشهر .
في عام\ 1969 صدر له في بغداد ديوان (بريد العودة) .
و في عام\ 1971 أصدرت له وزارة الثقافة والإعلام العراقية ديوان ( أيها الأرق) .وفي العام نفسه رأس الوفد العراقي الذي مثّل العراق في مؤتمر الأدباء العرب الثامن المنعقد في دمشق . وفي العام نفسه أصدرت له وزارة الإعلام ديوان ( خلجات ) .
في عام 1973 رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس .
الجواهري شاعر كبير فتحت بلدان عديدة فتحت أبوابها اليه لتحتضنه ولتضيفه مثل مصر، المغرب، والأردن بمزيد من الاجلال والتقدير
و الاحترام الذي حظي به الاانه اختار دمشق فاستقر فيها واطمأن إليها واستراح فكانت محطة لا ستراحته الاخيرة
كرمه الرئيس السوري حافظ الأسد بمنحه أعلى وسام في البلاد بعد القاء قصيدته دمشق وان قصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد ) لهي اشراقة حديدة في الشعر العربي الحديث
يتصف أسلوب الجواهري بالصدق في التعبير والقوة في البيان والحرارة في الإحساس الملتحم بالصور الشعرية الهادرة كالتيار في النفس ، ولكنه يبدو من خلال أفكاره متشائماً حزيناً ككل الشعراء العراقيين المحدثين لما الم ببلدهم من احداث و من الحياة تغلف شعره مسحة من الكآبة والإحساس القاتم الحزين تخرج من نفسية معقدة تنظر إلى كل أمر نظر الفيلسوف الناقد الذي لايرضيه شيء.
وتوفي الجواهري في السابع والعشرين من تموز\ 1997 ، ورحل بعد أن تمرد وتحدى الزمن والطغاة الظالمين ودخل معارك كبرى وخاض غمرتها واكتوى بنيرانها فكان بحق شاهد العصر الذي لم يجامل ولم يحاب أحداً . , ولم يرضخ لاحد فكان نارا فوق علم وان الجواهري لهو متنبي العصر الحديث لتشابه اسلوبه باسلوبه وقوة قصيد ه ومتانة شعره
- ومن دواعي الصدف ان الجواهري ولد وتوفي في نفس الشهر، وكان الفارق يوماً واحداً مابين عيد ميلاده وذكرى وفاته. فقد ولد في السادس والعشرين من تموز عام \ 1899 وتوفي في السابع والعشرين من تموز 1997\
ومن قصائده هذه\
أرح ركابكَ من أيـنٍ ومن عثَرِ
كفاك جيلانِ محمولاً على خـطر ِ
كفاك موحشُ دربٍ رُحتَ تَقطعهُ
كأنَّ مغـبرَّة لـيل بلا سحَرِ
ويا أخا الطير في ورْد ٍ وفي صَدَرٍ
في كلَّ يومٍ له عـُشٌ عـلى شجرِ
عريانَ يحمل مِنقاراً وأجـنحةً
أخـفَّ ما لمَّ مـن زادٍ أخو سَفَرِ
بحسبِ نَفسَكَ ماتعيا النفوسُ به
من فرط منطلق ٍ أو فرط منحدر
أناشدٌ أنت حتفاً صنعَ منتحرِ
أم شابكٌ أنت , مغتراً, يدَ القدر
خفـَّضْ جَناحيكَ لا تهزأ بعاصفةٍ
طوى لها النسر كشحيه فلم يطر ِ
ألفى له عِبرةً في جؤجؤٍ خضبٍ
من غيره, وجَـناحٍ منه منكسِر ِ
ياسامرَ الحي بي شوقٌ يرمِضٌني
إلى الَّلداتِ, إلى النجوى إلى السمَرِ
ياسامر الحي بي داءٌ من الضجَرِ
عاصاه حتى رنـيـنُ الكـأس والوترِ
لا أدَّعي سهرَ العشاق يشبعَهُم
ياسامرَ الحي بي جْـوع إلى السهَرِ
ياسامر الحي حتى الهم من دأبٍ
علـيه آب إلى ضربٍ من الخدَرِ
ياسامر الحي انَّ الدهرَ ذو عجبٍ
أعيت مذاهبه الجلىٌ على الفِكَرِ
كأنَ نـُعماءه حبلى بأبؤسهِ
من ساعةِالصفو تأتي ساعة الكـَدَرِ
تـندسُ في النـَّـشوات الحُمسِ عائذَةً
هذي فـُتـدركها الأخرى على الأثَرِ
ينَغٌص العَيش إنٌ المَوت يدرِكهُ
فنحن من ذين ِ بين الناب والظفرِ
والعمرُ كالليل نـحييه مغالطة
يـُشكى من الطول أو يشكي من القِصَرِ
وياملاعــبَ أترابـي بمنعَطَفٍ
من الفرات إلى كوفـانَ فالجِزُرِ
فالجسرُ عن جانبيه خفقُ أشرِعةٍ
رفـّافةٍ في أعالي الجو كالطررِ
إلى (الخورنق) باق في مساحبهِ
من أبن ماء السما ماجرٌ من أثرِ
تلكم (شقائقه) لــم تــأل ناشرةً
نوافج المسك فضـّتها يدُ المَطَرِ
بيضاءَ حمراءَ أسراباً يموجُ بها
ريشُ الطواويس أو مـَوْشـية الحَبَرِ
للآنَ يـُطرب سمعـي في شواطئه
صدحُ الحمـام وثغيُ الشـاة والبقر
والرملة ُ الدمثُ في ضوءٍ من القَمَرِ
والمدرجُ السَمحُ بين السـُوح والحُجَرِ
يا أهنأ الساع في دنـياي أجمَعُها
إذا عددتُ الهنيء الحلوَ من عُمري
تصوبـَّي من علٍ حتـى إذا إنحَدَرتْ
بي الحتـُوفُ لذاك الرمل فانحَدري
تـُمحى الغضارات في الدنيا سوى شفق
من الطفولة عـذبٍ مثلها غضَرِ
وتـُستطار طيوفُ الذكرياتِ سوى
طيفٍ من المهد حتى الـلحد مُدٌكَرِ
في(جنـَّـة الخلد) طافت بي على الكـبر
رؤيا شبابٍ وأحلام ٍ مـن الصِغَرِ
مجنـَّـحاتُ أحاسـيـس ٍ وأخلية
مثل الفراشات في حقل الصـِبا النضِـر
أصطادهنَّ بزعمي وهي لي شركٍ
يصطادُني بالسنا واللطـِف والخفَرِ
أقتادهـُنَّ إلى حربٍ على الضجر
فيصْطلن على حربي مع الضجرِ
امير البيـــــــــان العربيد . فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
0 تعليقات:
إرسال تعليق