Ads

شذرات من السيرة النبوية المعطرة 10


بقلم- فالح الحجية

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله :
ذكرت في الشذرة السابقة سفره صلى الله عليه وسلم الى الطائف وما تجشمه من مصاعب واعباء . 
وفي هذه اقول وبعد التوكل على الله تعالى :
عاد المشركون الى جدالهم وعنادهم ومكابرتهم بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف الى مكة وكانوا يطلبون منه الايات عنادا او تعجيزا وقد اجتمعوا في احد الايام في المسجد الحرام وتشاوروا بينهم ثم ارسلوا الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحيث كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على الحضور بغية ارشادهم لعلهم يسلمون فانزل الله تعالى:
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا )
الكهف الاية \6 
فقد جاء مسرعا يأمل ايمانهم بالله تعالى واسلامهم فقالوا له: 
- انك تخبرنا ان الرسل كانت لهم ايات فقد كانت لموسى عصا وكانت لقوم ثمود ناقة هي ناقة صالح وكان عيسى يحيي الموتى فأتنا انت بآية كما ارسل الاولون فاذا اتيتنا بها فاننا سننظر في امر ايماننا بك فانزل الله تعالى الاية المباركة :
( واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آ ية ليؤمنن بها قل انما الايات عند الله وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون )
الانعام – 109 
ونزلت اية اخرى جوابا على ما افتراه او اقترحه المشركون عليه صلى الله عليه وسلم .
فاجابهم بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى :
( قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا )
الاسراء - 93 
لقد كانت مقترحاتهم تعجيزية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد اقترحوا عليه ان يجعل لهم جبل الصفا ذهبا او ينقل الجبال عن مكة الى مكان اخر بحيث تكون اراضيها منبسطة مسطحة صالحة للزراعة 
ويجري خلالها انهارا من المياه العذبة لكي يزرعونها ويستفيدون منها تكون لهم جنات من نخيل واعناب او ان يحيي اباءهم واجدادهم الاولين كي يسألونهم هل صحيح انه رسول الله فدعا الحبيب المصطفى ربه ان يريهم ما ارادوه فنزل جبريل عليه السلام عليه صلى الله عليه وسلم بهذه الايات المباركة :
( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا * او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا * او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي بالله والملائكة قبيلا * او يكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقييك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا * وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث الله بشرا رسولا ؟*) الاسراء \90-94 
فاخبرهم الرسول الكريم ان هذه الامور كلها بيد الله ان شاء استجاب وان شاء لم يستجب - ولا يستجيب رب العباد لمشرك او كافر او منافق مهما دعاه - وهذه الايات لو ا جيبوا عليها ثم لم يؤمنوا لآ تاهم عذاب الاستئصال وهي لا توجب الايمان با قامة الحجة والتي هي قائمة بغيرها بمقتضى تفجيرها تفجيرا بمكة فتصير واديا ذا زرع والله تعالى قضى بسابق حكمته ان جعل بيته العتيق بواد غير ذي زرع لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا او الحياة فيكون الحج لمطمح الدنيا وانما يكون للاخرة . ومن حكمة الله تعالى ورحمته انه تعالى لما ارسل النبي محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للمرسلين ان لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال بل عذب بعضهم مفردا بانواع العذاب كما ذكرنا انفا وقال تعالى :
( وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون * ) 
الاسراء \59
وانزل الله تعالى الايات المباركة تعليما لنبيا وتفهيما قال تعالى :
( ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى بل لله الامر جميعا افلم ييأس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا ان تصيبهم قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى ياتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد *) 
الرعد \ 31
وقد اخبر الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بشدة كفرهم ذلك بانهم لو انزل الله تعالى عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لكذبوا به وبين الله تعالى انه تعالى لو جعل الرسول ملكا على مثل صورة رجل ايضا لم يؤمنوا اذ كانوا لا يستطيعون ان يرون الملائكة في صورهم الحية او الحقيقية التي خلقوا عليها وعندئذ يقع اللبس . 
و هذه الايات المباركة تبين ان القوم الذين يطلبون من رسلهم آيات او دلالات ثم لم يؤمنوا . فانه تعالى يهلكهم جميعا كما حدث لأقوام الرسل صلوات الله عليهم وسلامه قبل رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مثل قوم لوط وقوم هود او قوم صالح وغيرهم فهذه الامور عند الله تعالى لا تتبدل ولا تتغير لذلك لم تنزل هذه الامور في قريش ولم تتحقق طلباتهم . قال تعالى:
( ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون ) الانعام \111
وروى رجال التفسير و رجال الحديث عن ابن عباس رحمهما الله تعالى :
( قال : سأله اهل مكة ان يجعل لهم الصفا ذهبا وان ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا فقيل لو شئت نستأني بهم وان شئت ان نؤتيهم الذي الذي سالوه فان كفروا هلكوا كما هلك من قبلهم فقال بل نستأني بهم ) فنزلت الاية المباركة :
( قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأؤذوا حتى اتاهم نصرنا و لا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين * وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ا ن تبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين * ) 
الانعام الايات \ 33-35
فظن القرشيون انه لما لم يجبهم صلى الله عليه وسلم على ما طلبوا منه افضل حالة لتعجيزه فانزل الله تعالى :
( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا*) 
فقرروا ان يقنعوا الناس انه متقوّل وليس بنبي وانه عاجز عن اجابتهم وعملوا علىذلم ثم جاؤوا اليه صلى الله عليه وسلم مرة اخرى ليطلبوا منه اية اخرى لعله لا يستجيب لهم فتسكته وتدفعه عنهم اما م الناس لعل الناس تستبين ضعفه وعدم قدرته على الاستجابة فقالوا له :
- هل من اية تبين لنا انك رسول الله ؟؟ 
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى ان يريهم اية تبين مقدرته ومكانته عند الله تعالى .فنزلت الايات:
( اقتربت الساعة وانشق القمر * وان يروا اية يقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا اهواءهم وكل امر مستقر* ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغني النذر*) 
القمر\1-5 
فأراه آية انشقاق القمر فقد اصبح القمر شقتين في السماء وظهر منشقا فوق جبل ( ابي قبيس ) المجاور للبيت الحرام حتى رؤا (حراء ) وهو الغار الذي كان يتعبد به النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه في جبل ثور من بين الشقين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اشهدوا ..)
فلما شاهدوا آية انشقاق القمر عيانا ووضوحا ولوقت طويل كبر عليهم وبهتت انفسهم لكنهم لو يؤمنوا واستمروا في طغيانهم وكفرهم سادرين وقالوا :
– هذا سحر مبين - لقد سحرنا محمد .
وقال بعض رجالهم ان كان قد سحركم محمد فانه لا يستطيع ان يسحر النا س كلها فانتظروا القوافل الآتية الى مكة فاسأ لوهم عن انشقاق القمر فلما سالوا الآتين من السفر عن ذلك تأكد لديهم ان انشقاق القمر كان حقيقة . الا انهم اصروا على بقائهم في كفرهم واتباعهم اهواءهم.
ان حادثة انشقاق القمر على عظمتها وقدسيتها اذ كانت حدثا عظيما اراها كانت مقدمة لحالة اكبر واعظم فان رؤية القمر منشقا فلقتين متباعدتين عن بعضهما بعين الحقيقة واليقين ربما يسهل او يقرب الحدث الاعظم الى الاذهان والقلوب والذي سياتي بعد هذه الحادثة الا وهو حادثة الاسراء والمعراج والتي سنتناولها في الشذرة القادمة انشاء الله تعالى .

0 تعليقات:

إرسال تعليق