د. رزان إبراهيم
إلى أن " رآها في أحد الأيام مبتذلة في رثاثة شاذة وهي تحمل كرنبة كبيرة وتسير بها نحو بيتها, وأنها صامت عن الطعام في أيامها الأخيرة....وماتت جوعاً وإن لم تحس أنها ماتت جائعة"". ذاك ما يصفها به سلامة موسى, كما يرد في نهايات كتاب " السر الموزع للآنسة مي" . وهي من كانت في ذهنه الفتاة الجميلة الحلوة التي تتحدث في تأنق, ويتألق الذكاء من بريقها, وأنها أشد النساء أنثوية على الرغم من سعة اطلاعها.
دعونا نذكر مي متأثرين وهي في طريق عودتها إلى مصر, في كلمة إذاعية (نشرها جوزيف زيدان ضمن أعمالها المجهولة) بثتها محطة راديو الشرق في لبنان. بعد خروجها من العصفورية في لبنان. تقول: " وأنت يا مصر التي تحنو تربتها على دفينيَّ الغاليين( تقصد بذلك والديها) إن لي في ربوعك ملكاً مساحته ثلاثة أمتار طولاً في مترين عرضاً! على تلك البقعة ترفرف أفكاري وعواطفي, تطوف هناك بضريح لم تضع عليه يد زهرة منذ ثلاثة أعوام! يا واحة الأغاريد والأزهار أعدي لي طاقة أضعها على ذلك الضريح".
ولنذكر بحزن أن مأساة مي الحقيقية كانت في الطعن بعقلها وكرامتها يوم كانت مريضة لشدة حزن كان أقوى من جميع محاولاتها للتغلب عليه. فقد وجدت نفسها أمام مضايقات ورثة أبيها وأمها الذين طعنوا بعقلها وكرامتها, حزينة وحيدة ضعيفة. وهي من ابيضَّ شعر رأسها دفعة واحدة إثر حملة صحفية وأدبية شُنت عليها. لعلها كما تقول سلمى الكزبري وجدت في الموت الراحة التي كانت تنشدها..كانت صاحبة رسالة يعتز بها تاريخ الأدب, فأصبحت بعد موتها, فكرة مضيئة تستنير بها النساء, رغم مأساة جعلتها في عالمنا العربي شهيدة للوعي النسائي.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق