د.مصطفى النجار
بينما كان السباق الانتخابى الرئاسى محتدما بين الرئيس اوباما ومنافسه رومنى توقفت أنفاس الأمريكيين بعد أن أفادت التقارير بقرب وصول اعصار ساندى القادم من جزر الكاريبى، بعد أن حصد أرواح أكثر من 66 شخصا وهو فى طريقه للساحل الشرقى للولايات المتحدة وأعاد للأذهان تلك الصور المخيفة للدمار والموت الذى حدث أثناء اعصار كاترينا الذى ضرب نيو اورليانز عام 2005.
تعلم أوباما الدرس جيدا من الرئيس السابق بوش الذى كان أداؤه فى أزمة كاترينا محل انتقاد وهجوم كبير لما رآه الامريكيون من تقصير بالغ تجاه الأزمة لذلك فقد أوقف أوباما حملته الانتخابية وجولاته المكوكية بين الولايات التى لم تحسم أمرها بعد من انتخابه أو انتخاب منافسه الجمهورى، وعقد اجتماعا عاجلا مع مسئولى مركز مجابهة العواصف التابع للحكومة الاتحادية فى واشنطن، ووصف الاعصار ساندى بأنه «عاصفة خطيرة وضخمة»، وأهاب بسكان الساحل الشرقى للولايات المتحدة مراعاة الأوامر الصادرة من مسئولى الولايات والمحليات لحماية أنفسهم من أخطاره وقال للأمريكيين سنصطف صفا واحد ونتلاحم لمواجهة هذه الكارثة الطبيعية وسنعمل معا لتقليل خسائرها وتجاوزها بكل الطرق الممكنة.
أرسل أوباما للشعب الأمريكى رسالة واضحة كقائد أعلى للبلاد مفادها أن سلامة الأمريكيين وأرواحهم أهم من أى شىء وأنه سيظل يعمل بكل جد لمواجهة الأزمة بالتعاون مع حكام الولايات وبشكل علمى مدروس بدأت ادارة الأزمة مبكرا عقب التنبؤ باقتراب ساندى من الأراضى الأمريكية، مئات الآلاف من السكان الذين يقطنون فى المدن التى تقع فى مسار الاعصار المتوقع تم اجلاؤهم وتوفير أماكن مؤقتة بديلة حتى يمر الخطر، وقال «جو بايدن» نائب الرئيس لمتطوعى الحملة فى مانشستر بولاية «نيوهامشير» آخر شىء يريده الرئيس وأنا هو التسبب فى تعثر الجهود، أهم شىء هو سلامة الناس وصحة الناس.
بدأ المجتمع المدنى عبر شبكاته الكبرى فى أنحاء أمريكا بتوعية المواطنين بخطورة الحدث والاجراءات السليمة التى يجب عليهم اتباعها للخروج بأقل الخسائر، وتحول متطوعو حملة أوباما من عمل دعاية انتخابية مباشرة له الى التفاعل مع المجتمع الأمريكى فى محنته التى يمر بها لتتكاتف تلك الجهود الأهلية مع خطة الحكومة الفيدرالية المركزية وكذلك خطط حكومة كل ولاية سيؤثر عليها الاعصار.
اعلنت الولايات حالة الطوارئ وتم ايقاف العمل بالمدراس والمؤسسات الحكومية وأخذ كل الاجراءات وتم اعلان حالة «الكارثة الكبرى» فى ولاية نيويورك بعد أن أحدث إعصار ساندى أضرارا بالغة فى البنية الأساسية والمرافق فى الولاية، صارح المسئولون المواطنين بالأضرار والخسائر التى يتوقع حدوثها وبدأت حملة جمع تبرعات عاجلة لتعويض المضارين، مع اعلان الحكومة الفيدرالية دعمها المادى الكامل لكل المضارين من الخسائر التى سببها الاعصار. فى كل الولايات التى من المتوقع أن يمر عليها الاعصار انعقدت اجتماعات طارئة لتنفيذ خطة الطوارئ والتعامل مع الأزمة ــ وليس التخطيط لذلك ــ فإدارة الكوارث والأزمات هى علم منهجى يتم تطبيقه ولا يعتمد على العمل العشوائى أو توجيهات الرئيس أو المسئولين، خطة ادارة الأزمة موجودة وتم التدريب عليها لكل أجهزة الدولة بقطاعاتها المختلفة سواء العسكرية أو المدنية، لذلك فلدى كل ادارة هنا دليل عمل محدد ومعروف ستقوم بتنفيذه أثناء الأزمة بدءا من رجال الإطفاء والاسعاف الى المسئولين عن شبكات الكهرباء والماء وحتى المفاعلات النووية كل ادارة تطبق الخطة المسبقة ولا تنتظر توجيهات من أحد أو توصيات.
أما وسائل الاعلام المركزية والمحلية فقد كانت جزءا أساسيا فى ادارة الأزمة ولعبت دورا رائعا فى تقليل الخسائر عبر توعية المواطنين ونقل بث حى لكل مرحلة من مراحل الاعصار وتعريف المواطنين بالحقائق كاملة، مع طمأنتهم بدون اخلال او اخفاء لحجم الأزمة الحقيقى وكذلك دون التضخيم والمبالغة، مع تغطية الحدث وتأثيراته المختلفة اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا لتنجح فى جعل كل مواطن أمريكى مسئولا وشريكا عن تحمل دوره فى مواجهة الأزمة.
خلية نحل تتناغم فيها الدولة مع المجتمع المدنى مع المواطنين لمواجهة التحدى الذى تواجهه بلادهم، لم يخرج سياسى واحد ليزايد على الحكومة أثناء الأزمة أو يحاول اقتناص الفرصة للهجوم عليها، الكل فى اصطفاف حقيقى يغلب المصلحة العامة والهم الوطنى على المصلحة الشخصية وصراعات السياسة وتصفية الحسابات.
نجحت ادارة اوباما ومعها حكومات الولايات فى انقاذ الامريكيين من تداعيات أحد أقوى الاعاصير فى تاريخ أمريكا عبر حسن ادارة الأزمة التى لم يتجاوز عدد ضحاياها حتى الآن مائة شخص ولو حدثت كارثة مثل هذه فى عالمنا العربى أو مصر ــ لا قدر الله ــ لذهب ضحيتها مئات الآلاف من البشر لأننا لا نتعامل مع الأزمات بالشكل العلمى والمنهجى الذى أصبح منهجا واجب التعلم والتنفيذ.
دائما ستبقى إدارة الأزمات تدور حول أركان خمسة هى:
أولاً: التنبؤ والاستكشاف المبكر للمشكلة، وتشخيص المؤشرات والأعراض التى تنبئ بوقوع أزمة ما.
ثانياً: الاستعداد والوقاية، وتعنى التحضيرات المسبقة للتعامل مع الأزمة المتوقعة بقصد منع وقوعها أو تقليل تأثيرها.
ثالثاً: احتواء الأضرار، وتعنى تنفيذ ما خطط له فى مرحلة الاستعداد والوقاية والحيلولة دون تفاقم الأزمة وانتشارها.
رابعاً: استعادة النشاط، وهى العمليات التى تقوم بها الجهة المسئولة لغرض استعادة التوازن والقدرة على ممارسة الأعمال الاعتيادية كما كانت من قبل.
خامساً: التعلم وهو المرحلة الأخيرة وهى بلورة ووضع الضوابط لمنع تكرار الأزمة إن أمكن وبناء خبرات من الدروس السابقة لضمان مستوى عال من الجاهزية فى المستقبل.
خالص عزائنا للشعب الأمريكى فى ضحايا الاعصار وندين الممارسات المرفوضة من بعض الأشخاص والجهات التى أظهرت الشماتة فيما حدث مخالفة كل أعراف الدين ومعانى الانسانية، وأتمنى أن تخطو بلادنا على الطريق الصحيح فى إدارة الأزمات.
0 تعليقات:
إرسال تعليق