Ads

بدون عنوان...


‏أميرة عزالدين‏‏

جلس ببطء على الأريكة الوثيرة أمام شاشة التليفزيون سعيدًا، ارتشف قطرات من كوب شايه المعطر بالنعناع وهو يمني نفسه بعودة ولده بعد قليل، تذكر صوته في الصباح الباكر وهو يتصل به قائلًا: "أنا خلاص راجع النهارده يا حاج.. راجع على طول"..

لقد أنهى ولده مدة تجنيده وسوف يعود أخيرًا ليؤنس وحدته. تمسك جيدًا بكوب الشاي الذي ارتعش في يده إثر ابتسامته التي تحولت لضحكة خفيفة لم تتحملها عروق يده العجوز، ارتشف المزيد وهو يشعل التليفزيون.. تنقل بين القنوات غير عابئ بها كثيرًا.. توقف فجأة أمام إحداها.. سقط الكوب وانفرطت نكهة النعناع.. حلقت روحه لتلحق بروح ولده التي رفرفت هذا الصباح في سماء رفح!


كادت أن تجن وأمها لا تكل أو تمل من الأوامر منذ الصباح، وبين كل أمر وآخر فترة صمت لا تتعدى "الفيمتو ثانية" فلا يمكنها استيعاب الأمر كما ينبغي وحين تبدأ في محاولة لملمة شتات إدراكها تلحقها الأم بالأمر التالي!.. "رتبي اودة أخوكي وأفتحي الشبابيك خليها تتهوى..""نقي رز بزيادة عشان تعملي حساب مناب لأخوكي.. واوعي تعجنيه!..""روحي انشري قمصان أخوكي خليها تلحق تنشف قبل ما يوصل عشان لو حب يخرج بليل مع صحابه..""انتي يا بت لسه ما كويتيش بيجامة أخوكي!.. خليه لما يجيي يفش غله فيكي!.."يا الله!.. أصبح لفظ "أخوكي" هو المسيطر، ليس فقط على كلمات الأم، ولكن المأساة امتدت لتطال كلمات أبيها وأخوتها الأكبر منها هي والأخ المقصود وزوجاتهم وأزواجهم الذين توافدوا جميعًا حين علموا بعودته أخيرًا بعد انقضاء مدة تجنيده!..اضطرت أيضًا لتحمل التطور الطبيعي للكلمة من جيل أخوتها حين وصل إلى أطفالهم ليصبح"خالي"!.. تحملت كل تذمرات الأم أيضًا حين أصبح عليها إضافة "منابات" عديدة على الطعام - وليس منابًا واحدًا لأخيها - في سعادة ممزوجة بقرب انهيار، لكن السعادة كانت الفائزة لعودة توأمها الأقرب إلى قلبها عن سائر الأخوة و.............هوى من يدها طبق الأرز فجأة لتفترش حباته أرضية المطبخ وساد صمت كئيب والجميع يتطلع نحوها.. مالت قليلًا وهي تحاول التنفس في صعوبة واضعة يدها على قلبها في ألم صامت.. وصرخت وهي تتوجه نحو فراش أخيها وتنهار أخيرًا وهي تصرخ: "أخويــــــــــــــــــا.."لم تعي بعدها أن قلبها شعر بطعنة الغدر التي نالت من أخيها لتفترش دمائه رمال رفح.. تمامًا كمان افترشت حبات الأرز الذي يهواه أرضية منزله بعد أن رحل عنه بلا عوده! 


0 تعليقات:

إرسال تعليق