Ads

فلسفة قانون الانتخابات في احترام إرادة الناخبين


دكتور عادل عامر

تعتبر حرية الترشح للانتخابات إحدى الركائز الهامة والضمانات الأساسية لحق الانتخاب. فهذه الحرية التي تكرسها الدساتير يتم تنظيمها غالباً من خلال القوانين الانتخابية التي تضع الشروط والإجراءات التي يمارس على أساسها حق الترشح وذلك في نطاق احترام النص الدستوري وروحه والقيم الأساسية التي يتضمنها. وتسهر هيئات رقابة الدستورية اليوم على أن تتم هذه الإحالة إلى القوانين الانتخابية في كنف احترام مبدأ الدستورية. فالترشح للانتخابات هو حق ضمنه الدستور لكل مواطن وأسند تنظيم ممارسته من قبل المواطنين بصفة مماثلة إلى القوانين الأساسية التي تتمم وتكمل القواعد الدستورية المتعلقة بالترشح للانتخابات وإجراءات الطعون المتعلقة بهذه الترشحات.إن قانون الانتخابات الجديد  سوف يقوم بتزوير إرادة الناخبين، حيث يتلاعب بالنظام الانتخابي، للأنة يضمن الأغلبية التشريعية للتيار الإسلامي. للان ''هناك نص أضيف على عجل إلى المادة 231 من الدستور يصب في مصلحة جماعة الإخوان المسلمين سياسياً، وهو ينص على (إجراء الانتخابات بطريقة الثلث والثلثين)''. فقد كان من المعتاد أن تفوز التيارات المدنية في الدوائر الحضرية، والتيارات الدينية في الدوائر الريفية، ولكن تقسيم الدوائر الحالي يجعل كل دائرة منقسمة إلى ثلثين في الريف وثلث في الحضر، مما يفتت أصوات التيارات المدنية، ويضمن أغلبية للتيار الإسلامي. أن القانون الجديد تقريبا هو نفس القانون القديم ولم يتغير به إلا أشياء محدودة سيكون لها تأثير واضح علي شقين هما وجود المرأة في البرلمان ونسبة تمثيلها ، فقد كان يجب  أن يقر القانون بوجود أسم المرأة كثاني أو ثالث أسم في القوائم الكبيرة ولكن للأسف جاء القانون يطلب أن تكون المرأة في منتصف القائمة وبالتالي سوف تواجه إقصاء في كثير من القوائم لأنها سوف تصبح خامس أو سادس أسم وبالتالي فرصها ستقل ، إضافة إلي عدم وجود رقابة دولية علي الانتخابات للان وجودها ضمانة حقيقية علي شفافية إجراء الانتخابات وإعلان نتائجها  بجانب  إشراف قضائي كامل لأننا نثق في القضاء المصري إذا لم يكن لدينا ما نخشاه وذلك للتأكيد علي نزاهة الانتخابات واتقاء لأي محاولات تزوير أو تسويد بطاقات لصالح أي تيار ولكن ما دون ذلك فالقانون في مجمله جيد ويتناسب مع القوانين الدولية وجاءت النسبة 0.5 % ( نصف في المائة )هي نفسها كما جاءت في القانون القديم وهي نسبة معقولة فالنسب في دول العالم تتراوح بين 0,5 إلي 10 % مثل تركيا مثلا وهذا لغرض سياسي وهو عدم دخول الأكراد للبرلمان التركي انه يخدم جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي كما انه لا يحدد سقف للدعاية الانتخابية مع التأكيد على أن القانون الجديد له العديد من السلبيات منها انه لم يضع إلية للرقابة على الانتخابات كما انه لم يضع إلية للسقف الانتخابي للدعاية الانتخابية مما سيحول الشوارع المصرية إلى مزابل للمرشحين كما إن تواجد المرأة في نصف القائمة بقانون انتخابات مجلس النواب الذي قدمته الرئاسة لمجلس الشورى يحتاج للمراجعة حيث أنه تكرار لنفس سيناريو تهميش دور المرأة فضلا عن تأثيره علي حجم مشاركة المعارضة وعدد الأصوات التي سوف تحصل عليها والمقاعد أما مصر فالنسبة معقولة وسوف تسمح للتحالفات القوية فقط بالتواجد في البرلمان ليكونوا قوي فاعلة حقيقية .. أنه من الصعب التوقع بشكل أن نسب البرلمان القادم خاصة وأن الدولة حدث بها تغييرات كبيرة واختلفت اتجاهات أصوات الناخبين مع كل مرة يتوجهون فيها إلي الصناديق وبالتالي أصبح صعب جدا التوقع ولكن في العموم التحالفات الحزبية القوية هي التي سوف تنتصر  إن التزوير الانتخابي لا يقوض فقط العملية الانتخابية، بل انه يقوض النظام الديمقراطي برمته، انه لا توجد خطط أصيلة للسيطرة على التزوير الانتخابي إن بعض المختصين يتوسعون في مفهوم التزوير الانتخابي ليشمل كل الإجراءات والترتيبات غير المتفقة مع معايير العدالة وتحقيق إرادة الناخبين كتقسيم الدوائر الانتخابية بصورة غير متماثلة، والتلاعب بالديموغرافيا، وشراء أصوات الناخبين، وسلب فئة من الناخبين في التصويت والانتخاب، إضافة إلى التهديد والتخويف ونشر المعلومات الخاطئة والمضللة".لذلك إن الأخذ بنظام مختلط علي نحو يتيح للمستقلين إن يدرجوا أنفسهم في قائمة تعامل علي قدم المساواة  ومعاملة القائمة الحزبية من حيث تمتع المدرجة أسماءهم بها بالترشيح لعدد من المقاعد مساو لعدد المقاعد بالدائرة  والسماح للناخب بإتباع أسلوب التصويت مع التفضيل أي إعادة ترتيب الأسماء بالقائمة والسماح للناخب بإتباع أسلوب المزج بين القوائم أي اختيار مرشحين من قائمتين أو أكثر حظر السماح للأعضاء الأحزاب بالترشيح علي قوائم المستقلين إلا بعد التأكيد من زوال صفة العضوية الحزبية عنهم  بما يسمح بوجود تعددية حزبية واضحة تمثل الاتجاهات السياسية الرئيسية في الدولة لأنة يترك حرية كبيرة للناخبين وللأحزاب السياسية في الجولة الأولي للانتخابات ولكنة يجبرهم علي تركيز مرشحيهم وأصواتهم في الجولة الثانية ويظهر تأثير النظام الانتخابي علي الناخب الذي يختار في الجولة الأولي ويستبعد في الجولة الثانية لكي يكون تصويتيه مجديا كما يتحلي تأثيره علي الأحزاب السياسية في قيامها بعقد اتفاقيات سرية أو علنية بعد الجولة الأولي ينتج  عنها وجود تكتلات حزبية تحصل علي اغلبيات واضحة في الجولة الثانية بعد إن كانت تصارع مع بعضها قبل إجراء الجولة الأولي وإذا كانت الحزبية لا تعتبر نتيجة حتمية للانتخابات بالأغلبية المطلقة إلا أنها تعتبر النتيجة الطبيعية المتكررة لهذا النظام الانتخابي  ويعتبر الانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة هو النظام المفضل في فرنسا إذ يؤخذ به بصورة مطردة باستثناء بعض الفترات الزمنية القصيرة سواء بالنسبة للانتخابات التشريعية الخاصة بالجمعية الوطنية أو الانتخابات الرئاسية المتعلقة برئيس الجمهورية ولكن الانتخابات بالقائمة النسبية يؤدي إلي تعدد الأحزاب السياسية وتكاثرها فقد ينتج عنة تفتيت التكتل الحزبي الواحد داخل مجلس النواب القادم منذ تم إقرار التعددية السياسية المقيدة في عهد الرئيس السادات أجريت غالبية الانتخابات طبقا للنظام الفردي، هذا النظام سمح للحزب الحاكم – المنحل- بالسيطرة على الأغلبية في مجلس الشعب، وإضعاف الأحزاب الأخرى، وإضعاف علاقة الأحزاب ومرشحيها بالقواعد الجماهيرية، حيث يتم التصويت لصالح مرشح معين لاعتبارات شخصية أو مصلحيه بحته. أما بعد الثورة فان مصر في حاجة إلى أحزاب سياسية قوية تستطيع التناوب على السلطة، أحزاب تمثل الفئات والتيارات السياسية في المجتمع تمثيلا حقيقيا، يمكن الجميع من المشاركة في صياغة المستقبل ، تمثيلا لا يستبعد تيارا من الساحة السياسية، وعلى ذلك فإن غالبية الآراء تدفع باتجاه إجراء الانتخابات التشريعية القادمة بناء على نظام القائمة، مع إمكانية السماح بهامش للمستقلين ليخوضوا الانتخابات، واعتماد هذا النظام فالانتخابات التشريعية القادمة يضمن عدد من المزايا المهمة بالنسبة لمستقبل عملية التحول الديمقراطي في مصر:-

 أولا: عدالة تمثيل أصوات الناخبين الذين أدلو بأصواتهم، فلا يستأثر المرشح أو الحزب الفائز بالأغلبية بمقاعد الدائرة، ولكن كل حزب يحصل على نسبة من المقاعد متناسبة مع عدد الذين صوتوا لقائمته.

ثانيا تمكين الشباب – الذي أطلق شرارة الثورة الأولى – من الحصول على تمثل لهم داخل البرلمان الجديد، فنظرا لحداثة عهدهم بالسياسة وقلة خبرتهم بالانتخابات، فان فرصهم في النظام الفردي ضئيلة، بينما وجودهم على قوائم الأحزاب سوف يمكنهم من لعب دور حاسم في صياغة مستقبل مصر.

ثالثا: ضمان تمثل الأقباط والمرأة في البرلمان القادم، من خلال ترشيحهم على قوائم الأحزاب، مع إمكانية فرض نسبة معينة من النساء والأقباط، يشترط إن تحتويها قوائم الأحزاب في الانتخابات القادمة.

رابعا: تفادي الظواهر السلبية التي شهدتها الانتخابات السابقة، خاصة ظواهر الرشاوى الانتخابية والبلطجة والروابط العائلية، والتي كان يعتمد عليها المرشحين في السابق لضمان فوزهم.

خامسا نظام القائمة يقوى من دور الأحزاب في النظام السياسي، حيث يصبح من الملزم للأحزاب صياغة برامج وسياسات عامة محكمة، تضمن لهم قواعد جماهيرية كبيرة، أيضا فان الأحزاب ذات التوجهات المتشابهة يمكن أن يتكتلوا لضمان اكبر عدد من المقاعد في البرلمان. ومن ثم فان القوى التي أفرزتها ثورة 25 يناير عليها إن تتكتل مع بعضها البعض من اجل ضمان تمثيلها في البرلمان الجديد.

فالعملية الانتخابية يمكن أن تكون على مستوى كل مراحلها مصدراً لمنازعات مختلفة ومتعددة. فالتساؤلات يمكن أن تطرح على مستوى التسجيل بالقائمات الانتخابية وذلك لمعرفة هل أن الإجراءات اللازمة لحصر الأشخاص الذين تتوفر فيهم شروط ممارسة الحق الانتخابي تمت بطريقة منظمة ودقيقة وذلك لضمان المساواة بين المترشحين وعدم خروج الإدارة عن حيادها وعدم انحيازها. وتطرح الانتخابات كذلك العديد من التساؤلات الأخرى على مستوى عملية الانتخاب في حد ذاتها التي تدور يوم تنظيم الاقتراع وفرز الأصوات والإعلان عن النتائج وذلك للتثبت من قبل أجهزة الرقابة من أن هذه العمليات تمت طبقاً لمقتضيات الدستوري والقوانين الانتخابية أم لا؟.وتعتبر هذه الرقابة إحدى الركائز الأساسية المجسمة للمبدأ الديمقراطي. فلا يمكن اليوم الحديث عن انتخابات نزيهة في غياب هذه الرقابة التي تضمن سلامة ممارسة حق الانتخاب والتي تضفي من خلال تدخلها لفض بعض المنازعات الانتخابية والإعلان عن صحة الانتخابات، المشروعية الضرورية على الحكام إثر انتخابهم من قبل الشعب عن طريق الاقتراع العام على مستوى التسجيل بالقائمات الانتخابية (أ) وعلى مستوى التشريح للانتخابات (ب) وعلى مستوى الإعلان عن النتائج الانتخابية (ج). الترسيم في القائمات الانتخابية هو أولى العمليات التي تنبني عليها الانتخابات وتقوم الدولة بالإجراءات اللازمة لحصر الأشخاص الذين تتوفر فيهم شروط ممارسة حقهم الانتخابي وذلك بوضع قائمات بأسماء الذين يحق لهم الانتخاب وتحين القائمات بشكل دوري لإضافة الأسماء الذين أصبح لها حق المشاركة (بلوغ سن الرشد السياسي....) أو لشطب الأسماء التي أصبحت لا تتمتع بحق التصويت إما بسبب موتها أو عن طريق حكم المحاكم (الحكم بحرمان شخص من حق الاقتراع كعقوبة تكميلية، الحكم على شخص من أجل جناية أو من أجل جنحة خلال فترة معينة الحكم بالتفليس إلخ...). ويجب أن يتم تحرير القائمات الانتخابية بطريقة منظمة ودقيقة لضمان المساواة والديمقراطية. فالنزاهة والحياد في إجراءات إعداد القائمات الانتخابية شرطان أساسيان لضمان مصداقية ممارسة حق الانتخاب. وهذه الإجراءات تكون عادة معقدة، وتتبع الدول طريقتين لإعداد القائمات الانتخابية فتتمثل الأولى في التسجيل الأوتوماتيكي للناخبين في القائمات الانتخابية. وتقوم الإدارة في هذا الإطار تلقائياً بإضافة أو حذف أسماء الناخبين بناء على ما توفر لها من معطيات ومعلومات تهم من بلغ سن الرشد السياسي أو من ماتوا ومن شملتهم أية صورة من صور الحرمان التي نص عليها القانون الانتخابي.

أما الطريقة الثانية فيتم من خلالها التسجيل بمبادرة من الناخبين أنفسهم الذين يتعين عليهم الاتجاه إلى مكاتب تسجيل الناخبين وتقديم طلب بتسجيلهم في الجداول الانتخابية أو بحذف تسجيلهم في دائرة معينة. ومن الطبيعي أن نجد تكريساً للطريقة الأولى للترسيم في القائمات الانتخابية في الدول التي أخذت بمبدأ سيادة الأمة والتي تنص دساتيرها في أغلب الأحيان على أن الاقتراع وظيفة Electorat function من واجب المواطن القيام بها وتقر قوانينها الانتخابية التصويت الإجباري وتسليط عقوبات في شكل غرامات ضد كل من لم يشارك في الانتخابات. أما الطريقة الثانية فترتبط نظرياً بالأنظمة التي أقرت مبدأ سيادة الشعب حيث يكون الاقتراع حقاً Electorat droit إذ يستطيع كل فرد بحكم ملكيته لجزء من السيادة ممارسة حق الانتخاب بصفة اختيارية.إن النتائج التي تترتب علي نجاح الثورة وخاصة فيما يتعلق بأثرها علي سقوط الدستور واختلاف وجهات نظر الفقه الدستوري فيها إنما يتصرف بشكل أساسي إلي القواعد الدستورية من حيث طبيعتها أما القواعد الدستورية من حيث الشكل فلا ينصرف إليها كل ما اتفق علية الفقهاء أو اختلفوا فيه وإنما كان لهم موقف خاص بالنسبة للأثر  الثورة علي القواعد الدستورية من حيث الشكل  إن فكرة  سحب الصفة الدستورية عن القواعد الدستورية من حيث الشكل في حالة سقوط الدستور فور نجاح الثورة يمكن قبولها إذا كان السقوط تلقائيا أما إذا  كان السقوط قد تم بإعلان دستوري صريح بعد نجاح الثورة فأنة لا يمكن تصور هذه النتيجة والسبب واضح وهو أنة عندما  تنصرف إرادة الثورة إلي إلغاء الدستور القائم فإنها لا تفرق بين قواعد وأخري من حيث الشكل والموضوع الأحزاب  السياسية تقوم بأدوار لا غني عنها في أي نظام ديمقراطي، فهي التي تطور مبادرات السياسات العامة، هي التي تحدد الخيارات التي يفاضل بينها المواطنون في الانتخابات العامة، و قادتها غالباً هم من يحكمون البلاد. إلا أن النظم الحزبية عموماً لا تعيش في فراغ ، وإنما تكون متأثرة في كثير من مراحل نموها وعملها بالسياق الذي تعمل به، ومن أهم مكونات هذا السياق هو النظام الانتخابي الذي تتنافس وفقاً لقواعده هذه الأحزاب. على الرغم من أن اتجاهات كثيرة تؤمن بأن العلاقة بين النظامين الانتخابي والحزبي غالباً ما تكون علاقة دورانية،بمعني أن كلاهما يؤثر في الآخر، إلا أن غالبية الآراء لا تنكر أن النظام الانتخابي المتبع في الدولة يعتبر ضمن أحد العوامل المهمة في تشكيل أو الحفاظ على هيكل النظام الحزبي، خاصة فيما يتعلق بعدد هذه الأحزاب مع تطبيق نظم التمثيل النسبي، يختفي العاملان اللذان يؤديان إلى ظهور حزبين كبيرين؛ لأن ما يحدث عادة هو اختفاء الفروق الشاسعة بين نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب ونسبة المقاعد التي يحتلها بالفعل في البرلمان، ويصبح الحزب الثالث – أو الرابع – والذي كان الأكثر تضرر من النظام الانتخابي في حالة نظم الانتخاب بالأغلبية، مستفيد اً من النظام، نتيجة لتيقن الناخبين من أن لكل صوت قيمته، عندما يتم تحويل عدد الأصوات إلى مقاعد برلمانية.  يترتب على أتباع نظم التمثيل النسبي نتيجتان متلاحقتان؛ النتيجة المباشرة تكون وضع حد للتوجه نحو نظم الحزبين، حيث لا يوجد ما يدفع الأحزاب ذات التوجهات المختلفة للاندماج وتوحيد قواها، على أساس أن انقسامها لا يلحق بها ضرر كبيرا، وهنا تأتي النتيجة الثانية، وهي زيادة احتمال حدوث انشقاقات بين الأحزاب، حيث أنه من الناحية الانتخابية، فإن مجموع ما سيحصل عليه حزبان، كانا في الأصل حزب واحد، لا يكون أقل بكثير عما كانا يحصلان عليه في فترة توحدهم، ولكن قد يختلف الأمر فقط من الناحية النفسية السيكولوجية عند الناخبين، وذلك بسبب الارتباك الذي قد يحدثه ذلك الانقسام في عقلية الناخب ومن القواعد الأساسية التي يجب احترامها كذلك ضماناً لهذه المساواة في الاقتراع هو تقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة لا تؤدي بصفة غير مباشرة إلى عدم المساواة. ويترتب عن ذلك أن يكون عدد الناخبين الذين يمثلهم نائب على مستوى كل دائرة انتخابية مساوياً لعدد الناخبين في الدوائر الأخرى لاختيار النائب عن الدائرة. وبعبارة أخرى وحتى لا يقع إهدار مساواة الثقل النسبي لكل صوت يجب أن تكون هناك علاقة تناسب بين النواب وعدد السكان في كل الدوائر. وهكذا فضمان حق الانتخاب يرتكز على عدة مبادئ أساسية كحرية الناخب أثناء ممارسته لحقه والمساواة بين المترشحين والناخبين وتنظيم الانتخابات بصفة دورية ونزيهة في كنف الشفافية والمصداقية وفتح إمكانية الطعن في كل ما يتعلق بإجراءات تنظيم العملية الانتخابية وخاصة الإعلان عن نتائجها أمام الأجهزة المكلفة بمراقبتها وتحرص مختلف الأنظمة الانتخابية اليوم في تحديدها لأساليب الرقابة على الانتخابات أن تكون منسجمة مع هذه المبادئ المرتبطة بحق الانتخاب والتي تنبني عليها الدول الديمقراطية وتستمد منها مشروعيتها وذلك من خلال حرصها على أن تتوفر في أعضاء أجهزة الرقابة على الانتخابات كل الشروط المتعلقة بالحياد والكفاءة والنزاهة وأن تتم ممارستهم لصلاحيتهم في ظروف تفرض احترام كل الضمانات المترتبة عن حق الانتخاب. ولكن مهما بلغت الدساتير والقوانين الانتخابية من دقة في تنظيمها لهذه الضمانات والتأكيد على ضرورة احترامها والعمل بمقتضاه فإن الانتخابات يمكن أن لا تتم بصفة مرضية ومكتملة وذلك نظراً للثغرات التي ما زالت تعرفها الأحكام المنظمة للانتخابات والتي تنعكس سلبياً على سلامة العملية الانتخابية فحق الانتخاب يمكن أن يؤدي إلى التعبير من خلال ممارسة الاقتراع العام على حد تعبير كانط إلى إرادة عامة تقريبية. ولكن لا شيء يمنع من انتظار مزيد من التطور نحو احترام أفضل للإرادة العامة بالرغم من أن روسو لا يعتقد ذلك لأن "شعباً من الآلهة هو الذي يمكن أن يحكم نفسه بصفة ديمقراطية وحكم كامل كهذا، كما يؤكد ذلك بنفسه، لا يتلاءم مع البشر" على عكس الذي يؤمن بتطور التاريخ البشري نحو "مجتمع مدني تقرر فيه الإرادة نفس الشيء بالنسبة للجميع والجميع بالنسبة لكل فرد".فأي مجاملة سياسية او اجتماعية على حساب قضية وطنية، بحجم ضمان سلامة الإجراءات الانتخابية، هي جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة يعاقب عليها القانون. فالأصل أن نحافظ على سلامة الإجراءات الانتخابية وسلامة إجراءاتها، وهنا سيكون علينا جميعا واجب إسناد اللجنة المستقلة للانتخاب في مهمتها الوطنية في ضبط جودة العملية الانتخابية وفق الإجراءات والمعايير الدولية. إن التهاون مع مرتكبي الجرائم الانتخابية، أو الصمت عن أي تجاوزات من قبل المرشحين أو الناخبين، سيؤدي إلى الطعن بنتائج وسلامة إجراءات الانتخابات المقبلة. هذا الطعن في الانتخابات المقبلة تحديدا، سيكون له كلفة باهظة على المؤسسات الرسمية، ليس أقل تلك الكلف؛ إدارة ظهر المواطن والناخب عن أي عملية انتخابية مقبلة. لا نريد للعملية الانتخابية أن يكون فيها ثغرات، لتلج من تلك الثغرات الطعون والشكوك بصدقية وسلامة إرادة الناخبين، فحتى لو لم يتسن التوافق على قانون الانتخاب، فمن الواجب أن نخلق التوافق على سلامة الانتخابات ونزاهتها وشفافية مراحلها ومصداقية نتائجها، فذلك أضعف الإيمان. لا تهاون مع من يُريد أن يُسجل دعايته الانتخابية على ظهر الثقة بسمعتنا الانتخابية، لذلك سننتظر أحكام القضاء ونحترمها، وعلينا أن نوسع إطار الملاحظة في متابعة كل من تسوّل له نفسه العبث بالانتخابات النيابية المقبلة وتقديمه للقضاء.


--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق