Ads

نبدأ الحكاية ثانياً وننسى أولاً!


د. رزان إبراهيم 

إسكات الآخر أو إلغاء حكايته, تقف وراءه بالضرورة رغبة في تثبيت تصورات أخلاقية واجتماعية تخدم طرفاً بعينه, وهو ما يستدعي بالضرورة تنبهاً إلى قوى سياسية واجتماعية تقف وراءه. وهي عملية خطيرة لعبها الخطاب الصهيوني باقتدار بغية طمس الحقائق التاريخية وتشويهها, ومن ثم إغفال أبسط حقوق الإنسان الفلسطيني. الأمر الذي يقتضي خطاباً طباقياً يعيد الصياغة على أسس جديدة عادلة. وهو ما يبدو واضحاً في مقولة المفكر والناقد الهندي الشهير ( هومي بابا) الذي يرى إمكانية لقراءة شجاعة تقف بالمرصاد لحكاية مغرضة يرويها المحتل, وتستعيد في الوقت ذاته صوت أهل البلد الأصليين المستَعمَرين؛ فالشعب التابع يمكنه أن يتكلم.
تحضرني هذه الفكرة وأنا أتأمل أكثر من رأي يتحدث عن الأثر السيء للربيع العربي على فلسطين. ولست هنا بصدد الإثبات أو النفي, ولكن يهمني في الدرجة الأولى أن لا ننسى ما كان أولاً, فلا تضيع الحقائق؛ فالترتيب مهم. وإلا جاز لنا الترحم على أنظمة مهترئة كانت السبب فيما وصلنا إليه من بؤس ودمار كارثي.
ولي من مريد البرغوثي في " رأيت رام الله" مرة أخرى الشاهد الذي أريد, في مقطع يحكي فيه عن الزعيم الإسرائيلي إسحق رابين حين عرف جيداً كيف يطالب الدنيا بأن تحترم دمعاً إسرائيلياً كان ضحية مطلقة للحرب والعنف الفلسطيني, لدرجة دفعت الحضور في البيت الأبيض إلى أن تمتلئ عيونهم حزناً على الإسرائيلي المنكوب. 
ما فعله رابين ببساطة هو في صميم قلب الحقائق وتغيير الترتيب, وكل ما يقتضيه الأمر حيلة لغوية بسيطة: تهمل الحديث عما جرى أولاً, وتبدأ حكايتك من ثانياً, فالعرب هم البادئون للعنف في الشرق الأوسط. يقول: " ابدأ حكايتك من ثانياً حتى تصبح سهام الهنود الحمر هي المجرمة الأصلية, وبنادق البيض هي الضحية الكاملة! يكفي أن تبدأ حكايتك من ثانياً حتى يصبح غضب السود على الرجل الأبيض هو الفعل الوحشي! ...حتى يصبح غاندي هو المسؤول عن مآسي البريطانييين!..حتى يصبح الفيتنامي المحروق هو الذي أساء إلى إنسانية النابالم". وينتهي الأمر بأن تصبح كما يقول: " ستي أم عطا هي المجرمة وارييل شارون هو ضحيتها". 
بحضور الكثير من الظلام الذي يعمي البصر والبصيرة, وفي وقت تمتلئ فيه القلوب حسرة على مشهد عربي تتآكل فيه المدن العربية الواحدة بعد الأخرى. أدعو بحيادية إلى حكمة تقتضي حفاظاً على ذاكرة ليست بعيدة, وإلا غابت الحقائق.

0 تعليقات:

إرسال تعليق