منال الطيبى
لعب تيار الإسلام السياسى معركة الدستور والاستفتاء براديكالية لم تقابلها راديكالية مماثلة من جانب المعارضة السياسىية، وقابلتها راديكالية متذبذة من جانب المظاهرات المليونية التى لم تكن شعاراتها وأهدافها موحدة نحو إسقاط النظام، بل كان هناك الكثيرون ممن أصروا على حصر الأهداف فى إسقاط الإعلان الدستورى ومجرد تأجيل الاستفتاء وليس إلغائه، مما مكن تيار الإسلام السياسى من ربح هذه الجولة وفرضه الاستفتاء على الدستور رغم كل المظاهرات المليونية التى خرجت ضده. أى أن تيار الإسلام السياسى فرض علينا الدخول فى معركة رفضنا مسبقا دخولها والمشاركة فيها، الأمر الذى يشكل فى حد ذاته انتصارا لهذا التيار وخسارة للتيارات الثورية والسياسية المعارضة. فبدلا من تصعيد المعركة مع تيار الإسلام السياسى واتباع نفس منهجهم الراديكالى ، استجابت قوى المعارضة ممثلة فى جبهة الإنقاذ وتبعتها التنظيمات الثورية وجماهير الثورة فى خوض الاستفتاء وقرروا التصويت ب "لا" على مشروع الدستور المطروح للاستفتاء على الرغم من عدم توافر الشروط التى وضعتها جبهة الإنقاذ للمشاركة.
إذن نحن ندخل معركة الاستفتاء وقد خسرنا بالفعل جولتها الأولى بمجرد اتخاذ قرار خوضها والتراجع حتى عن المطالب الإصلاحية بتأجيل الاستفتاء لمدة شهرين وعدم توافر أبسط العوامل لضمان نزاهة الاستفتاء وحياديته.
لكن ماذا عن السيناريوهات المتوقعة أن تنتج عن هذا الاستفتاء؟
ماذا لو أتت نتيجة الاستفتاء بنعم؟
ستثور ثورة المعارضة السياسية وتظل تطنطن فى وسائل الإعلام وفى مؤتمراتها الصحفية عن التزوير الحادث فى الاستفتاء – وكأنها لم تكن تدرك أنه سيكون هناك تزوير منذ البداية - ولكن بعد أن تكون قد منحت بالفعل هذا الاستفتاء وهذا الدستور بل والنظام ذاته الشرعية بالمشاركة فى الاستفتاء، وستعمل الماكينة الإعلامية على تغطية أحداث ما بعد النتيجة وتأتى بالمحللين القانونيين ليفتونا بمواد قانونية لم يعد لها أى محل من الإعراب فى مشهد سياسى تتحكم فيه القوة وليس القانون. ويقوم المحامون الجهابذة وعاشقو الماكينة الإعلامية برفع العديد من الدعاوى القضائية للطعن فى نتيجة الاستفتاء، ثم تهدأ عاصفة ما بعد الاستفتاء وتبدأ المعارضة بعد قليل فى تحفيز المواطنين مرة أخرى لخوض الانتخابات التشريعية وستصورها - للمرة التى لا أتذكر رقمها الآن- على أنها معركة مصيرية وثورية وتنشغل الأحزاب بالإعداد لهذه المعركة المزعومة، ولا مانع من وجود اتفاقات تحت الطاولة مع تيار الإسلام السياسى لمقاعد لهذا الحزب أو ذاك حتى وإن بدا المشهد أنه من أكثر الأحزاب تشددا ومعارضة. وسيفرح تيار الإسلام السياسى بذلك كثيرا لكى يتشدق فيما بعد بوجود ممثلين لأحزاب معارضة فى البرلمان الجديد وبالانتخابات النزيهة التى أتت بهؤلاء الأعضاء. هذه الانتخابات التى ستنتهى بأغلبية لتيار الإسلام السياسى فى البرلمان بالتزوير، ثم ندخل فى مشاهد عبثية لجلسات مجلس الشعب ذى الأغلبية المتأسلمة وتعمل الماكينة الإعلامية الجبارة مرة أخرى على هذه الجلسات والقوانين الصادرة عن المجلس والمحامين الجهابذة الذين سيرفعون قضايا ضد هذه القوانين، ونظل فى هذه الدائرة العبثية دون جدوى ودون طائل. هذا بالطبع إلى جانب إصابة الكثيرين من الثوار بالإحباط والذين سيصبون جم غضبهم ولعناتهم على الشعب غير الواعى الذى قال نعم فى الاستفتاء بدلا من أن يقول لا، وأنه لا فائدة فى أى شئ طالما بقى الشعب على هذا الوعى وما إلى ذلك من تحميل نتيجة الاستفتاء للشعب، وستطال بالطبع المقاطعين للاستفتاء نفس اللعنات لأنهم لولاهم لخرجت النتيجة ب "لا". (قمة الهزل)
ولكن ماذا إذا أتت النتيجة بلا النافية للدستور؟
ستتهلل أسارير المعارضة السياسية وكذلك التنظيمات الثورية (إن كان يصح إطلاق لفظ ثورية على هذه التنظيمات) وتتحدث عن انتصار زائف هى تعلم بالتأكيد معناه ومغزاه ونتائجه السلبية. كما سيتشدق تيار الإسلام السياسى بالديمقراطية التى أتت ب "لا" على الدستور لأنهم يعرفون جيدا أنه فى الحالتين (نعم – لا) هم الرابحون. سيقول البعض ولكن خروج الاستفتاء ب "لا" سيعطى ثقة أكبر للثوار وللمعارضة الذين سيعملون على حشد الجماهير فى صفوفهم. لكن الحقيقة أن لاراديكالية المعارضة السياسية وإصرارها على اتخاذ مواقف إصلاحية وسطية، وتذبذب التيارات الثورية وعدم اكتمال وعيها السياسى لن يكون فى صالح هذه الأطراف، ولن تذهب المعارضة السياسية إذا ما أصرت على خوض معارك الصندوق لأبعد من هذه المواقف الوسطية الهزيلة والتى ستؤثر بالتالى على قوى الثورة التى لم تبلور قيادة لها حتى الأن.
أما بالنسبة لتيار الإسلام السياسى، ففى حالة خروج الاستفتاء ب "لا" فإن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ستظل فى يد مرسى العياط، وكذلك سيكون لدى تيار الإسلام السياسى مجلس الشورى الذى لعب وسيلعب دورا كبيرا فى تمكين تيار الإسلام السياسى من مفاصل الدولة عن طريق التعيينات التى سيقوم بها مرسى العياط كما حدث فى تعيينات الصحف القومية والتى أصبحت إخوانية بين ليلة وضحاها. كما أن ترهيب التيار المتأسلم لوسائل الإعلام الخاصة سيزداد لتحد من لغتها ولهجتها وليتحكموا أيضا فى ضيوف البرامج لنجد أن تيار الإسلام السياسى قد احتل المساحة الأوسع فى هذه القنوات وهو ما يحدث بالفعل فى هذه الفترة، بل سبقها قبل هذه الأحداث اتخاذ بعض القنوات القرار بأن تكون وسطية حتى لا تتعرض للإغلاق أو الترهيب مثلما حدث مع قناة دريم. ولا مانع من أن تكون هناك قناة أو اثتنان تحتفظ بالخط المعارض لتجميل وجه النظام. كما ستكون هناك حركة تنقلات كبيرة فى القضاء والنيابة، ليتمكن تيار الإسلام السياسى من جميع مفاصل الدولة خلال هذه الفترة.
وسيبدأ مرسى العياط فى الإعداد لانتخابات الجمعية التأسيسية الجديدة والتى مازال غير معروف بالمرة كيف سيتم انتخابها، أى على أساس جغرافى أم نوعى أم ماذا، وسيتم وضع قانون لانتخاب الجمعية التأسيسية الجديدة أو يصدر مرسى إعلانا دستوريا جديدا بذلك. وبالتأكيد سيحرص تيار الإسلام السياسى على أن تكون هذه الطريقة فى صالحه ليحصد عددا أكبر من المقاعد فى هذه التأسيسية الجديدة، ربما يكون أكثر من مقاعده فى التأسيسية السابقة. وليخرج علينا دستور أكثر تشددا من سابقه. ولا مانع ساعتها أن تنطلق الجمعية التأسيسية من نفس الدستور الذى تم الاستفتاء عليه ب "لا" ثم يتم إدخال تعديلات عليه أكثر تشددا كما ذكرت من قبل. وبالطبع ستقوم المعارضة بالنواح والعويل ضد التزوير الحادث فى انتخابات الجمعية التأسيسية، ثم يشاركون بها فى نهاية المطاف عبر بعض التوافقات مع تيار الإسلام السياسى.
ولن يصلح وقتها أن يخرج الدستور مرة أخرى ب "لا" فهذا سيوفر مادة خصبة لتيار الإسلام السياسى ضد المعارضة التى لا يعجبها العجاب، وفى هذه المرة سيخرج الدستور بنعم.
كما أن الوقت فى هذا السيناريو - أى التصويت ب"لا" على الاستفتاء - سيكون متوفرا لدى تيار الإسلام السياسى للإعداد لمعركة انتخابات مجلس الشعب، هذا الوقت الذى لن يكون متاحا لهذا التيار لو أن نتيجة الاستفتاء خرجت ب "نعم" حيث يتعين على مرسى العياط آنئذ الدعوة لانتخابات مجلس الشعب بعد ثلاثة أشهر من إقرار الدستور الجديد.
وسيحصل تيار الإسلام السياسى على الغلبة فى هذا المجلس (بالتزوير) وتعاد الكَرة مرة أخرى من الصراخ والعويل على تزوير الانتخابات البرلمانية والمشاحنات والقوانين التى ستنجم عن المجلس الجديد وهكذا دواليك.
أصارحكم القول أنى لا أؤمن بالسيناريو الثانى وأؤمن بالأول وهو خروج النتيجة ب "نعم"، على الرغم من أنى أرى أن السيناريو الثانى (التصويت ب "لا" على الدستور) أفضل كثيرا لتيار الإسلام السياسى من السيناريو الأول.
السؤال المهم هنا هو أين الثورة من كل ذلك وأين مطالبها وأهدافها؟ سواء فى السيناريو الأول أم الثانى. الإجابة هى لا توجد. فكل هذه العمليات سواء استفتاءات أو انتخابات تشريعية كلها تدور حول الشرعية الدستورية وليس الشرعية الثورية، كلها معارضة من قلب النظام تحافظ على وجوده وتمنحه الشرعية فى كل استفتاء وفى كل انتخاب، بل أقول وبشكل قاطع إن موافقة جبهة الإنقاذ على المشاركة فى الاستفتاء على الدستور قد منحت هذا النظام قُبلة الحياة فى ظل الموجة الثورية الثالثة التى أربكت هذا النظام وكادت أن تطيح به لولا تخاذل المعارضة وقلة الوعى السياسى لدى الثوار.
إن هذا النظام لن يسقط عن طريق الصناديق مطلقا، فمصر لم تشهد انتخابا أو استفتاءا واحدا لم يتم تزويره منذ عام 1952 وحتى الآن، وحتى إن خرجت نتيجة الاستفتاء ب "لا" فلا تفرحوا كثيرا كما قلت، فالنتيجة فى الحالتين فى صالح تيار الإسلام السياسى.
إذن ما العمل؟
يجب أن ندرك جيدا أن الصراع ليس صراعا قانونيا بالمرة، ولن تؤدى طرق النضال القانونى فى هذه المرحلة إلى أى نتيجة تذكر، بل هى تعمل على تهدئة الأوضاع لتحويل الصراع إلى مجرد صراع قانونى بلا طائل ، كما يجب أن ندرك أن المشاركة فى أى انتخابات أو استفتاءات ستطيل من عمر هذا النظام وتمنحه الشرعية، وكما ذكرت من قبل فإن هذا النظام لن يسقط عن طريق الصندوق، فحتى لو أسقطهم الصندوق فلن يتركوا الحكم من تلقاء أنفسهم.
الحل هو فى استمرار الثورة والحراك الثورى وفى العمل على إسقاط النظام وليس منحه الشرعية والاستمرارية أكثر فأكثر. الحل فى تنظيم هذا الحراك الثورى وفى وجود قوى ثورية واعية حقيقية تقود هذا الحراك نحو هدف واحد وحيد هو الإطاحة بهذا النظام فى أقرب وقت ممكن، فكلما بقى هذا النظام ساعة واحدة فى الحكم كلما ازداد تمكينه من مفاصل الدولة المصرية، كما يجب استغلال كل أخطاء هذا النظام فى إدراة البلاد، فالفترة القادمة سيطبق مرسى العياط قرار رفع الأسعار الذى كان قد أصدره ثم أجله لما بعد الاستفتاء، لتزداد معاناة الكثيرين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ومخطئ من يظن أن إسقاط هذا النظام لن يكون مقابله دماء، فنحن لم نشهد موجة العنف الحقيقية بعد، حتى لو تمسكنا بسلمية ثورتنا إلى أخر مدى.
الشعب لابد أن يسقط النظام
0 تعليقات:
إرسال تعليق