دكتور عادل عامر
انه ينبغي التفرقة بين التظاهرة السلمية والاعتصام المقيم، فالتظاهرة مسئوليتها تقع علي المتظاهرين والأمن المكلف بحمايتها وتأمينها حتى تنتهي فعالياتها، أما الاعتصام فالمسئولية الأكبر تقع علي عاتق المعتصمين أنفسهم بمنع اندساس أي عناصر مخربة بينهم.
إن التظاهر والاعتصام له شروط محددة نصت عليها الاتفاقيات الدولية.. وأهم شروطه عدم استخدام العنف والحصول علي تصريح به من الجهة المختصة وتحديد ميعاده ومكانه. انه إذا «ثبت» وجود علاقة بين المعتصمين والمخربين المندسين سواء باشتراك أو تحريض أو موافقة علي ما يقومون به من تخريب، فالمعتصمون عندئذ يتحملون بلاشك المسئولية الجنائية والمدنية عما يحدث، أما إذا كان هؤلاء المخربون مندسين بدون علم المعتصمين ولا تربطهم بهم أي علاقة فعندئذ تنتفي المسئولية الجنائية.
أدرجت قواعد القانون الطبيعي حق التعبير بكل مظاهره، بما فيها التظاهر والاعتصام كإحدى ثوابت الحقوق، اللصيقة بالإنسان، المعبرة عن الفلسفة التنويرية التي تتضمن وتشمل مفاهيم القانون الطبيعي، وحق تقرير المصير، ومن أعلام هذا التوجه نُشير إلى الفيلسوف البريطاني "جون لوك"، الذي أكد في مؤلفه الثاني عن الحكومة "فكرة الحكومة بالتوافق أو الاتفاق"، وأن الكائن البشري يتمتع بحقوق طبيعية منها حق التعبير؛ وبالتالي حق التظاهر والاعتصام، وهو حق لصيق بالإنسان تمامًا، كما حق الزواج والتنقل والاجتماع، وغيرها من الحقوق التي تزاوج وتلامس شخص الفرد وحريته في التحرك والتعبير، بحيث يقتضي أن لا تُقيَّد إلا بالقدر الذي يسمح بتنظيمها؛ لضمان وتأمين ممارستها من قِبل الغير بالذات. ومن خلال النظريات المتلاحقة التي تبنَّاها كلٌّ من الفقه "الأنكلو ساكسوني" و"اللاتيني" وحتى "الجرماني"، التي تكرست نتيجة الحروب والانتفاضات الشعبية، ولاسيما حروب الاستقلال، والثورة على الظلم والحكم المستبد والمستأثر بالسلطة، تم الوصول إلى اكتساب هذا الحق ـ حق التظاهر ـ ففي بريطانيا؛ تم وضع الميثاق الكبير عام 1215م، الذي قيد من صلاحيات الملكية المستبدة، تبعه إعلان الاستقلال، لجمهورية الداتش "هولندا ـ ألمانيا" لعام 1581م، ومن بعدهما إعلان الاستقلال للولايات المتحدة الثلاثة عشرة، الذي جرى التصديق عليه في "الكونجرس" بتاريخ الرابع من شهر تموز 1776م، الذي لحظ التمثيل الصحيح في السلطة التشريعية كحق ثابت، ومقاومة الحاكم الظالم المستبد، غير القادر وغير المؤهل لحكم شعب حر. ونتيجة لإلغاء الإقطاع في فرنسا خلال الأحداث التي ترافقت مع انطلاق الثورة الفرنسية عام 1789م؛ فُرِض مبدأ التساوي بين المواطنين، وأطلق كلٌّ من "ميرابو" و"سياياس" إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي عدد الحقوق الطبيعية غير القابلة للتنازل عنها أو المساومة بشأنها، وأهمها حرية الفرد، الملكية الفردية، والأمن ومقاومة الظلم أو القهر أو الاستبداد. والثابت أن سائر هذه الحقوق التي ترتقي إلى القانون الطبيعي، جرى إدراجها في متن الدساتير، وجرى التذكير بها على أنها حقوق أساسية وطبيعية، تتناول الطبيعة الإنسانية، ولصيقة بشخص الفرد، لا يمكن التنازل عنها أو المساومة بشأنها أو تجزئتها؛ وأهمها:
1. حق الثورة والانتفاضة على الحاكم الظالم، المستأثر بالسلطة والحكم.
2. حق الانتفاضة بهدف تغيير النظام، أو الحكم والحاكم غير العادل.
3. حق المواطن في التعبير والاجتماع، بكل الوسائل المتاحة؛ تحقيقًا للأهداف والغايات الملحوظة آنفًا.
لهذا فأن الإضرابات والاعتصامات العمالية فقد كفلتها المواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر في منظمة العمل الدولية، وهذا ما يجعل الاعتصامات والإضرابات العمالية أمرًا مشروعًا، أما فيما يتعلق بالموظفين بشكل عام ومن منطلق المحافظة على المصلحة الاجتماعية- فلقد تركت المواثيق الدولية للدول وضع النظم الخاصة بها فيما يتعلق بالعلاقة بين العمال وأصحاب العمل، خاصة أننا أمام طرفين من المفترض أن تكون العلاقة بينهما متوازنة بحيث لا تطغى مصلحة طرف على حساب طرف آخر .
أما فيما يتعلق بالوظيفة العامة: فمن المفترض أن الإدارة الحكومية هي التي تقوم بإدارة مرافق الدولة، ويُفترض أن هناك مصلحة عامة يجب المحافظة عليها، لكن المصلحة العامة لا تبرّر إلغاء حق الإضراب أو الاعتصام، لذا فإن هناك كثيرًا من الدول وضعوا فيها تنظيمًا لهذا الأمر، بحيث يحفظ حقوق كافة الأطراف، وأيضًا بحيث لا يؤدّي الإضراب أو الاعتصام إلى إحداث شلل في المرافق العامة مثل الإطفاء- على سبيل المثال- أو الطوارئ الطبية، فهذه قطاعات لا يمكن أن تتوقف عن العمل لأي سبب من الأسباب. كذلك الجيش والشرطة والعدالة
أن التشريعات التي وضعتها الدول المتقدّمة في هذا الشأن ألزمت المضربين بتحقيق الحدّ الأدنى من إدارة المرفق وعدم توقفها، وأيضًا بضرورة الإخطار عن الإضراب أو الاعتصام قبل القيام به حتى لا يتمّ الوقوع في فخّ نقص الخدمات. ممّا لاشك فيه أن حق الاعتصامات والإضرابات هو حق أصيل للعمال وفقاً للمواثيق الدولية، مادام يعبّر عن حقوق واضحة ومشروعة، لكن لابد أن تكون الاعتصامات والإضرابات ناتجة عن وصول المفاوضات بين النقابات والحكومة إلى طريق مسدود، بمعنى أن تكون هي الخيار الأخير للحركة العمالية، فيجب أن يسبق الاعتصام أو الإضراب مجموعة من المفاوضات والمشاورات والدراسات بين الأطراف، وإذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود فليكن الإضراب أو الاعتصام السلمي، وعلى الحكومة أن تستجيب إلى مطالب العمال مادامت مشروعة وتعبّر عن حق أصيل لهم، لكن قد يكون هناك عذر مثل عدم وجود ميزانية مثلا، أو أن هذه الحقوق غير مشروعة، هنا يجب التروّي والصبر حتى يتمّ توفير الميزانيات لهذه المطالب وتحديد موعد لذلك. وإحداث نوع من المساواة بين كافة أبناء الوطن العاملين في الدولة، فما أحدث هذه الإضرابات والاعتصامات- لاشك- أنه حصول البعض على مزايا مالية دون الآخرين، الأمر الذي أحدث نوعًا من أنواع الإحساس بالظلم والغبن والقيام بالإضراب أو الاعتصام التي يجب تجنّبها تمامًا من الحكومة والمضربين أنفسهم، بمعنى أن يجعلوها آخر الخيارات، لأنه من الممكن أن يندسّ فيها مَن هم أصحاب أجندات أو مروّجي الإشاعات أو محدثي الشغب، لكن- بشكل عام- الإضرابات والاعتصامات مشروعة مادامت سلمية وتعبّر عن المصالحة الحقيقة للموظفين وفي إطار المصلحة العامة للوطن. ولهذا فؤجئت بمجموعة تصريحات صحفية من فقهاء قانون وأساتذة قانون يقولون لا يوجد شئ في الدنيا أسمة حق الاعتصام وحق الاعتصام مجرم قانونا وليس له سندا من أي قانون أو اتفاقيات دولية لهذا نود أن نعرض بعض من هذه الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر ووفق الدستور أصبحت قانونا من قوانين الدولة
إن أي مقترح مرسوم بقانون يقضى- بتجريم بعض حالات الاعتصام والاحتجاج والتجمهر والتي يترتب عليها تعطيل العمل في جهات عامة أو خاصة، وعقاب كل من يحرض عليها بالحبس.
للانها تتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر إزاء حق الاعتصام والإضراب عبر القنوات الشرعية والمشروعة التي كفلها قانون العمل أيضا. الإضراب حق دستوري؟
هذا حق دستوري لأنه يعد وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي ، والمادة 47 من الدستور تكفل حرية التعبير لكل إنسان، إما بالقول أو الفعل أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير، بالإضافة إلى أن حق الإضراب كفلته المعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر، ومنها وثيقة العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية ووثيقة العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وأصبحت هذه المعاهدات جزءاً من البنية القانونية المصرية وأصبحت نافذة منذ أبريل عام 1982، وبالتالي أصبح الإضراب حقاً مشروعاً لكل إنسان مصري، والقضاء له سابقة من نفس النوع في عام 1986 عندما أضرب عمال السكك الحديد وقدموا لمحكمة جنايات القاهرة، والتي انعقدت بصفتها أمن دولة طوارئ وصدر الحكم عام 1987 بتبرئة المتهمين استناداً للاتفاقيات التي وقعتها مصر ونسخت المادة 142 من قانون العقوبات، وبالتالي أصبح حق الإضراب والتظاهر والاعتصام والعصيان المدني وسائل تعبير مكفولة لكل مصري .
--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق