Ads

** المصالحة مع قطر ** " المطالب والقدرات "



** المصالحة مع قطر **
" المطالب والقدرات "

بقلم هيام محى الدين
كانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين لإعادة قطر للصف الخليجي والحفاظ على وحدة مجلس التعاون وإعادتها للصف العربي الذي يستوجب إزالة الاحتقان الخطير في علاقاتها بمصر بعد سقوط حكم الإخوان ضرورة سياسية في المرحلة الراهنة التي تعيشها المنطقة لتتوحد الجهود في مواجهة خطر الإرهاب والتمزق والتفتيت الذي يهدد المنطقة العربية بأسرها ؛ وكانت قطر بسياساتها الداعمة لجماعات التأسلم السياسي ماليا وإعلاميا ؛ وتحريضها على إثارة القلاقل والفتن في مصر وليبيا وسوريا وتونس ؛ واحتضانها للقيادات الهاربة من هذه الجماعات وتمويلهم وإتاحة المساحات الإعلامية لهم لإثارة الشعوب والتحريض على القتل قد وضعت نفسها كدولة خارجة على الإجماع العربي وداعمة للإرهاب بشكل أصبح خارج طوق الاحتمال لدول المنطقة ولنظمها التي ارتضتها شعوبها.
وقد كانت هذه السياسة امتدادا للخط الذي اتخذته قطر منذ منتصف التسعينيات بهدف لعب دور الدولة الإقليمية المؤثرة رغم صغر مساحتها وضآلة عدد سكانها وهامشية موقعها الجغرافي معتمدة على ثرائها الأسطوري فقط ؛ وكان كثير من المحللين يرجعون الطموح القطري الإقليمي إلى اعتماد الولايات المتحدة في تنفيذ سياساتها العالمية على توابع إقليميين وأن قطر هي البديل المقابل لإسرائيل في تنفيذ سياسة الولايات المتحدة فيما تعجز عنه إسرائيل أو يحول دون قيامها به العداء العربي وحقوق الشعب الفلسطيني فما تعجز عنه إسرائيل تستطيع قطر القيام به كدولة عربية ؛ وتحصل على النفوذ والتأثير الإقليمي ثمنا لتعاونها في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية ؛ ويرجعون استجابة قطر لمبادرة المملكة السعودية ؛ لتحول السياسة الأمريكية للاعتراف بالأمر الواقع الذي فرضه الشعب المصري في 3 يونيو 2013 ؛ وفرضه خروج جماعات التأسلم السياسي مثل داعش والنصرة وغيرها عن الخطوط المرسومة لها أمريكيا في سوريا وليبيا ؛ فساعد هذا التحول على استجابة قطر للعودة للصف الخليجي والمصالحة مع النظام المصري.
وأيا كان الأمر ؛ فقد بدأت لقاءات على مستوى رفيع بين مبعوث شخصي لأمير قطر والرئيس المصري بحضور رئيس الديوان الملكي السعودي ؛ وصدر قرار بإغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر التي دأبت على التحريض على مصر ورئيسها ونظامها واستضافة قيادات جماعة الإخوان لغرس بذور الفتنة والتشجيع على الإرهاب ونقل الرسائل إلى أنصارهم في مصر وزار رئيس المخابرات القطرية مصر والتقى بالرئيس الجديد للمخابرات المصرية ؛ وبدأت خطوات جادة نحو إنهاء الهجوم الإعلامي المباشر من قطر واللاجئين إليها على مصر.
ولكن ما زال هناك شك كبير في قدرة قطر على الاستجابة لمطالب مصر منها؛ فقد قطعت قطر شوطا طويلا في الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها وفي تمويلهم ؛ وأصبح التخلص من هذا الارتباط صعبا ؛ ورغم أن هذا الارتباط أصبح الآن بعيدا عن تحقيق الأهداف والمصالح القطرية بعد التحولات التي شهدتها المنطقة وهددت بعزلة الدول التي تتعاون مع هذا التيار إقليميا وعالميا ، فإن قطر تحاول أن تمسك بالعصا من المنتصف ففي مقابل إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر أنشئت في تركيا عدة قنوات تابعة لجماعة الإخوان مثل الشرق ورابعة ومصر الآن وغيرها ويشاع أنها بتمويل قطري ؛ كما تم تسكين قيادات الإخوان في تركيا وبريطانيا برعاية وتمويل قطري مقابل ترحيلهم من الإمارة ؛ ثم يأتي أيضا تمسك قطر بعلاقات إستراتيجية وثيقة بتركيا وإيران على أمل الاحتفاظ بدور إقليمي من خلال هذا المحور رغم أن هذه العلاقات بهاتين الدولتين لن يكون مرضيا عنها من دول الخليج ولن تساعد على استعادة علاقات طبيعية مع مصر ؛ كما أن التعاون الاقتصادي والاستثماري شديد الأهمية لصالح الدولتين معا ؛ ويؤيد الترابط بين الدول الخليجية كافة وبين الدولة الأكبر والأقوى في المنطقة العربية.
ولعل المحاولات التي تقوم بها تركيا للخروج من عزلتها الإقليمية التي نتجت عن رؤية سياسية فاشلة وطموح إقليمي متربص ؛ والتي جاءت على لسان نائب رئيس وزرائها منذ أيام في حديثه عن التعامل مع الأمر الواقع في مصر رغم رؤيته المخالفة للواقع وغير المتفهمة لإرادة الشعب المصري ؛ هي محاولات على استحياء للعودة والخروج من العزلة واستعادة ممارستها لدور إقليمي يخدم مصالح حلف الأطلنطي الذي تعد تركيا مركز قيادته الجنوبية الشرقية ؛ فتركيا اليوم مرفوضة من جيرانها الأوربيين والعرب معا ؛ وليس لها من نصير ولا سند سوى الولايات فقط بل إن المساندة الأمريكية لتركيا لم تعد كما كانت منذ عام مضى ؛ فمحاولة قطر الارتباط الاستراتيجي بتركيا سينطبق عليه المثل المصري الشائع " اتلم المتعوس على خايب الرجا " ولن تجني منه أي من الدولتين سوى مزيد من العزلة.
لذلك وبكل احترام وتقدير لأمير قطر وحكومتها وكمواطنة عربية مصرية أتمنى الازدهار والتقدم والرفعة لكل دول الأمة العربية أتمنى أن تمارس قطر دورا فاعلا حقيقيا لنصرة القضايا العربية وتحقيق الأمن القومي العربي ؛ والإسهام في تقوية ودفع المشروعات الاقتصادية والتنموية في المنطقة سيعطي لقطر دورا مؤثرا يعوضها وبصورة أكثر نبلا عن الدور الذي حاولت القيام به في السنوات السابقة ؛ والذي لم يجلب لها سوى العداوة والعزلة ؛ ولم يجلب للمنطقة سوى الفرقة والخراب ؛ وأدعو الله أن يلهم الأمير الشاب الرؤية الصائبة لتحقيق أحلام إمارته من خلال خدمة أمته.
                              هيام محي الدين

0 تعليقات:

إرسال تعليق