Ads

دفء

الهواء بارد .... يجمد الاوردة .... يأمر كحاكم مستبد في العباد فيجعلهم يلزمون المنازل رغما عنهم ....خلت الشوارع الا من بعض المارة الذين يهرولون للعودة الي منازلهم حيث الدفء و الراحة من عناء يوم طويل بارد ...
وما اثار انتباهي حقا في هذه الاجواء.... هما !!! وتساءلت ...الا يشعران بالبرد ؟؟؟
هذا الذي يرتدي قبعة وكوفيه من الصوف الاسود و كنزة صوفية زرقاء اللون رفع اكمامها فكشفت عن سواعد قوية نافرة العروق ، عيناه واثقتان مكحلتان او اني ظننت ذلك لا ادري ... يسير الي جوارها ....
الفتاة التي ترتدي القبعة والكوفية الوردية ...تلامس الكوفية وجنتيها وهي تخشي ان تجرحهما من فرط رقتهما ، تتناثر بعض الشعيرات البنية من القبعة، يداعبهم الهواء فتتمايل معهم القلوب لتضفي لمسة اضافية من الرقة علي الوجه الملائكي .
كان الصمت ثالثهما ...رغم اني سمعت حوارا طويلا بين العيون السوداء المكحلة و العيون العسلية الرائقة ...
سارا متجاورين ينظر كل منهما الي الاخر ،يتبادلان الابتسامات بين الحين والاخر ،فتفتنه غمازتاها و هو يرفع يده ليبعد شعراتها الرقيقة خشية ان تطرف عينيها و هي تبتسم في خجل وحمرة تزيدها جمالا وبهاء ....وتزيده دفئا .
فركت يديها و نفخت فيهما زفرة فاحت بعبير عطرها وهي تنظر له طلبا للدفء ،فنظر اليها و اخذ يقرب يده من يدها في حذر ...لم يجد ممانعة ،فدثر يديها بحضن يديه الدافئ و اعتصرها في ثقة و تحد و في طمأنينة ايضا .
تسارعت دقات قلبها فاضطرب النبض ، وشعر هو باضطرابه فانتقلت له العدوي ليحدث اغرب شيء ممكن ان تتخيله ...لقد صار نبض القلبين في انتظام واحد 
حتي انني ظننت ان ايديهما لو انفصلت لانفصلت معها ارواحهما ، كل منهما كان معلق بروح الاخر ، برباط اقوي من الحبل السري الذي يربط الام بالجنين ليهبه الامن والحياة بقدرة الله ورحمته .
كان البحر عالي جدا ...امواجه متلاطمة ترغي وتزبد مهددة باقتراب النوة ، تتلبد السماء بالغيوم منذرة بالمطر ... والكل يهرول ....الا هما 
كأنهما في عالم اخر .... كانت النظرة كلمات و الابتسامة فراشات و الشمس اشرقت من العيون التي صدقت علي عهد اليدين بالتوحد ...او تراها الارواح التي توحدت هنا ....العالم بأسره كان حاضرا حدوده اجسادهما المادية التي ما عادت تشعر باي برودة .
نظرت لهما طويلا وتمنيت ان اقتني الة تمكنني من قراءة الافكار التي تجول في عقليهما وعندما كان ذلك مستحيلا فلقد قررت ان اتخيل ....و فتحت بوابة الخيال ....
هي تمنت لو انها ترتمي علي صدره طلبا للمزيد من الدفء والحماية ، لتستمع الي دقات قلبه و هو ينادي عليها و يطرق علي ابواب الروح ...يناجيها ،يتوسل اليها الا تبتعد وتظل هكذا الي اخر العمر 
اما هو فتمني ان يقبل راسها و يحوطها بذراعيه ليحميها من كل ما حولها ، يخبئها في صدره فتختفي بين ضلوعه متخذة منها مأوي وسكن وستر فلا يراها احد بعد ذلك الاهو .... هو فقط 
هو سيدها وحبيبها و حارسها الامين و ابنها الضعيف الذي يحتاج للرعاية و الحنو 
سيخبئها بداخل روحه لتنير قلبه و حواشيه من الان وحتي اخر العمر .
ضحكت من نفسي ...ها انا ذا اكتب لهما قصتهما علي ذوقي الخاص ....حمدا لله علي انه ستر افكار البشر وجعلها حكرا عليهم فقط ....نعمة كبيرة حقا .
نظرت فوجدتها تنظر في ساعتها ،وتضطرب وتخبره شيئا و همت ان تترك يديه ،فوجدت نظرة حزن قاتلة ....اكاد اقسم ان عينيه تغرغرت بالدموع وهو يمسك يديها في قوة رافضا ان تتركه وترحل ....اكتست قسمات وجهه بالجدية وهو يحدثها 
ورأيت الضعف في عينيها و خيبة الامل وهي تتعلل وتحدثه حتي اقتنع رغما عنه 
وترك يديها في بطء ومع اخر طرف من اطراف اصابعها انسل من بين يديه ومع اول خطوة اخذتها لتسير مبتعدة ....سارع الخطي خلفها ووقف امامها ونظر اليها نظرة سددها الي عينيها ....وعدها بشيء ما ....ثم اختطف كف يدها ولثمه في قبلة طويلة ومفاجئة 
اضطربت الفتاة واحمر وجهها و ارتعدت فرائصها وارتبكت ....وكأنها لا تدري ماذا تفعل ...ولكنها رمقته بنظرة حب لا تخطئها عين ...حب حقيقي .
تركته وسارت وهي تلتفت مع كل خطوة لتسرق نظرة او نظرتين اليه قل ان تغادره 
اما هو فظل واقفا لخمس دقائق كطفل يتيم ، خطفت منه روحه و فصلت منه الحياة .
ولأول مرة اراه يرفع يديه يمررها علي كتفيه ، ويزفر في يديه بقوة ......
ويجري مهرولا هو الاخر مثل بقية المارة الي البيت طلبا للحماية ولكنني اعتقد انه سيفتقد ...الدفء .
رانيا ثروت