عبد الرازق أحمد الشاعر
استطاع جورج دبيو بوش التأثير على الناخب الأمريكي من خلال بعض المزايدات الدينية، منها مثلا إجابته على سؤال وجه إليه في إحدى المناظرات الرئاسية عن فيلسوفه السياسي المفضل. حينها أجاب الرجل ووجهه مشرب بحمرة القداسة ونرفانا التدين: "المسيح."
يومها لم يعرف ملايين المغرر بهم حول منصته الفارهة ومحطاته الفضائية الموجهة أن المسيح لم يكن سياسيا، وأن جورج بوش لم يكن متدينا، وأن محطات الوقود في شرقنا المغتصب قبلته، وشياطين الحرب حاميته المقدسة. لكن صناديق الانتخاب أثبتت أن ملايين الأمريكيين يعرفون القليل جدا عن رسالتهم، ولا يعرفون شيئا البتة عن رجل أمريكا الجديد.
ويوم إعلان النتيجة، اعتبر الكثيرون من المراقبين، ومنهم رئيس المحكمة العليا ستيفن باير، فوز جورج دبيو بوش بمثابة انتكاسة للعدالة وإحراجا للديمقراطية. ويومها لم يجد آل جور ملجأ من الهزيمة إلا التواري خلف رداء الحكمة، فقام ليعلن في خجل عن فلسفة انهزامه أمام مناصريه: "تعرفون أن البعض يكسب ليخسر البعض. لكن ما لا تعرفونه أن في السياسة فريق ثالث لا يخسر ولا يكسب."
وتقدم جورج بوش في ثقة هائلة، وتهور كبير ليخلف ثلة من العظام الذين تناوبوا الجلوس على صدر البلاد. وطوال سنوات حكمه، فقدت أمريكا الكثير من مصداقيتها في العالم، لا سيما في عالمنا للمقهور. وتعرضت والعالم لسنوات عجاف وحروب قادها المبشر بالقتل تحت راية الصليب، لتتسع دائرة الصلب والقتل، وتغوص البشرية في بحيرات مرة من دماء البسطاء الذين لم يعرفوا سر حاملات الطائرات التي توافدت على خلجانهم باسم المسيح، لكنها لم تحمل يوما رسالته.
جاء القديس بوش معمدا من قبل الكثيرين من البسطاء الذين توسموا في ظله خطى المسيح فوق طرقات الناصرة، لكنهم لم يروا في عهده إلا فوهات المدافع ولم يسمعوا سوى هدير الطائرات فوق المدن الآمنة.
ولم يرحل بوش عن أمريكا التي كانت، بل رحل بين قرني شيطان يبشر بالشر وينشر الهدم والقتل والتدمير حتى صار سبة في جبين المتدينين المخلصين من أتباع المسيح في أنحاء المعمورة. وظل الفريق الثالث، الذي لم يعنه سقوط آل جور ولا قدوم جورج بوش بائسا كما كان، يعاني آلام الحرمان والجوع والفاقة والجهل والمرض.
هكذا يأتي الزعماء المخلصون جدا لمشاريعهم تحت راية موسى والمسيح ومحمد، يعدون الناس بعالم لا بؤس فيه، وآخرة لا ضر بها، لكنهم يتركون العالم أكثر ضجيجا وأكثر ألما. يشترون أصوات الناس بصكوك الغفران ورضا الرحمن وجنة عرضها السماوات والأرض، لكنهم لا يرقبون في الفريق الثالث إلا ولا ذمة، ولا يرحمون ضعيفا ولا مسكينا ولا ذا حاجة. بل يتفرغون لرد المكائد السياسية وتبرير انتهاكاتهم المتتالية لوعودهم الانتخابية. ولعل هذا يفسر تناقص أعداد المتدينين وزيادة أعداد أحزاب الكنبة الذين يؤثرون الصمت ولعق مرارتهم في أسى في انتظار مخلِّص آخر ومسيح جديد
0 تعليقات:
إرسال تعليق