أزمة
أردوغان
نشاز
عثمانلي
بقلم الصحفية والإعلامية هيام محى الدين
لم
تكن كلمة رجب طيب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي هاجم فيها ثورة
30 يونيو وسقوط حكم الإخوان مفاجأة بقدر ما كانت نغمة نشاز وسط تيار دولي يعترف
بإرادة الشعب المصري بل ويباركه ويقر بصدق رؤيته ومبادرته بإسقاط حكم جماعة
الإخوان التي تعد العباءة التي خرج من فكرها وتجارتها بالدين كل أنوع الفكر
المتطرف الذي أرهب العالم في العقود الأخيرة ؛ وكان خروج الشعب المصري بملايين
أسطورية في يوليو 2013 لإسقاطهم إبهاراً أسطورياً غير مسبوق في تاريخ ثورات الشعوب
؛ كما أن الدول الأعضاء في المنظمة الدولية في هذا الظرف يجعلها لا تستسيغ أي دفاع
عن هذه الجماعات ولا يمكنني أن أتصور أن " أردوغان " لم ير هذه الملايين
؛ كما لا يمكنني أن أتصور رئيساً لدولة مؤثرة في إقليمها مثل تركيا لا تملك
أجهزتها الدبلوماسية ومخابراتها المعلومات الصحيحة عما حدث في مصر وعن إرادة
غالبية المصريين ومدى كراهيتهم ورفضهم للجماعة التي يعاند أردوغان ويكابر ويكذب ما
وسعه الكذب ليرفض بإصرار واقعاً يصفعه بحقائقه كل يوم وكل ساعة ؛ ويتجاهل ذلك
الإجماع الشعبي في الاستفتاء على الدستور وفي انتخابات الرئاسة وفي تمويل مشروع
قناة السويس الجديدة ؛ ولا يرى إصرار بقايا الجماعة الممولة منه ومن حليفته قطر
على ممارسة الإرهاب في الشارع المصري بوسائل أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها وسائل
وضيعة منحطة لا تهدف إلا للقتل والتخريب ولا تملك فكراً ولا برنامجاً سياسيا سوى
الحقد والكراهية والجنون والغباء والحمق
والخيانة والهمجية.
لقد
فكرت طويلاً فيما يدفع هذا الرجل وهو رئيس مسئول لدولة إقليمية كبيرة يرتبط شعبها بالشعب
المصري بعلاقات تاريخية عميقة الجذور إلى المغامرة بعداوة لإرادة شعب يعلم عن يقين
أنه قادر على الإضرار بمصالح بلاده إذا أراد ، وما الذي ستكسبه تركيا من معاداتها
لمصر وفي هذا الظرف بالذات الذي ثبت فيه للعالم كله صدق رؤية الشعب المصري لتجار
الدين ومدى ما يمكن أن تقوم به هذه الجماعات من إ{هاب وحشي وتدمير لكل مظاهر
الحضارة ورفض كامل لحرية العقيدة التي يعتبرها المجتمع المعاصر حقا أساسياً من
حقوق الإنسان وتكفيرهم لكل من يخالفهم في الرأي واستحلال قتله وإهدار دمه وهذا
واضح فيما تقوم به جماعاتهم مثل داعش والنصرة في سوريا والعراق ولبنان وباكوحرام
في نيجيريا وأنصار الشريعة وبيت المقدس والفرقان وغيرها في ليبيا ومصر علاوة على
خلايا جماعة القاعدة والجماعات الأخرى في الجزائر ومالي ؛ وكلها لا استثناء بدأت
بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وخرجت من تحت عباءة فكر " سيد قطب "
في تكفير المجتمع ووجوب إعادته للإيمان بالقوة والقتل والتدمير.
لقد
كثرت تحليلات الزملاء للإجابة على هذا السؤال ومحاولة فهم وتفسير دوافع أردوغان
لركوب هذا المركب الوعر ؛ منهم من قال أنه يريد إحياء عصر سلطنة بني عثمان ؛
واستعادة سيطرة تركيا على المنطقة عن طريق حلم إحياء دولة الخلافة ويرى أن تركيا
مرشحة لهذا الدور بحكم التاريخ القريب ، وبالطبع فإن جماعات الإسلام السياسي التي
تنادي بعودة الخلافة الطبيعيون والمنفذون لمشروعه ووصولهم إلى سدة الحكم في
المنطقة هو الطريق لتحقيق هذه الرؤية ؛ ورغم انتشار هذا التحليل في الأوساط
الإعلامية والسياسية فإني شخصياً لست مقتنع بأن الرجل مهما بلغ غباؤه يظن أنه قادر
على إعادة التاريخ إلى الوراء بهذه الصورة الساذجة ؛ وعن طريق جماعات لا يضمن
ولاءها بفرض نجاحها. ومن المحللين من حاول تفسير عداء الرجل لمصر بأنه عداء تاريخي
للجيش المصري الوطني بالتحديد ، ومحاولة الانتقام والثأر للهزائم الفاضحة التي
حاقت بالجيوش التركية على يده في مواقع عكا وقونية ونصيبين في ثلاثينيات القرن التاسع
عشر على يد القائدين العظيمين للجيش المصري إبراهيم باشا وسليمان باشا الفرنساوي ؛
فهو يكره الجيش المصري ويكره وقوفه إلى جانب الشعب ويكره قوته وتماسكه ووطنيته
ويرى في جيش مصر الوطني القوى عقبة في طريق طموح تركيا لتكون الدولة الإقليمية
الأعظم في المنطقة ؛ فضعف مصر العسكري والاقتصادي يصب من وجهة نظر أصحاب هذه
الرؤية – في مصلحة تركيا ؛ والتجربة التاريخية القريبة العهد تؤكد أن قوة الجيش المصري
تؤدي آلياً إلى قوة الاقتصاد وترتبط بتنفيذ مشروعات تنمية كبرى كما حدث في الحقبة
الناصرية ؛ ومن هذا المنطلق يهاجم أردوغان الجيش المصري بالتحديد بل ويدعى أنه
انقلب على إرادة الشعب رغم علمه بكذب ما يدعيه ؛ ولكل من التحليلين السابقين أدلته
المنطقية ؛ ولكن هناك تحليلاً ثالثاً يقول أن تركيا كدولة عضو في حلف شمال الأطلنطي
تؤدي دوراً محدداً ومرسوماً لها لخدمة المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد ، فقد
كانت المعبر الذي وصل من خلاله متطرفو داعش والنصرة إلى العراق وتركيا وتم تدريبهم
وتسليحهم بواسطتها ؛ كما أنها في فترة حكم الإخوان في مصر التي استمرت عاما كاملا
قامت تركيا بتسليح ميليشيات الجماعة وعناصر جماعات الفرقان والجهاد وأنصار بيت
المقدس عن طريق حاويات ممنوع تفتيشها بنص اتفاقية تجارة عقدتها حكومة الإخوان معهم
وأيا كان الأمر فقد اتفق الجميع على أن كل هذه الأهداف قد سقطت سقوطا مدويا ومذلا
بثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 وانتهاء حكم جماعة الخوان غير المسلمين ؛
واستعادة مصر بسرعة لافتة لدورها المحوري في المنطقة والعالم ؛ وهو ما اتضح من
خلال نجاح مصر في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة رغم محاولات قطر وتركيا التي أدت
إلى سقوط آلاف الضحايا قبل أن تسلم الأطراف المعنية برؤية ورأي مصر ؛ كما اتضح
تغير الموقف الأمريكي – الذي لا تعينه غير مصالحه – وتسليمه باحتياجه لدور مصر
وقدراتها وتأثيرها في المنطقة وخبراتها الناجحة في مقاومة الإرهاب وكان اجتماع
أوباما بالرئيس السيسي بطلب من أوباما الضربة القاصمة التي جعلت كلمة أردوغان في
الجمعية العامة بلا قيمة ولا أثر مثل نغمة نشاز من عازف مبتدئ وسط سيمفونية متسقة
سرعان ما غطت نغماتها المبدعة على سقطة عازف جاهل ؛ ولعلي أستطيع أن أضيف رؤية لم
يتعرض لها المحللون لدوافع أردوغان مع تسليمي بصحة الكثير مما ورد في الرؤى الثلاث
التي أوردتها في هذا المقال ؛ وهي العقدة النفسية التي ترسبت في أعماق زعماء الأحزاب
التركية – خاصة التي تدعى أن لها خليفة إسلامية – وهي عقدة من الجيش التركي نفسه
والذي نصب نفسه حاميا وحارسا للعلمانية الأتاتوركية والتي وضع أسسها مصطفى كمال
أتاتورك منذ عشرينيات القرن الماضي فحارب بعنف الأحزاب التي قامت على أساس ديني ونكل
بزعمائها مثل نجم الدين أربكان [ أستاذ أردوغان وزعيمه السابق ] بل قام الجيش
بأكثر من انقلاب عسكري في العقود الأربعة المنصرمة ضد حكومات اتهمها بالخروج على
مبادئ أتاتورك العلمانية ؛ وقد قام أردوغان بمحاولات مضنية استخدم فيه كل حيل الطغيان
والاستبداد في تقليم الأظافر السياسية للجيش التركي ، وقد أرعبه انحياز الجيش
المصري للإرادة الشعبية وتدخله إلى جانب الشعب وتحقيق إرادته في إسقاط الإخوان ؛
ولما كانت المعارضة العلمانية لحكمه قد بدأت في الحشد ضده فخشى أن ما حدث في مصر
سيكون نموذجاً وسابقة قد يحتذيها الجيش التركي حين تشتد المعارضة الشعبية لسياسته
مما يضيف لدوافعه لهذه المغامرة البلهاء بالهجوم على مصر دافعا داخليا وشخصيا
خلقته عقدة تاريخية بكراهية عميقة لكل الجيوش الوطنية وأولها جيش بلاده ، أما
ادعاؤه الخلفية الدينية لحزبه فهو إدعاء يثير الضحك والسخرية فأي خلفية دينية هذه
وحزبه يرتع في الفساد وسرقة المال العام ومعاداة مؤسسات الشرطة والقضاء وعلى رأسه
المحكمة العليا وانتشار الدعارة واحتساء الخمر وضياع القيم الأخلاقية وضرب
المتظاهرين والانتقام الرخيص من أحزاب المعارضة وتهميش الأكراد ؛ وكلها مما يخالف
مبادئ وقيم الإسلام بل وكل أديان الأرض.
صدقوني
أني أشفق على الرجل .. فهو مريض ؛ وأما ما قاله في كلمته في الأمم المتحدة أمام
مقاعد خالية تقريبا كان عين الحقيقة حين قال أن استقبال الأمم المتحدة للرئيس
المصري هو اعتراف من المجتمع الدولي بالنظام الجديد في مصر وإقرار بشرعيته ؛ ولا
يغير استنكاره لهذا الاستقبال من حقيقة الأمر شيئاً . ألم أقل لكم إنه مريض نفسي
يحتاج للعلاج ؛ أكثر من اللوم والهجوم ؛ فليس على المريض حرج.
هيام محي الدين
0 تعليقات:
إرسال تعليق