Ads

مصير حكومة قنديل بين الإبقاء والرحيل


دكتور عادل عامر

أزمة حكومة هشام قنديل أنها تسير وهى تحمل على ظهرها إرث 30 عاما من فساد نظام مبارك وفى الوقت نفسه جاءت بعد أن أفرط الرئيس محمد مرسى في وعوده إلى حد أنه وعد بتحويل مصر إلى الجنة الموعودة أثناء حملته الرئاسية وتعهد بحل كل أزمات المجتمع ووعد بعلاجها خلال 100 يوم من رئاسته ولكن جاءت الحكومة التي  لم تكن لديها أي خبرات ولا طموحات ولا حتى إمكانيات لمواجهة أزمات البلاد وفشلت في كل الاختبارات التي تعرضت لها وسجلت نتائج متواضعة للغاية في ملفات الأمن والمرور والنظافة والطاقة ورغيف العيش.
تصر حكومة الدكتور هشام قنديل على إن تبحر ضد التيار وتسير عكس الاتجاه السياسي من أجل إرضاء الجماعة على حساب الوطن فرئيس الحكومة منذ أن تولى منصبه وهو يدمن السير في المناطق الشائكة وتفجير المعارك السياسية والابتعاد عن قضايا المواطن والبحث عن حلول لها حتى باتت الحكومة أمام لحظة فارقة اختارت فيها الوقوف في المنطقة غير الآمنة بجوار الرئيس وجماعته ويمسكون بأيديهم المرتعشة عصى ضعيفة غير قادرة على صد أي هجوم مضاد تتعرض له.
فالعقول المرتعشة التي تدير مصر الآن يكتفون بأداء دور المتفرج من حولهم بعد أن استولى قيادات الجماعة على كل تفاصيل المشهد وأزاحوا الجميع من حولهم ظنا منهم أن خطة التمكين التي بدأوا  في الحكومة في تنفيذها سوف تحميهم من الانقلابات السياسية وتؤمن كرسي الحكم من المعارضة ولذلك اختار الرئيس وجماعته حكومة عاجزة عن تقديم أفكار ورؤي لبناء المستقبل وتقدم حلولا مشوشة وترسم للحاضر صورة باهتة بلا معالم وتحاول إقناع الجميع بمدى صحتها.
كما إن أخطر ما واجهته الحكومة قبل مجيئها أن الجماعة قامت بتسريب أسماء قيادات ورموز وطنية لتولى منصب رئيس الحكومة قبل الإعلان الرسمي عنه حتى توهم الجميع أنها تفكر في الشراكة الوطنية فطرحت أسماء مثل البر ادعى وغيره من الشخصيات ولكن الجماعة نسفت كل التوقعات التي كانت تشير إلى تولى أحد الرموز الوطنية رئاسة الحكومة وجاءت بهشام قنديل وهو ما وضعه دائما في مقارنة ظالمة مع غيره وظهر وكأنه لايملك خبرات كافية وقدم نفسه قربانا ليرضى الجماعة وانتحر سياسيا على أعتاب مجلس الوزراء.
حكومة قنديل حتى الآن تتعامل وكأنها حكومة تسيير أعمال وامتداد لحكومات بعد الثورة فلا هي تضع سياسات تسير عليها ولا ترسم صورة للمستقبل وتتعامل على قدر الحدث وكأنها حكومة بـ«اليومية» تغير تصريحاتها ومواقفها طبقا للأحداث وأقرب دليل على ذلك ما حدث في قرار غلق المحال التجارية في العاشرة مساء وهو القرار الذي أصرت علي إصراره وأكدت تنفيذه بحسم ثم تراجعت عنه لتتجنب غضب الشارع وبالمثل قرارات زيادة الأسعار التي اضطرت إلى تمريرها تدريجيا وبشكل خبيث لعدم قدرتها على مواجهة الشارع.
الدليل الأكبر على عجز هشام قنديل وفشله في إدارة البلاد إن الري وهو القطاع الوحيد المتخصص فيه الوزير بحكم أنه كان وزيرا للري في حكومة الدكتور كمال الجنزورى فشل في أن يقدم فيه أي خطوات إيجابية فمازال الملف المائي مع دول حوض النيل يمر بأزمة كبيرة وحصة مصر من المياه مهددة وفشل رئيس الوزراء المتخصص في مجال الري في علاج تلك الأزمة كل تقدم حدث فى دول العالم سبقته رؤية. سنغافورة مثلاً. تحولت إلى دولة مميزة بأفكار محددة كانت لدى «لى كوان يو». الصين انتقلت من عصر إلى عصر برؤى رجل تولى إدارة الدولة وهو قرب الثمانين. كوريا