Ads

مصر .. ورحلة البحث عن الديمقراطية


جيهان السنباطى

بين عشية وضحاها تغيرت مكونات الشخصية المصرية من شخصية ضعيفة ساكنة مستسلمة لسياسة الأمر الواقع الى شخصية أخرى قوية صلبة عنيدة جريئة تأبى الظلم والقهر وتطالب بحقها فى حياة كريمة فكانت ثورة 25 يناير أول سطر فى حكاية شعب يناضل من أجل الحصول على حريته ويقف أمام استبداد حاكمه ليصلح ما أفسده النظام السابق ومعاونيه .
وكان من المنتظر أن تهدأ الأوضاع فى مصر عقب انتخاب رئيسا جديدا لها , وتبدأ عجلة التنمية فى التحرك , وأن ننعم بالاستقرار وسط حالة من الشفافية والديمقراطية التى كانت حلما طالما راود أحلام المواطنين , ولكن منذ قيام ثورة يناير وحتى الأن أى مايقرب من عامين ومصر تقف فى مفترق الطرق تبحث عن مستقبلها , يتلاعب بمصيرها ايادى خفية كثيرة تحاول عرقلة مسيرتها وزرع الفتنة فى الشارع المصرى الذى انقسم الى تيارين أحدهما مدنى ويتمثل فى الثوار وبعض الليبراليين واليساريين والعلمانيين , والأخر اسلامى متمثل فى جماعة الاخوان المسلمين وحزبها حزب الحرية والعدالة .
وقد ساعدت القرارات السريعة والغير مدروسة التى أطلقها الرئيس مرسى بين الحين والاخر والتى سرعان ماتراجع عنها بنفس السرعة فى تمهيد الطريق لمعارضيه وأعطائهم الفرصة لتشكيل تحالف ضده يتكون من بعض القوميين والليبراليين وبعض المجموعات الشبابية الثورية من جهة، وبين فلول النظام السابق من جهة أخرى وخاصة جبهة الانقاذ الوطنى التى أسسها كل من الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى وعمرو موسى وبعض رجال الأعمال وبعض المتضررين من أنتهاء عصر مبارك لاختراق عقول وقلوب الشعب المطحون وحشد الكثيرين المؤيدين لأفكارهم للوقوف أمام تلك القرارات والرجوع الى الاحتجاجات والاعتصامات وتجدد أحداث العنف بعد أن هدأت بعض الشىء لتشتعل مرة اخرى نيران الثورة ويرتفع سقف المطالب الى حد المطالبة بتطهير النظام وضرورة تخلى الرئيس مرسى عن الحكم .
هذا الأمر لم يرضى جماعة الاخوان المسلمين فنزلت الى الشارع لمواجهة الثوار واظهار تأييدها لكافة قرارات الرئيس واثبات شرعيتها وتكررت احتجاجاتها حتى اصطدمت بالمعارضين وكانت الكارثة حيث وقوع العديد من القتلى والمصابين من الطرفين أمام قصر الاتحادية وازداد غضب الشارع المصرى ورفضه من أن يكون لجماعة الاخوان المسلمين وحزبها دورا سياسيا على الساحة .
من جانب اخر حاول الدكتور مرسى تحصين قراراته حتى لاتستطيع القوة الثورية العلمانية الطعن فيها وحتى يكبح جماح القضاء ويحجمه من التدخل فى القضايا السيادية ويتحكم فى السلطتين التشريعية والتنفيذية فأصدر الاعلان الدستورى الذى اثار جدلا واسعا ورغم الغاءه لتهدئة المعارضين الا أن جبهة الانقاذ الوطنى تمسكت بضرورة تأجيل الاستفتاء على الدستور ونقدها لبعض مواده ووصفها له بأنه دستور معيب ولايصلح أن يكون دستورا للبلاد وفى نفس الوقت اصر الاسلاميين أن يتم الاستفتاء على الدستور فى موعده ولكل منهم أسبابه التى يعلن عنها فيصدقها من يصدق ويكذبها من يكذب والحصيلة النهائية مزيدا من الاحتقان والصراع والتحدى بين التيارين الذى يدعم حالة عدم الاستقرار فى البلاد وتزيد من الأمور سوءا.
وفى الحقيقة أن مايحدث على الساحة ليس خلافا على قرارات الرئيس المتخبطة , أو رفضا له كرئيسا لمصر , اوخلافا على الاعلان الدستورى , أو حتى خلاف على مواد تخص الدستور الجديد أو ميعاد الاستفتاء عليه , وانما الخلاف الحقيقى يكمن فى الصراع بين التيارين اليسارى والعلمانى والتيار الاسلامى , فكل منهما يحاول أن ينقش لنفسه مكانته على الساحة السياسية أملا فى أن تكون له الكلمة العليا وعلى من هم أضعف منه أن يتبعوه , وهذا مالن يرضاه ابدا الاسلاميين ولن يستسلموا ويتراجعوا بعد ما وصلوا الى سدة الحكم بعد عصر ذاقو فيه مرارة الاعتقال والظلم والتهميش على يد النظام السابق , ولن يرضاه ايضا التيار العلمانى وسيحاول بكل ما أوتى من قوة الضغط على الرئيس مرسى واجباره على تقديم تنازلات وللأسف الضحية فى النهاية هو المواطن البسيط الذى خرج ثائرا يعبر عن رفضه لواقعه المرير ومطالبا بحقوقه فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية .

كبير اعلاميين بالهيئه العامة للاستعلامات
ومحلل سياسى
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق