Ads

أيها العرب ... ماذا أصابكم


د. مصطفى يوسف اللداوي

هل يعقل أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من الانحدار والسقوط، وبتنا على حافة الانهيار وعتبة الانحطاط،

هل تخلينا عن مكانتنا التي أرادها الله لنا ولم نعد الأمة الوسط،

هل أفل نجمنا، وغابت شمسنا، ولم يعد لنا ذاك البريق المشرقي الذي كان،

هل نسيتم أننا كنا للناس شامة، وللعالمين قبلة، وللشعوب مثالاً،

فقد كنا خير الناس بما نملك من قيم، وأعظمها بما كان لنا من حضارة،

قد كنا أهل الشرف والوفاء، وأصحاب المروؤة والشهامة، وحملة لواء النخوة والنصرة،

نبز العالمين كرماً وسخاءً، ونباري الأمم جوداً وعطاءً،

لا يجوع فينا أحد، ولا يئن فينا سقيم، ولا يخاف بيننا فرد، ولا يضام عندنا ضعيفٌ ولا صغير،

صُدُقُ اللسان كنا، أمناء الكف عرفنا، أصفياء القلوب خلقنا، لهجتنا طيبة، وكلامنا حلواً، وتحيتنا سلاماً،

من دخل بيوتنا كان آمنا، ومن أكل من طعامنا سَلِمَ وغَنِمَ،

نهب لنجدة الملهوف فينا، وننتصر للضعيف بيننا، ونضرب على يد الظالم فينا،

نستقبل ضيفنا، ونكرم الغريب فينا، ونؤمن الجار إلينا،

ماذا أصبانا فقد تردت أخلاقنا، وساءت نفوسنا، وضاقت قلوبنا،

فأصبحنا كذبة وقتلة، وسارقين ومردة، وعصاة وفسقة،

لا أمان لنا، ولا صدق معنا، ولا شرف عندنا، ولا نبل فينا، ولا شهامة تزيننا،

بتنا نقتل بحقد، ونغتال بخبث، ولا يسلم من سيفنا الغادر أحد،

ننفجر كجيفة، ونموت كفطيسة، فلا أرض تسترنا، ولا قبور تجمعنا، ولا طيور السماء تفترسنا،

نقتل الصديق والجار، ونتآمر على الأخ والشقيق، وعلى القريب والنسيب،

نبحث عن كل وسيلةٍ للقتل والكره والحقد، ونبتدع كل طريقةٍ للثأر والانتقام والإساءة إلى الإنسان،

نشتري من عدونا سلاحاً، وندفع من أجله قوت أطفالنا وخيرات بلادنا، لنقتل به أنفسنا وأهلنا،

نتآمر مع عدونا ليقتلنا وأهلنا، وهو الذي خرب بلادنا، وسام أمتنا سوء العذاب،  

ننساه ولا نمسه بسوء، ونبتعد عنه ولا نذكر جرائمه، وننأى بأنفسنا عن مقاومته فلا نقاتله،

ما الذي دهانا أيها العرب، وما هي هذه المصيبة التي حلت علينا،

أي نائحةٍ جائحةٍ أصابتنا، وأي بومٍ وغربانٍ صادفتنا،

طيرنا دوماً كان سانحاً، لا يعرف غير اليمنة اتجاهاً، والنجاة سبيلاً،

أيُ لعنةٍ أصابتنا، وأي نقمةٍ حلت علينا، أيُ ضياعٍ نعيش، وأي غربةٍ نقاسي،

أصبحنا نكره أنفسنا، ونخاف من نسبنا العربي، الذي صار سبةً بعد أن كان شامة،

كلنا يتطلع لأن ينسلخ عن بني جلدته، ويخرج عن قومه، مهاجراً لاجئاً مسافراً ضائعاً لا بأس،

غايتنا أن نعيش،  وأن نتخلص مما نحن فيه من ذلٍ وهوان، وشدةٍ وعسرٍ وضيق حال،

وأن ننعتق من العبودية التي أصابتنا، وأن نتحرر من القيد الذي أسرنا، وأن نحلق في الفضاء الذي خلقه الله لنا،  

بتنا نشتاق إلى الزرع الأخضر والسماء الصافية، والأكف إلى الله الضارعة،

سئمنا الموت، وكرهنا رائحة البارود، ولم يعد فينا شجاعاً مغواراً، ولا قائداً جباراً،

ولم نعد نفخر بالبندقية والبارودة التي كانت تزين رجالنا، ونحملها بفخرٍ على أكتافنا،

وبتنا نخاف من كل صوتٍ نظنه انفجاراً، ننتظر من بعده موتاً ونعياً وبكاءً وعويلاً،

أصبحنا نخاف من الصمت إذ يتلوه صخب، ونخشى الهدوء الذي يتلوه ضجيج، ونكره الهدنة التي يتبعها دمارٌ وخرابٌ، وقصفٌ وتفجيرٌ واطلاق نار،

عودوا أيها العرب حيث كنتم، وإلى ما كنتم عليه، وما نشأتم وتربيتم عليه،

أعيدوا الصورة البهية التي كانت، والهيئة الجميلة التي سادت، والمكانة العلية التي نحب،

اغمدوا سيوفكم، وجففوا دموعكم، وداووا جرحاكم، واحقنوا دماء بعضكم، وأطفأوا نار الحرب التي بينكم، وأوقدوا شموع الحب التي ميزتكم، وأعلوا رايات الخير التي كانت لكم، وكونوا لبعضكم بعضاً أهلاً وإخوانا،

فالأرض ستبقى ... ونحن سنبقى، ولن نخسر إلا ما خسرنا، فعجلوا بالوفاق لأن قدرنا هو اللقاء والبقاء.

0 تعليقات:

إرسال تعليق