الجنوبية ثابرت، ولكن كانت لديها خطة. الأمور كانت واضحة منذ البداية. الرؤى معلنة. الخطوات تتم بجهد محدد. الدكتور هشام قنديل ليست لديه فكرة محددة عن طرق توزيع البوتاجاز. لا يمكن أن نسأله عن رؤية شاملة لبلد كبير. المفارقة الدستورية هي أنه سيكون رئيساً إذا حدث موقف يمنع الرئيس من تولى أعماله. اختياره هو المشكلة. الذي اختاره هو الرئيس. الرئيس لم يعلن رؤية. أعلن عن مشروع اسمه «النهضة»، أصبح الآن محلاً للتندر والسخرية. الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس لم يعلن بدوره رؤية. الحكم لا يتوقف عند حدود رغبة فرد أو جماعة فى أن يحكم. أين ما يمكن أن نطلق عليه المشروع الإسلامي الذي يعبر عنه الرئيس مرسى؟ ما هي الأفكار؟ ما هي الخطط؟ إنهم لا يعلنون حتى الأحلام. أساسيات الرؤى غير موجودة. أعتقد أنهم لم يجتمعوا لوضع تصور. اجتمعوا لوضع خطط الاستيلاء على الحكم. لا كيف سيدار هذا الحكم. وبدلا من أن تبحث الحكومة عن تنميه الموارد لعلاج العجز في الموازنة وهو الحل الصعب ولكنه الآمن راحت تبحث عن كل الطرق من أجل الاقتراض من صندوق النقد الدولي وتنفذ أجندته في تجويع المواطن وعدم الاهتمام بمحدودي الدخل من اجل أن تحصل على 4.8 مليار دولار. كما تراجعت الحريات في عصر حكومة قنديل أيضا فوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم سخر الشرطة لقمع المعارضة وجعلها أداة في يد الجماعة لتقمع من تشاء من المعارضين حتى أن عساكر معسكرات الأمن المركزي تحولوا إلى مراكز لتعذيب وقتل المعارضين وعادت الاعتقالات من جديد. أبرز عيوب حكومة قنديل أنه لا توجد آلية واضحة للمحاسبة خاصة في ظل عدم وجود مجلس الشعب وسيطرة جماعة الإخوان على مجلس الشورى الذي يتولى سلطة التشريع الآن ولم يحاول أن يضع آليات واضحة لمحاسبة حكومة قنديل على جرائمها بل إن نواب الإخوان الداعمين للحكومة الآن يعطلون استجوابات المعارضة ضد وزراء الحكومة وهو ما جعل حكومة قنديل تشعر أنها فوق المحاسبة وأن الجماعة تشكل لها حماية خاصة وتصد أي هجوم عليها وهو ما وضع الحكومة في حضن الجماعة فلا هي تستطيع اتخاذ قرار دون أن توفر له الجماعة الغطاء السياسي والتأييد له ولا تريد كما لا تستطيع إصدار تشريع دون أن يحصل على التأييد من الجماعة أو دعم منها حتى لو اعترض عليه الشعب كله فالأهم عندها هو الجماعة. أن الأجور الآن لا تتلاءم مع الأسعار التي ترتفع بشكل مفزع كل يوم والأجور تنخفض وحتى الآن لم تنفذ الحكومة المطالب الشعبية بوضع الحدين الأدنى والأقصى للأجور كما أن الحريات تراجعت على يد الحكومة الحالية وأصبحت في أسوأ صورها بعد أن أطلقت يد الداخلية على المعارضة حتى أصبحت الحكومة مرتعشة ولا تقوى على بناء مستقبل الأمة. أن أبرز مشاكلها عجز الموازنة وعدم تنظيم الإيرادات والنفقات بالإضافة إلى قرارات زيادة الأسعار وزيادة التضخم وإهمال حقوق الفقراء إلى حد تخصيص 3 أرغفة و5 لترات بنزين يوميا لهم. يبدو إن ثمة أزمة حقيقة في الرئاسة حول صيغة التغيير، فمرسي ما زال متمسكاً بقنديل ووزير الداخلية ـ خصوصاً أن مساعد الرئيس للشؤون الخارجية عصام الحداد هو زوج شقيقة اللواء محمد إبراهيم ويوافق على تعديل بعض الحقائب فحسب، في حين يحاول نائب الرئيس لشؤون التواصل المجتمعي الضغط في اتجاه رحيل رئيس الحكومة ووزير الداخلية لأنهما سبب الأزمة.



--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق