Ads

من فقه الحج (9) حكم الحج عن الميت :


بقلم : د. عبد الحليم منصور 
رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالدقهلية – فرع جامعة الأزهر

تقدم بيان خلاف الفقهاء فيمن وجب عليه الحج ، وأمكنه فعله ، هل يجب على الفور ، أم على التراخي ؟ والكلام هنا فيما لو تمكن الإنسان من أداء النسك ، ولم يؤده حتى مات ، هل يحج عنه غيره أم لا ؟ 
اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة على رأيين :
الرأي الأول : يرى الشافعية والحنابلة والظاهرية أن من وجب عليه الحج ، فلم يحج حتى مات ، وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر ، سواء فاته الحج بتفريط ، أو بغير تفريط ، وبهذا الرأي قال الحسن ، وطاووس . وهو قول الظاهرية . 
الرأي الثاني : ذهب الحنفية  والمالكية  إلى أن الحج يسقط بالموت ، فإن أوصى به ، فهو من الثلث ، وهو قول الشعبي والنخعي . 
سبب الخلاف في هذه المسألة :
قال ابن رشد : وسبب الخلاف في هذا ، معارضة القياس للأثر ، وذلك أن القياس يقتضي أن العبادات لا ينوب فيها أحد عن أحد ، فإنه لا يصلي أحد عن أحد باتفاق ، ولا يزكي أحد عن أحد ، وأما الأثر المعارض لهذا ... وأما في الميت فحديث ابن عباس أيضا خرجه البخاري ، قال: جاءت امرأة من جهينة إلى النبي  فقالت : يا رسول الله ، إن أمي نذرت الحج فماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها ، أرأيت لو كان عليها دين أكنت قاضيته ؟  دين الله أحق بالقضاء ، ولا خلاف بين المسلمين أنه يقع عن الغير تطوعا ، وإنما الخلاف في وقوعه فرضا " (
(أ) أدلة الرأي الأول : استدل القائلون بوجوب الحج عمن مات ولم يؤد حجة الإسلام بما يأتي :
1 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى في الْمَوَارِيثِ " من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بها أو دَيْنٍ " فَعَمَّ عز وجل الدُّيُونَ كُلَّهَا ، ومنها دين الحج ، فيكون واجب الأداء .
2 – ما روي عن ابْنَ عَبَّاسٍ قال : أَمَرْتُ امْرَأَةَ سِنَانِ بن سَلَمَةَ الْجُهَنِيِّ أَنْ تَسْأَلَ النبي  أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ ولم تَحُجَّ ، أفيجزىء عن أُمِّهَا أَنْ تَحُجَّ عنها ؟ فقال رسول اللَّهِ  : نعم ، لو كان على أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عنها أَلَمْ يَكُنْ يجزىء عنها فَلْتَحُجَّ عن أُمِّهَا ؟ .
3 - وفي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ  عن أَبِيهَا مَاتَ ولم يَحُجَّ ، قال : حُجِّي عن أَبِيكِ .
4 - وفي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ فَأَتَى أَخُوهَا النبي  فَسَأَلَهُ عن ذلك ، فقال رسول اللَّهِ  : أَرَأَيْتَ لو كان على أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قال : نعم، قال : فَاقْضُوا اللَّهَ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ .
5 – ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة ، فلم يسقط بالموت كالدين ، ويخرج عليه الصلاة ، فإنها لا تدخلها النيابة ، والعمرة كالحج في القضاء ، فإنها واجبة ، وقد أمر النبي  أبا رزين أن يحج عن أبيه ويعتمر ، ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله ، لأنه دين مستقر فكان من جميع المال كدين الآدمي  . 
 (ب) استدلال الرأي الثاني : استدل القائلون بسقوط الحج بالموت وعدم وجوب أدائه عمن مات بقولهم : إن الحج عِبَادَةٌ ، وَالْعِبَادَاتُ تَسْقُطُ بِمَوْتِ من عليه ، سَوَاءٌ كانت بَدَنِيَّةً ، أو مَالِيَّةً ، في حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عِنْدَنَا كالصلاة .  
الرأي الراجح :
يبدو لي بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة رجحان ما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول القائلون بوجوب الحج عمن توفي ، ممن وجب عليه الحج ، ولم يحج ، فهذا يجب ان يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ، ويعتمر ، وذلك لقوة أدلتهم ، وسلامتها ، وخلوها عن المعارض القوي ، وما استند إليه المخالفون من أدلة لم تسلم من الطعن والمناقشة ، الأمر الذي يجعل النفس تميل وتطمئن إلى ترجيح هذا الرأي والعمل بموجبه والله أعلم .

0 تعليقات:

إرسال تعليق