Ads

خالد البلشي يكتب: .. ويسألونك عن الأمل


حلمنا مستمر وإن أوجعت البعض تفاصيل اكتماله..

هذا هو يقيني والذي لم يفارقني منذ ما قبل سقوط مبارك، وحتى الآن رغم كل العقبات التي صادفت الحلم، لكنها لم تقدر يوما على وقف سريانه.. بل أنها دائما كانت تأتي لتضيف حالمين جدد لصفوف الثورة يحلمون بالغد كل على طريقته وإن اختلف شكل المعركة.
يحلو للبعض أن يؤرخ لبداية الثورة المصرية بـ يوم 25 يناير، لكن البداية الحقيقية لهذه الثورة كانت عندما صغرت الدولة لحد خوض معارك شخصية مع مواطنين أفراد.. عندما تفرغت لمطاردة الحلم ولو عبر تسجيلات للحياة الشخصية، أو مطاردة آخرين في أكل عيشهم وهو الدرس الذي يبدو أن كل الحكومات المتعاقبة منذ مبارك وحتى الآن لم تستفد منه.. رغم أن جميع من وقعوا في الخطأ سقطوا أو خلعوا أو عزلوا و رغم أن دورة العزل تضيق وتقصر باتساع رقعة الحلم ومن يحملونه.
كانت الدولة دائما منشغلة بمطاردة أفراد تظنهم هم صناع المعركة لمجرد أنهم في واجهة المشهد، وتنسى أن مساحة من يحملون الحلم تتسع وإن تواروا أو اختاروا تأجيل المعركة أو خوضها على طريقتهم ببناء مستقبل مختلف لهم ولأبنائهم أو بانتظار اللحظة الفارقة للحصول على حقوقهم.. أو حتى بتمرد على الواقع من خلال حلم فردي في شكل كتاب جديد أو فرقة موسيقية تغني للمستقبل أو قصيدة شعر.. هذه هي مكامن الأمل التي لا يعرفها العسس فيواجهون الحلم بالسلاح وينسون أن قطرة دم سالت يوم 25 يناير صنعت ثورة.. وأن بوعزيزي احترق ليضيء لأجيال سبل المستقبل.. وأن عشرات كانوا يوما يقفون على سلالم نقابة الصحفيين أو أمام محكمة النقض رسموا طريقا لأجيال أصبحت لعبتهم الأولى هي عسكر وثوار.
ينسون أن سجنا يتسع ربما يضمهم يوما، هذه هي تجربة السنوات السابقة.. وأن من خرجوا يوما من أجل العيش والعدل والحرية لن يعودوا بدونها، ربما توقفوا لمراجعة أخطاء ثلاث سنوات أجلت الحلم .. ربما أدركوا أن خروجهم القادم يجب ألا يكون فعلا اضطراريا لانقاذ ما يمكن إنقاذه.. ربما علمتهم التجربة أن خروجهم على مبارك كان واجبا وأن لم يستعدوا، وأن اسقاط مرسي كان ضروريا ولو لم يتمكنوا من إعداد البديل، وأن عليهم صنع بديلهم ..
ربما أدرك بعضهم أن للثورة طرقا متعددة وأن لحظة الفوران تحتاج لإعداد سياسي على الأرض وتحتاج لاحتدام الأزمة المجتمعية .. وربما أدركوا ضمن ما أدركوا من خلال تجربة السنوات الثلاث السابقة أن الثورات عمرها طويل، ومعاناتها أطول لكنها ترسم مستقبلا افضل ولو طال الأمد.. وأن موجاتها الكبيرة تحتاج لتفاعل على الأرض، فمبارك سقط عندما فشل في مواجهة احتياجات الشعب رغم - وربما بسبب - شدة قمعه، وأن المجلس العسكري انهزم عندما حاول استعادة دولة من سبقوه والحفاظ على مكتساباته ولو سلم الدولة لفصيل بعينه لمجرد إنه خان من نزلوا إلى الميادين .. وأن مرسي والإخوان سقطوا عندما اختاروا دولة مبارك بديلا عن الثورة، وفشلوا في حل متناقضاتها الإجتماعية واضافوا إلى قمعها تكفير معارضيهم وإرهابهم فكان الخروج عليهم حق على الجميع.
لم يدرك أي من حكموا مصر منذ 25 يناير وحتى الآن أن التناقضات التي صنعت الثورة هي استبدال العدل بالقمع ومقايضة الحرية بالأمن.. ولم يدركوا أن الرد الوحيد على المحاولات المتكررة لإعادة إنتاج الماضي كانت دائما هي  إعادة إنتاج ما أسقط الماضي، وأن لم يكن بنفس الاساليب.. ولم يدركوا أن ابتكارات الشعوب دائما أقوى من قمع الحكام.. وأن فوهة البندقية مهما اتسعت لن تشمل شعبا، فما بالكم لو أن بضعة عشرات كانوا يظنون أن الثورة قادمة عندما يصبحون بضعة آلاف.. تحولوا الآن لعشرات الآلاف.. وصاروا آباء لأجيال وعت الحلم بالدم .. وقهروا رهبة الموت في الميادين وعلى أبواب المشارح انتظارا لرفاقهم.. أجيال صارت تذهب لتشيع رفاق دربهم وهم يحلمون بمستقبل يعودون لإكماله.. أجيال تعلمت الحب في الميادين وهي تقهر رهبة الموت.
أعلم أن مساحة الإحباط تتسع لدى كثيرا ممن حلموا بالمستقبل وخرجوا لصنعه.. لكن ما لا يدركه من يصنعون هذا الإحباط أنه ليس إحباط المنكسرين ولكنه إحباط الحالمين.. الذين يخشون على حلمهم.. وإحباط من طلبوا عدلا يتسع حتى لقتلة رفاقهم فصنعوا ثورة رومانتكية تحاكم ظلامها ومستبديها.. وبدلا من أن يحذر من حاولوا إجهاض الحلم من غضب الحالمين، قرروا ان يصححوا لهم مسار ثورتهم بالإيغال في غيهم وظلمهم.
أقول لكم بيقين من كتب يوم  سقوط بن علي في 14 يناير 2011.. «الأول.. الشعب يسقط الديكتاتور».. وفي 15 يناير 2011 بعد انتصار الثورة التونسية بساعات: «عطر الياسمين عقبال عندنا».. بيقين أن ثورة مصر قادمة 25 يناير 2011..
اقول لكم بيقين من كتب يدعو للنزول يوم 19 يناير 2011 مؤكدا أن ما بعد 25 يناير لن يكون مثل ما قبله وأننا منتصرون ..فاعتبره البعض أحمقا غير مدرك.. وبيقين من كتب في 27 يناير 2011 قبل جمعة الغضب بيوم أن الثورة ستنتصر وأن الشباب حسم المعركة..
 أقول لكم اليوم أن يقيني بالنصر واكتمال ما خرجنا له يوما لم يتزحزح.. ولدي أسبابي المتعددة فرهاني دائما كان على الناس، ومازلت أراهم أحق بالرهان عليهم وعلى رؤيتهم.
أسبابي للأمل كثيرة ليس فقط أن مساحة الحالمين أتسعت، وليست أيضا فقط أن السلطة تكرر أخطاءها.. ولكنها تمتد لمساحات ضوء لا تنقطع أراها في تجربة شباب تعلموا ألا يستسلموا قبل إنجاز الحلم ولو كان الحلم موقع صغير ينقل صوتهم.. أو دار نشر توثق للمستقبل أو فرقة تغني للشهداء حتى لا ننساهم.. أو فيلم يحاول مغازلة الواقع بنعومة .
أدرك مثلكم أن من يحاولون استعادة ما فات تعلموا أيضا الدرس..  وأدرك أيضا أن مساحة الموجوعين ومن تعبوا من ضريبة الثورة أو أوجعتهم خيانة من ورثوها تتسع.. وأدرك أن الخائفين على قوت يومهم كثر.. ولكني أدرك ايضا أن كل هؤلاء هم دعم لمطالب الثورة بالعدل والحرية وأن من هللوا يوما للمجلس العسكري  بعد 25 يناير هم من خرجوا عليه بالملايين بعدها بعام في ذكرى 25 يناير..  ومن احتفلوا بفوز مرسي هم أنفسهم من خرجوا عليه حين حان وقت استحقاق الحقوق.. كما أدرك ايضا أن نظاما سقط لأنه فشل في مواجهة تناقضاته لن يمكنه مواجهتها بنفس الأساليب التي صنعت هذه التناقضات، حتى لو لجأ إلى الاحتماء برغبة ملايين هي من وجهة نظري أحق بالأمن والعدل والحرية بل والتوقف أمام اختياراتها.. لأنها نفسها هي من ستخرج للمطالبة بهذه الحقوق بعد أن تعلمت أنها من تصنع آلهة العجوة لوقت تحتاجها فتأكلها.
وتبقى البوابة الكبرى للأمل هي رغبتنا في استعادة نعومة فارقتنا وسط بحثنا عن الأمل.. في ساعة حلم بمستقبل أفضل لابنك دون أن يلقى مصير زميلك الذي كان يقف معك في الميادين بينما قاتله لا زال يمارس هوايته.. في حلم بعدل لم يكتمل ولن نعود بغير إكتماله.. وفي لحظات حب دون أن يعكر صفوها صخب الجنازات.. في كلمة أحبك خالصة يمكن أن تقولها لحبيبتك دون أن تتذكر معها حقوق رفاق درب لم تعد، ومازال البعض يصرون على إهدارها بل وإهدار حلم من صنعوها.. وفي درس تعلمناه بألا نسمح لخائن أن يمكث بيننا، أو يكون طرفا معنا في المعركة حتى ولو تشابهت الظروف .. فالثورات دوما يقتلها الخونة وربما يسلمونها للعسس.
الحلم لازال مستمرا وأراه يمشي في طريق اكتماله.. ولو أوجعتكم المحطات.

0 تعليقات:

إرسال تعليق