Ads

متخليهوش يشوف أمه

 بقلم: منال الطيبى

أعلم أن العنوان ربما يبدو غريبا بعض الشئ على القراء، ولكن العنوان استوحيته من طُرفة معروفة لدى المصريين تحكى عن اثنين محكوم عليهم بالإعدام، وقبل تنفيذ الحكم سأل القائمون على التنفيذ المحكوم عليه الأول عن رغبته الأخيرة فى الحياة فقال "عايز أشوف أمى"، وعندما ذهبوا للمحكوم عليه الثانى سألوه عن رغبته الأخيرة فى الحياة فقال "متخلهوش يشوف أمه"! فماذا كان يضير الأخير فى أن يرى الأول أمه قبل تنفيذ حكم الإعدام، وماذا سيحقق من وراء عدم رؤية المحكوم عليه الأول لأمه. ذكرنى موقف القبائل العربية بأسوان الرافض لمشروع إنشاء الهيئة العليا لتنمية وتعمير بلاد النوبة القديمة بهذه الطُرفة، فماذا يضير القبائل العربية من مثل هذا الأمر وماذا سيحققون من وراء رفضه؟!
تقول حجج القبائل العربية فى رفض المشروع إن ذلك سيدفع لتقسيم أسوان!! وكأنه لا يوجد بالفعل نوبيون فى أسوان ولهم مناطقهم وقراهم "الخاصة" بهم وحدهم دون غيرهم سواء قبل موجات التهجير الأربعة أو بعدها، ولم يقل أحد إن أسوان مقسمة! والغريب أن يصدر ذلك عن قبائل كل منها لها خصوصية وتعيش أيضا فى مناطق خاصة بهم وحدهم لمراعاة خصوصية كل قبيلة وعاداتها وتقاليدها التى تختلف عن بعضها البعض. فكيف تكون عودة النوبيين إلى أقرب نقطة لقراهم الأصلية التى غمرتها مياه النهر هى تقسيم لأسوان! فالنوبيون الذين يعيشون فى القرى الحالية هم أنفسهم الذين سيعيشون فى القرى الجديدة التى ستنشأها الهيئة العليا المزمع إنشاؤها.
تقول الحجة الأخرى للقبائل العربية إن التنمية يجب أن تكون لأسوان كاملة وليست لأبناء النوبة فقط. ومع عدم إنكار الحق فى التنمية لجميع المواطنين وليس لأبناء النوبة فقط أو أسوان فقط، إلا أن العام لا ينفى الخاص. فهل فى أسوان من تم تهجيره من أراضيه الأصلية غير النوبيين، وهل عانت القبائل العربية من تهجير مماثل؟! إن إنشاء الهيئة العليا لتنمية وتعمير بلاد النوبة القديمة هى تطبيق للفقرة الأخيرة من المادة 236 من الدستور المصرى التى وإن كانت قد تحدثت عن تنمية المناطق الحدودية وخصصتها بالصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، إلا أنها خصت النوبة فى الفقرة الأخيرة منها ونصت على عودتهم لمناطقهم الأصلية، فنظرا لخصوصية المعاناة وجب أن يكون هناك خصوصية للحل، فإعادة توطين النوبيين مرة أخرى فى أقرب نقطة لمناطقهم الأصلية هو لجعلهم فى وضع "متساوى" مع بقية المواطنين وليس تمييزا لهم قبل الحديث عن أية تنمية. فكيف سيتم تنمية مجتمع رافض لوجوده على بقعة من الأرض غريبة عليه من قبل عودته لمناطقه الأصلية والتى أقر الدستور لهم بحقهم فى ذلك. فشاء من شاء وأبى من أبى، النوبة قضية ذات خصوصية شديدة ومعاناتهم لا تشبه معاناة أحد وتحتاج لمعالجة خاصة وهذا ما أقره الدستور بالفعل وما تفعله الدولة الأن، فلماذا كل هذا الضجيج غير المبرر؟!
إن معاناة النوبيين التى استمرت لأكثر من 116 عاما والكفاح الطويل الذى بذلوه دونما كلل أو يأس لاستعادة حقوقهم، والصراع الطويل الذى خاضوه مع الحكومات المتعاقبة التى كانت تعمل لصالح رأس المال على حساب حقوق المواطنين، إلى أن أقرت الدولة أخيرا بحقوقهم وبدأت فى الشروع فى تنفيذها لا تعنى بأى حال من الأحوال غلق الباب أمام مطالبة آخرين بحقوقهم ومنها القبائل العربية التى لها حق مشروع فى المطالبة بتنمية أسوان كاملة، بل وفى حق الشعب المصرى بالكامل فى التنمية، ولكن وكما قلت من قبل الخاص لا ينفى العام، كما أن المشكلات الخاصة تحتاج لعلاج خاص.
إنى اعتب عتاب رقيق على أهالينا وأبناء عمومتنا من القبائل العربية فى أسوان على هذا الموقف غير المفهوم، فقد كنا ننتظر منهم الوقوف إلى جانب النوبيين بعد معاناة طويلة استمرت لأكثر من قرن من الزمان، وأن يكونوا أول المناصرين والمساندين لهم ولحقوقهم وليس أن يقفوا حجر عثرة أمامها. هو عتاب أولاد العمومة لبعضهم البعض والناتج عن عشم ومحبة، فأرجو أن يغيروا موقفهم الرافض وألا يستمعوا لأصوات "شريرة" تسعد كثيرا بالنفخ فى النار وتعمل بالفعل على الوقيعة وإثارة الفتن ما بين أهل أسوان، وليطالبوا بحقوقهم التى كفلها الدستور المصرى لهم ولغيرهم من الشعب كما يشاءوا، وليس أن يعيقوا عودة الحق للنوبيين، فمنع الحق عن الأخرين ليس هو ما سيجلب الحقوق لهم أو لغيرهم، بل العكس هو الصحيح.

0 تعليقات:

إرسال تعليق