Ads

مكي يستقيل


عبد الرازق أحمد الشاعر

بعد استقالة العدل من بلادنا، تقدم المستشار أحمد مكي باستقالة أخرى لكنها مسببة هذه المرة. صحيح أن السبب الذي اتخذه الرجل عكازة للخروج من بوابة المسئولية لا يقنع هرا بالمواء، إلا أنه يبرهن على خلل أصيل في منظومة القضاء في بلادنا. 
ربما استقال الرجل كما يقول بعض المدافعين عن تاريخه لأنه تلقي بعض التهديدات من عتاة المجرمين في بلادنا، وأنه خُيِّر بين الفساد والاستقالة فاختار الأخيرة والآخرة. لكن اختيار الأيسر ليس هو الأصوب دائما، لا سيما حين يتعلق الأمر بمصير وطن ومستقبل شعب. صحيح أننا لا نعلم حجم الضغوطات التي تعرض لها الرجل وندعو الله أن لا يضعنا في تجربة كتجربته، إلا أننا نذكر الرجل الذي أقسم اليمين على إقامة العدل أن الخروج الآمن من قاعات المسئولية والنوم فوق وسادة التخلي لن يجلب لصاحبه إلا الأرق وتعذيب الضمير لا سيما إن كان البديل سقوطا للقانون وجنوحا في ميزان العدالة.
نذكر الرجل الذي ألقي باستقالته في وجه التاريخ وأدار وجهه للرياح أن البلاد تكاد تسقط، وأن الفسيلة في يد أحدنا لابد وأن تغرس وإن أتت شمس الثورة بالشمس من مغربها. نذكر الرجل أن القاضي الذي لا يتلقى تهديدا ولا يتعرض للإرهاب مشكوك في نزاهته، وأن الشريف مبتلى. 
إن كنت قد تخليت عن عدالتك أيها الشيخ تحت تهديد المفسدين، وأبقت كما أبق ذا النون ذات يأس، عد. عد أيها الشيخ واضرب بعصاك بحر الظلم الذي تفجر في كنانة الله ، وافضح زيف المتاجرين بأحلام البسطاء في هذا الوطن المغلوب على نفاقه. هل تعلم سيدي الوزير المستقيل أن كلمة "قاضى" مأخوذة من أصل كنعانى وأن الترجمة الدقيقة لها تفيد معنى قائد أو رئيس. وأن عمل القاضي عند أبناء كنعان لم يكن يقتصر على الجلوس على المنصات الفارهة والتصدي للكاميرات في أرواب ذات ألوان زاهية. بل كان عمل القضاة الأصيل إقامة العدل في حياة الناس والدفاع عن حقوق الجماعة - لا الجماعة. 
هل تعلم سيدي أن القاضي عندهم لم يكن يمتلك سيارة فارهة ولا حرسا خاصا ولا أراض مغتصبة، وأنه كان يحكم بأمر الله ولا يخشي في الحق لومة خارج على القانون ولا لومة حزب يحاصر منصته حتى وإن كان حزبا حاكما؟ هل تعلم سيدي أنني نخشي أن تسقط مصر وأن يكون تخاذلكم أول بشائر السقوط؟ 
ماذا نفعل سيدي - نحن البسطاء - حين يتخلى الشرفاء من رجال القانون ورجال القضاء ورجال الشرطة ليحكمنا اللصوص وقطاع الطرق؟ وأي وطن سيبقى حين تنهزمون وتفرون أمام المرتزقة بما آتاكم الله من مال وولد لتتركوا البلاد ومن عليها نهبا للخوف تحت رحمة أسافل مجرمينا الذين لا يرقبون في شريف إلا ولا ذمة؟ 
سيدي الوزير المستقيل .. أعرف أنك راحل .. راحل. وأن كلماتي المشحونة بالغضب لن تغير قرارك بالترجل أمام فرسان القضاة المرتشين الذين تسنموا صهوة الثورة على حين غفلة من أهلها. وأعلم أن التاريخ يأخذنا سريعا حيث لا نأمل ولا نحب. وأننا مثلك ننهار كقطع الثلج أمام طوفان ظلم فادح يخرج من كافة مرافئ الوطن ليطغي على صوت العقل والضمير. لكنني لا أعلم إن كنت أخاطبك أنت يقينا أم أخاطب ما تبقى فينا من ذكرى عدالة لأنني لا أستطيع أن أجزم يقينا أنك انسحبت راغبا، وأنك تقدمت باستقالة مسببة كما تنقل عنك وسائل إعلام لا أثق برجالها. فلربما تفوهت بكلمات أغضبت منك فريقا من المقربين أو نفرا من المستشارين، فأقصاك الرئيس كرها. وربما استبقت حركة تغييرات وزارية علمت أنك واحدا من ضحاياها، فقررت مغادرة البلاط على قدمين من كرامة. وربما أدركت مثلما أدركنا أن البقاء وسط جوقة المهرجين لا يليق بلحيتك البيضاء وتاريخك الناصع. بقي أن تتكلم لأعتذر لك أو لأعتذر عنك. وإن أبيت إلا الصمت، فاعلم أنك شريك في إثم السقوط وجريرة التيه الذي يحملنا كل يوم من فلاة إلى فلاة.


-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق