د. هاني حجاج
لا يصح أبداً أن تدعي حبك للكتابة وتتعلل بأمور سخيفة مثل وقت النوم والجوع والمواصلات! من الأصل أنت تفترض أنك رائع إلى هذا الحد وفقط تحتاج إلى أربع ساعات لتدوّن الأفكار العظيمة التي تدور في راسك طيلة اليوم.حسناً. تخلى فوراً عن هذه الأوهام. كلنا في البداية وحتى ستيفن كنج ونجيب محفوظ العظيم يكتبون ويراجعون ويصححون وقبل الكتابة يعدون أرشيفاً هائلاً للأشخاص والأماكن التي سوف يتحدثون عنها، أما بالنسبة لحضرتك فيمكنك إضافة تمارين الكتابة إلى ذلك كله فمهمتك أصعب يا هُمام! تمارين الكتابة لا تعني أبداً انك هاو أو غير موهوب، وهذا لا يُخجل عموماً مادمت تحمل الإصرار، ولكن تذكر أن ستيفن كنج مازال يقرا عشرات الروايات لأدباء شبان ليتعلم طرائق جديدة في السرد. ولكن دعني استمع إلى مشكلاتك! الوقت؟ أخبرني عن الخمس ساعات التي ضاعت أمس في فيلم ومسلسل بفقراتهما الإعلانية. في عيادة طبيب الأسنان، أليس من الأفضل أن تأخذ معك مفكرة ورقية صغيرة وتكتب بعض الملاحظات، رأيك في بقية المرضى وديكور العيادة قد تستخدمه في قصة، وحذار أن يفترض بك الآخرين أنك تتجسس مثلاً، سوف تودع الكتابة وقتها رغماً عنك!، وهذا أفضل عموماً من قضاء ساعة كاملة تتأمل مروحة السقف أو تتصفح أعداد (آخر ساعة) الموجودة على طاولة الانتظار منذ 1975! في العيادة، في ساحة انتظار رخصة القيادة، في المقهى، ضع أوراقك واكتب رأس الموضوع (أي عنوان، المهم أن يحدد شيء ما في رأسك) ثم املأ الصفحة بالكلمات، لا تهتم بالإملاء والتصحيح وتغيير الكلمات أو التفكير في التالي. إذا كانت الكلمات غير مترابطة أو مفهومة أو لا معنى لأي شيء هنا، دعها كما هي، فمن سيراها غيرك الآن؟ وكما قالت ناتالي جولد برج (تجعل يدك تتحرك دائماً) _ وإذا كنت من هواة الأجهزة، حرك أصابعك !_ ولو عشرة دقائق على الأقل، قد يجرفك ما تكتب إلى منطقة لم تخطر لك على بال. المهم أن يكون هذا تقليد يومي مستمر ومنظم، كل يوم، حتى إن كنت محترفاً مخضرماً، مارس تمرين الكتابة على سبيل الترفيه بعد عملك اليومي سوف تلاحظ خلق أشياء جديدة وتعبيرات كان عقلك المنضبط الحذر يمنعها عنك أثناء الكتابة الاحترافية. اكتب مشكلة القصة أو معضلة الرواية في سطر واحد وضع تحتها خط، وحسب الساعة اكتب لمدة عشر دقائق بخصوص هذه الفكرة. توقف. ضع القلم. أعد لنفسك كوبا من الشاي واجلس مسترخياً لتقرأ ماكتبته وفكر فيه قليلاً. غالباً سوف تجد حل المعضلة على الفور وسوف يدهشك حجم الثراء الذي يزينها! هذه نصائح عامة عندما ترسل مخطوط كتابك للناشر أو المحرر: لا تحاول أبداً وضع المخطوط في صندوق الطرد الخاص بالهدايا أو في مظروف ملون ومزخرف بقلوب أو آثار فرعونية أو دبابيب. هذه الأشياء ستجعلك تبدو سخيفاً قبل أن يقرأوا كتابك.لاتستخدم سوى الورق الأبيض ولاتستخدم أي حبر سوى الأسود،لاترسل رسوم داخلية أو لوحة للغلاف مهما كانت رائعة، لا ترفق مع المخطوط خطاب تقديم عملك بكلمات تمدح بها نفسك أو كتابك أو تهدد بالضياع أو الانتحار إذا لم يقبلوه ولا تستخدم عبارات ظريفة أو تسخر من عملك ومن النشر ومن الحياة. ولا تضع صور شخصية لك في أوضاع مستفزة كأنك من المشاهير وتظن أنهمم سيعرفون بها قيمتك الحقيقية! ولا تقول أشياء من قبل: أتوسل إليكم أن تنظروا إلى عملي بعين الرأفة. أو_ أسوأ _ لدي أطفال يموتون من الجوع وكنت أطمع في كرمكم بنشر كتابي! أو: طردت من عملي أو استقلت لأتفرغ للكتابة! لا تجعل أحداً يشعر بالذنب لأنك اخترت أن تكتب، فضلاً عن أن هذا البكاء سيعطي إنطباعاً مقززاً جدا، فأسهل شيء على الناشر هو أن يضع المظروف بما فيه في سلة المهملات، أو يستخدم ظهر المخطوط (دشت)!! ولا تقل أشياء من نوع أنك تنتظر مليون جنيه مكافأة للكتاب أو طبعه خمسمائة ألف نسخة، أو حتى لا أريد مقابله مالاً وهو إهداء لوجه الله! لا تذكر المال على الإطلاق. أنت لا تعرفه وهو لايعرفك والأغراب لايتحدثون عن المال أبداً! في الواقع أنت لن تناقش المسائل المالية أبداً! عليك رقما ما، غالباً سترضى به رغم أنه أقل من المتوقع، ما لم تكن واثقاً من قبول دار نشر أخرى للعمل بظروف أفضل. باختصار: الناشر لا يعرفك ولا يريدك ولا يريد أن يعرفك ولا وقت عنده لأي شيء بشأنك، وكل مابينك وبينه هو عملك، فاحرص على أن يكون لا يمكن رفضه! إنه يريد مخطوط قابل للنشر على الأقل. في أوروبا وأمريكا يرفقون مظروف أكبر مع المخطوط وبه عدد لا بأس به من الطوابع حتى يعيدون إرسال المخطوط لك. لا تنتظر هذا هنا _ دعنا نكون صرحاء _ سوف تكون من المحظوظين، إذا وصل لهم طردك من البداية ولم يفقد في غياهب مكاتب البريد، وعلى كل حال فمعظم دور النشر الآن تحرص على طباعة هذه الكليشيه (الدار غير ملزمة برد الأعمال التي لا تقبلها) وفي حال كانوا يفعلون هذه الأمور هنا ولم يعجبهم كتابك سيرسلون لك الرماد! هنا يحب أن أخبرك بنصيحة هامة جداً؛ قبل هذا السيناريو أولاً يتصل بك الناشر أو يصلك من سكرتارية الدار بريد إليكتروني فيه موعد للمقابلة أو يرسل لك خطاباً ويخبرك أن فكرة روايتك أو كتابك والفصل الأول الذي أرسلته راقه وقبلته لجنة القراءة، ولكن ..من الأفضل أن تضيف كذا وكذا وتحذف كيت وكيت .إلخ. وسوف يعطيك بعض الآراء الخاصة بمكان الأحداث وصفات الشخصيات واللغة التي تستخدمها حتى تكاد تضيق بالنصائح ذرعاً وتصرخ في وجهه: (طيب! لماذا لا تتفضل أنت بكتابة الرواية من الأول؟!) وهذا هو بالضبط ماأحذرك منه. عليك أن تكون مرناً إلى أقصى حد، وأتمنى أن يرسل لك خطاباً أو إيميل بملاحظاته حتى لاتظهر هذه الانطباعات الثورية الغاضبة الحماسية في النهاية. تذكر أنه هو الناشر في النهاية وأنت الأديب /الأديبة الشاب الذي كاد يستميحه عذراً فى التماس دامع منذ قليل ليقرأ المخطوط فلا داعي أبداً للتشنج. كتابك _مع كل احترامى _ليس كتاباً مقدساً وحذف وتعديل وإضافة أشياء أخرى لن تقتلك. مهما بلغت من كياسة تذكر هذه النصيحة، فعندما يباغتك برأيه الصادم ستبهت وتتعقد ملامحك وترسل له إشارات أنك متمرد ثقيل الظل يصعب التعامل معه، وأنت لست في حاجة لخلق أعداء في بداية الطريق! على الأقل اعتبر نفسك محظوظاً فثمة فرصة للتفاهم وإليك بعض النصائح لمناقشة من هذا النوع: أغلق فمك وافتح أذنيك وأخبر الناشر أنك تنصت إليه جيداً بل وتدون كل شيء يقوله. كل شيء. لا تقل أي شيء إلا (عفواً لم أنتبه للنقطة الأخيرة) لا تدافع عن مبادئك، لا تدافع عن شخصياتك، لا تدافع عن نفسك. الزم الصمت واكتب! وعندما يخبرك بكل مايحب تغييره أخبره أنك ستدرس كل شيء بالتفصيل. متى أتصل بك ثانية؟ خذ موعداً وابتسم وودعه. والآن أغلق باب حجرتك في هدوء واصرخ وحطم أواني الزهر والمرايا واسخر من كل ماقاله الناشر واستخدم الكليشيه إياه لا أحد يحبني /الكل يكرهني /سوف أتدرب على الملاكمة لأنتقم) أخرج كل الغل الذي في صدرك ورأسك ثم ضع كبريائك في الدرج واغلقه .الحقيقة مؤلمة وأحياناً تعض في أماكن حساسة. والآن أنظر إلى الجانب المشرق من الحقيقة: لقد قبل الناشر مخطوطك ورفض سواه. لقد كتبت شيئاً أحبه هو. شيئاً يصلح لأن يدخل عجلات الطباعة المقدسة لترى أوراقك منشورة وتباع في المكتبات! ماكتبته راق للناشر وثمة فرصه حقيقيه لنشره إما هذا أو تظل الأوراق في الدرج حتى تأتي فرصة أخرى لناشر تعتبره توأم روحك ينشر لك دون قيد أو شرط، ومن يعرف؟ لعل ذوق القراء يتغير وتظل الأوراق حبيسة الأدراج للأبد! هل تعرف ذلك النوع من لاعبى الشطرنج الذين يتأففون منزعجين عندما يطيل الخصم وقته في التفكير؟ إنهم حمقى بالتأكيد، واللاعب الذكي يستغل وقت الخصم فى التفكير في خطته هو العامة ورسم استراتيجية شاملة. هكذا يكون الوقت الطويل الممل أكثر جمالاً كلما طال وفزت أنت بالصبر وبفرص الفوز! نفس المسألة هنا. كن صديقاً مع ملاحظات الناشر وسوف تجد أنه قد أضاف لك قيمة مجانية وسد ثغرات عديدة بعملك الرائع بخبرته التي حتماً تزيد عن خبرتك في معرفة النقاط التي تجذب القاريء من التي تنفره .عالم الخيال رائع، لكن دعنا نواجه حقيقة أن الكتابة الاحترافية تعني فن التفاوض، أنت تصنع موائمات ومساومات بين الأفكار والتفاصيل، في بداية الطريق عليك أن تطيع الكبار بخصوص المساحة وعدد الكلمات والموضوع. فكر بعمق وبهدوء. علاقتك السمحة، الصاخبة، الهادئة مع الورق شيء وعلاقتك مع الآخرين في الواقع شيء آخر خصوصاً إذا كنت ستستقيل وتتفرغ للكتابة !
0 تعليقات:
إرسال تعليق