طارق مجاهد
انتشرت فى الاونةالاخيرة مراكز التحكيم في مصر بطريقة عشوائية لافتة للنظر.. فهناك محامون يخطون خطواتهم الأولي في مجال المحاماة ينشئون مراكز للتحكيم ثم يزعمون أنها تخرج محكمين محليين ودوليين علي مستوي عال من الخبرة.. الواقع يكذب هذه المزاعم.. والحقيقة أننا نخسر الكثير من قضايانا خاصة في مجال التحكيم الدولي وآخرهامطار رأس سدر وسياج والقدم افزع واروع.
وقد أتاح توسع مصر والدول العربية في مجال الاستثمارودخول المستثمرين الأجانب إلي السوق المصري والمشاركة في العديد من المشروعات إلي انتشار ظاهرة اللجوء إلي التحكيم الدولي حيث ان جموع المستثمرون يشترطون فى تعاقداتهم مع الدول العربية على بند اللجوء للتحكيم وذلك لعقم القضاء العربى كله بلا استثناء وايضا لبطئه وايضا لتخلفه عن ركب التقدم القانونى.. فبالرغم من أن الدول اتخذت العديد من الإجراءات للقضاء علي بطء التقاضي وأهمها إنشاءالمحاكم والتوسع فيها.. وتم انشاء المحاكم الاقتصادية فى مصرالا ان معظم المستثمرين الأجانب يشترطون في العقود المبرمة بينهم وبين الدول العربية اللجوء في أي نزاع ينشأ بين الجانبين إلي التحكيم الدولي.. ومن هنا كانت الخطورة.. خطورة عدم إعداد كوادر من المحكمين الدوليين الدارسين للقوانين والتشريعات الدولية والقادرين علي خوض جميع النزاعات التي يفتعلها بعض رجال الأعمال الأجانب في المجالات الاستثمارية والاقتصادية المختلفة.. وبدون هذه الكوادر الجاهزة للدفاع عن وجهة نظرنا فسوف نخسر المزيد من القضايا.. وسيتحول الاستثمار في الوطن العربى إلي مصيدة يستخدمها البعض لافتعال المشاكل في تنفيذ المشروعات المسندة إليهم واستثمار الثغرات القانونية لاختلاق النزاعات ونهب أموال البلد بعد كسب قضايا التعويضات التي يقضي فيها المحكمون الدوليون لصالح المستثمرين والتي عادة ما تكون بالملايين وبالعملات الصعبة.
-القضية تطرح العديد من التساؤلات.. كيف يتم إعداد المحكم الدولي.. وهل المراكز الموجودة الآن كافية في هذا الصدد.. ولماذا نخسرالعديد من القضايا.. ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لإنشاء مراكزالتحكيم.. عرضت القضية علي خبراء التحكيم وكانت هذه إجاباتهم.
1-.. محامون تخرجوا منذ فترة بسيطة يلجأون لهذا الأسلوب بشكل قريب من النصب.. المسألة لابد أن يكون لها ضابط.. ووزارة العدل قادرة علي ذلك.. أهيب بها أن تتدخل لتضع تنظيماً إدارياً لهذا الموضوع.. إذا كان من الصعب وضع ضوابط تشريعية فلا أقل من أن يتدخل الوزير لوضع تنظيم إداري للقضاء علي مراكز التحكيم الوهمية. وحتي يتم تنظيم هذا العمل.
فليس كل موسر يمكنه إنشاء مركز تحكيم.. نعم يمكنه إنشاءعمارة.. ولكن مراكز التحكيم تحتاج دراسة وخبرة كافية واستعداداً للعمل فيهذا المجال لا يمكن أن تتوفر في خريج الحقوق الجديد. ومن هنا كان لابد من إيجاد الضوابط.
ولكن هل المدة الزمنية التي يحددها بعض هذه المراكز لتخريج المحكمين قادرة علي إعداد محكم جيد؟ يجيب.. العبرة ليست بالمدة الزمنية ولكن بالمادة العلمية التي تقدم.. فيمكن أن تقدم برنامجاً علي مدي شهرين بمادة هزيلة لا قيمة له.. ويمكن أن تقدم برنامجا لمدة 3 أيام فقط وبه كم من المعلومات يعطي استفادةكبيرة للدارس.. وهذا يتحقق أيضا في المؤتمرات العلمية الكبيرة التي تقدم مادة علمية قد تحتاج سنة لدراساتها.
ولكن هل يشترط في أي محكم أن يكون خريج حقوق أو دارسًا للقانون.. يجيب.. التحكيم أصلاً شرع لتخفيف العبءعن القضاء.. فيمكن لشخص لا يعلم بالقانون أن يحل نزاعاً في مجال قد يعجز عن حله رجل القانون.. لأن هذا الشرط يخالف الحكمة التشريعية من نظام التحكيم.. أما كتابة الحكم فهي التي تحتاج لخبرة رجل القانون ليراعي الضوابط التي وضعها المشرع في هذا الصدد.
ولكن إن القانون لم يورد شروطاً خاصةللمحكم إلا فيما يتعلق بالنظام العام مثل التمتع بالأهلية المطلوبة كالسن والعقل وعدم الحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف.. و الواقع يؤكد أنه لابدمن وضع شروط لإعداد محكم يصلح لممارسة هذه المهنة.. و أنه لابد أن يكون رجل قانون ويستدل علي رأيه بأنه لا يمكن أن يكون المحكم ممارساً لمهنة غيرقانونية ثم يحكم بالقانون.. أما النزاعات التي تحتاج لتخصصات معينة فيمكن الاستعانة بالجهات الفنية في هذه المجالات علي غرار ما يلجأ إليه القضاء.. ومن الشروط أيضا الإلمام باللغة الأجنبية وخاصة الإنجليزية ليكون لديه القدرة علي تفسير العقود المحررة باللغات الأجنبية ولديه أيضا الحد الأدني من المعلومات في القانون المدني والتجاري وعلي علم بالقوانين المقارنة في الدول الأخري.. لأن أطراف التحكيم يمكنهم الاتفاق في أي نزاع ينشأ بينهم علي الاحتكام إلي قانون غير عربى.. فكل شركة لديها دراية بالقانون الذي تستخدمه.. بالإضافة إلي ذلك فهناك شروط تتعلق بشخصية المحكم ذاته وأهمها أن يكون حسن السمعة.
و أنه للأسف لا توجد إجراءات لإنشاءمراكز التحكيم في مصر سوي أن يكون الراغب في إنشاء المركز محامياً له سجل تجاري وبطاقة ضريبية ومكان للمركز ثم يتوجه للشهر العقاري ويسجل المكتب ولاتوجد شروط أخري وهذا ما يحدث فى مصر.. وأنه لابد من إخضاع هذه المكاتب لوزارة العدل.. وأن تكون الجهة المانحة لترخيص المركز وزارة العدل فقط بحيث تشترط في المحكم الشروط التي ذكرناها و إن دور المراكز الآن عقد الندوات وإعطاء الشهادات واستخراج الكارنيهات وهذا بصراحة لا يمكن أن يعد محكماًإعداداً ناجحاً خاصة وأن المادة العلمية التي تقدم في بعض المراكز ضعيفةومقصود بها تحقيق ربح مادي فقط.. وهذا يمثل خطورة كبيرة إذا عرفنا أن حكم التحكيم نهائي لا يجوز الطعن عليه وأسباب بطلانه محصورة في الأسباب الشكليةفقط ولا علاقة لها بحكم التحكيم.
أضاف أن أسباب خسارتنا لبعض قضايا التحكيم عدم وجود الكوادرالمؤهلة لذلك والمتوفرة فيها شروط المحكم الجيد ولا يمكن أن يستمر هذاالوضع خاصة بعد أن نص قانون الاستثمار الجديد المصرى علي التحكيم وهذا ضمن أسباب حصول مصر علي المراكز الأولي في جذب الاستثمار وايضا بعد الدول العربية.
وأن التحكيم في مصر كان يقتصر علي المسائل المدنية والتجارية فقط حتي سنة 1997 عندما حدث تعديل سمح للعقودالإدارية التي تكون الدولة طرفاً فيها باللجوء إلي التحكيم وهذا تعديل خطيرلأن الهيئة القانونية المختصة في أي وزارة أو شركة ليست علي قدر من الإلمام والكفاءة لتقديم المشورة للوزير أو من ينوبه وهذا ما حدث بالنسبةللشركة الإيطالية التي كانت تتولي نظافة الجيزة.
غير أن فقيه اخر من فقهاء التحكيم فى مصر يرى إن بعض المراكز فعلا ليس لديها الخبرة أوالعلم للتحكيم.. بل إن البعض ممن يحصلون علي دورة واحدة في التحكيم يبادرون بفتح مركز للتحكيم ويتساءل هل يستطيعون أن يعلموا أحداً.. و انه لاتوجد شروط في القانون للمحكم سوي أن الأطراف يتفقون فيه ويكون قادراً علي القيام بمهمته كما أن المحكمة الدستورية رفضت مبدأ اشتراط أن يكون المحكم من القضاة وقالت إن إجبار الناس علي الاختيار من طبقة معينة فيه إجبار يتناقض مع مفهوم التحكيم.. وخسارة بعض قضايا التحكيم ترجع لعدم اختيار من لهم خبرة لحل المنازعات في هذا المجال ولابد أن نعلم أن الخبرة في مجال التحكيم تختلف عنها في القضاء وأهم ما يميز التحكيم البعد عن الشكليات والسرعة والتوافق مع طبيعة النزاع ومن هنا فليس مفروضا أن يكون المحكم رجل قانون فيمكن أن تختار محكماً مهندساً لو كان الأمر خاصاً مثلاً بمجال الإنشاءات وتشييد المباني وفرض شروط في مجال التحكيم غير دستوري غير أنه لابد أن يكون في هيئة التحكيم رجل قانون لكتابة الحكم.
وأن الدورات التي تدرس في مراكز التحكيم تساعد فقط في تعليم محكم ولكنها لا تستطيع إعداد محكم كامل وجيد غير أن جامعة القاهرةتعطي الآن دبلوماً في الدراسات العليا في التحكيم أعتقد أنه يمكنه إعدادمحكم معقول..و أكد أنه لابد للمحكم الدولي أن يلم باللغة الأجنبية ويحذر من الاتفاق في التحكيم علي كلمة “وفقاً لقواعد العدالة” لأنها فضفاضة تحمل تأويلات كثيرة وهي تفويض خطير يهرب به المستثمر من سلطة الدولة.
ووجدت انه من واجبى بل يتحتم عرض هذه المشكلة وطرح الحلول حيث انه موضوع جدخطير فاضافة الى ما قمت بسرده من اراء فقهاء للقانون فاسمحوا لى بان اضيف شيئا بسيطا جدا ارجعه الى سبب خسارتنا الى القضايا التحكيمية التىتنظر فى الخارج وهذا راجع الى عدة اسباب منها اسباب داخلية نحن صنعناهابانفسنا وهناك اسباب اخرى خارجة عن ارادتنا ولكن ساهمنا فى صنعها فاسمحوا لى ان اسرد هذه الاسباب:-
اولا :-الاسباب الداخلية:-
- اؤيد كل ما تم ذكره عاليه واود ان اضيف بالنسبة لهذه الاسباب هو غياب الرقابة على انشاء مراكز التحكيم فى مصر والوطن العربى وهذا ليس معول عليه خسارتنا للقضايا التحكيمية الدولية والتى تعقد فى الخارج فليس لمراكزالتحكيم الداخلية صلة بالامر فالتحكيم الدولى الذى يعقد فى مؤسسة تحكيميةدولية واخص بالذكر المركز الدولى الاستثمار لتسوية منازعات الاستثمار( الاكسيد) الذى عانت منه كافة الدول العربية وهذا ما سوف اذكره فى الاسباب الخارجية.
- عدم وضع منهج مدروس او جهة متخصصة لتخريج محكمين على مستوى عالى .
- عدم اشتراط اللغة العربية فى كتابة العقود جنبا الى جنب مع اللغةالانجليزية او اى لغة اخرى وخاصة فى العقود التى يكون احد اطرافها اجنبى.
- عدم الالمام الكامل بكافة فنيات صياغة العقود وخاصة الدولية منها وايضاالالمام بكافة القواعد القانونية للقانون والاعراف الدولية لدى كثير من رجال القانون.
- تضارب التشريعات التى تصدر فى البلد الامر الذى يجعل المستثمر الاجنبى يتصيد الاخطاء لصالحه وهناك امثلة كثيرة لذلك ولا يسع الوقت لذكرها.
- كافة الدول الاجنبية المتقدمة تعتبر ان تشريعات دول العالم الثالث ماهى الا تشريعات متخلفة لا تواكب التطور العصرى الامر الذى يحدوا بها الى الاشتراط الى تطبيق قانونها الاجنبى على اى نزاع ينشأ بين المتعاقدين علىالرغم من انه لابد ان يطبق القانون المصرى او العربى اعمالا لمبدأ التركيز المكانى للعلاقة.
ثانيا:-الاسباب الخارجية والتى ساهمنا فيها ( واقصد الدولة كنظام) وهذه هى اهم الاسباب التى ادت الى خسارتنا لكافةالتحكيمات الدولية بالخارج واخص بالذكر التحكيمات الصادرة من ( الاكسيد):- وضياع اموال العرب" اموالنا"
- بداية اود ان اذكر بنبذة عن الاكسيد للوقوف وليعلم الكافة بهذا المركز الدولى.
تم تأسيس هذا المركز وذلك لتحقيق العدالة بين الدول الاعضاء فى اتفاقيةواشنطن ورعايا الدول الاخرى وقد انشىء بموجب اتفاقية واشنطن عام 1965ويلاحظ ان هذا المركز لم ينشأ لحسم المنازعات بين رعايا الدول المتعاقدةوالدول المتعاقدة الاخرى فقط ، وانما ايضا لحسم المنازعات بين الهيئات والوكالات التابعة للدول المتعاقدة ورعايا الدول المتعاقدة الاخرى.
وقد وقعت مصر على هذه الاتفاقية بتاريخ 8/3/1965 وعدد من الدول الناميةالاخرىومنها مجموعة من الدول العربية، وان المركز يختص بنظر المنازعات بين الدول الاعضاء وبين مستثمر لايتمتع بجنسية هذه الدولة.
- وقد لوحظ فى كافة القضايا التى باشرها هذاالمركز الاتى:-
1- انه يراعى جانب المستثمر الاجنبى اكثر مما يراعى مصالح الدول المختصمةامامه ومعظمها دول من العالم الثالث.
2- ان المركز يتوسع فى اختصاصه ، ولو كانت النصوص لاتسعف فى اقامة اختصاصه ،وخير دليل على ذلك قضية سياج ، وقضية شركة وينّا الانجليزية، اى ان المركزيمد اختصاصه ليشمل نزاعات لاتدخل ضمن اختصاصه.
3- ان المركز يدخل ضمن اختصاصه منازعات يكون طرفيها متفقين على عرضها علىمركز تحكيم اخر غيره . وبالتالى فأن المركز يجبر الطرفان على الخضوعللتحكيم تحت مظلته برغم سبق اتفاقهما على مركز اخر.
- وهناك قضايا كثير صادقة على ماسبق ان ذكرته مثل قضية هضبة الاهرام ( الشهيرة)والتى كانت شركة ايجوث احد اطرافها وقضية وينّا كما سلف ان ذكرت وقضية اسمنت الشرق الاوسط وقضية امكو اسيا وقضية ارامكو(الشهيرة) فجميع هذه القضايا نظرت امام هذا المركز المشكوك في نزاهته حيث انه يتبع اسلوبالاختصاص الجالب دون ان يكون مختص ورحمة الله على العلامة الفقيه استاذناالدكتور / محمد ابو العينين حينما طالب اكثر من مرة فى اكثر من مؤتمر علىضرورة اعادة النظر فى الخضوع لاختصاص الاكسيد ، وذلك فى ضوء اتجهاته التى يمكن ان تعرض المصالح الوطنية للخطر ، اذا عرضت على المركز قضايا ضد مصراو الدول العربية وحدث بالفعل ان الدول العربية وحدها خسرت امام هذا المركز تقريبا عشرات المليارات واخرها قضية سياج، وان لم نستفيق سريعا بايجاد حل بديل لهذاالمركز فنزيف الاموال للدول العربية سوف يستمر ويستمرويستمر
ومن جماع ما تقدم من اسباب داخلية وخارجية ادت وتؤدى وستؤدى الى خسارةفادحة لاى عملية تحكيمية دولية فيتعين كما سبق ان قلت الا التفكير فى طرح بديل لهذا المركز فهذا واجب وطنى قومى عربى ويتعين اعداد كادر قوى من المحكمين العرب ويكون هذا هو مشروعنا القومى لمواجهة الغزو الاستثمارى الاجنبى.
0 تعليقات:
إرسال تعليق