الدكتور عادل عامر
بات الجميع في مرمى النيران، بعد أن أصبح السلاح متاحا ومتوفرا للأفراد والجماعات والمنظمات على اختلافها، ولم يعد حكرا على أحد بعينه. فقد أضحى السلاح اليوم عابرا للقارات والدول والمدن وحتى القرى النائية الفقيرة والمعدمة في أفريقيا وآسيا، حيث راجت أسواقه رواجا منقطع النظير في السنوات الأخيرة. فقد أرسل الغرب وباع ملايين القطع من السلاح على اختلاف أنواعه وأحجامه وأشكاله وقدراته، وتمّ إغراق عشرات الجيوش والجماعات والحركات في كلّ من العراق واليمن وسوريا وليبيا وجنوب السودان وجنوب أفريقيا ومالي والجزائر وأفغانستان وباكستان وأوكرانيا وكازخستان وجورجيا وكوريا الجنوبية وغيرها بهذه الأدوات المدمّرة، فأصبح السلاح يتجول بحريّة في مختلف مناطق العالم، يختلق النزاعات ويبدأ في توسيع دوائره، يهدم الدول ويتركها عرضة لنهب العصابات شأن رواندا وجنوب أفريقيا والسودان والصومال وأفغانستان واليمن والعراق وليبيا وغيرها، حتى أمكن للجماعات والتنظيمات الإرهابية وكذلك الحركات الانفصالية هنا وهناك، الحصول على ما تريده لتنفيذ مخططاتها عبر شبكات عنقودية من الخلايا النائمة، وأصبح بإمكان أفراد خلية ما، لا يتجاوز عدد أفرادها الخمسة أو الستة أعضاء، أن يقوموا بتنفيذ عملياتهم النوعية ضدّ الأهداف التي يحدّدونها.
إن للقاعدة "ميكنة ثابتة لجمع الأموال" ، ومن أين تجمع القاعدة أغلب تلك الأموال ؟ الإجابة كانت غير قابلة للتكذيب : السعودية . لدمار الذي يمكن أن تسببه تجارة السلاح، التي تدّعي الشرعية والقانونيّة، بين الدول والجيوش لا يمكن التنبُؤ بأخطاره ومصائبه، ناهيك عمّا يمكن أن ينجرّ عن عمليات التهريب والتجارة السريّة لآلات الموت وأدواته، خاصة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللتين ترزحان تحت وطأة الجماعات الإرهابية المتربصة. لا أظن أنّ أحدا له القدرة على فهم ما يجري اليوم، خاصّة في ظلّ وجود مؤامرات ومخططات ومشروعات كبرى تحاك هنا وهناك في مختلف مناطق العالم، بعضها لإعادة تقسيم دول والبعض الآخر لإعادة تقسيم النفوذ والسيطرة. مخطّطات لإعادة تقسيم الثروات ومصادر الطاقة، وأخرى لتحقيق توازن بين الديانات في أمة ما أو دولة ما، بعضها لتخفيض التعداد السكاني، والبعض الآخر لا يتجاوز التجارة سواء تعلّقت بالسلاح أو البشر، حتى أنّ صناع هذه المؤامرات والمخططات ومن يدعمها، وكذلك العاكفين على تنفيذها، غالبا لا يملكون القدرة على حماية مسارات ما شرعوا في تنفيذه. المشهد الدولي يؤكد أنّ الأمور سواء كانت في الشرق أو في الغرب باتت خارج السيطرة. الجميع مهدد داخليا وخارجيا، ولا أحد يملك من صناع هذا المشهد وراسميه القول الفصل في أيّ من النزاعات والحروب والحركات الانفصالية والعمليات الإرهابية والإبادات العرقية والفتن الطائفية التي تجري.
من جهة أخرى، وجبت الإشارة إلى أنّ فوضى السلاح التي أدّت إلى وصوله إلى جماعات وتنظيمات إرهابية ومتطرفة وحركات انفصالية غير شرعية كانت قد بدأت في منطقة الشرق الأوسط منذ فترة من الزمن، لكنها أخذت شكلا منظما زمن تواجد الاتحاد السوفيتي (سابقا) لأفغانستان، وقيام الولايات المتحدة بمشاركة عربية وباكستانية، بتمويل آلاف العناصر الأفغانية وتدريبهم، وتشكيل جماعات صدّ لم تتمكّن بعد ذلك من لمّها أو وقف نشاطاتها الإرهابية. فتُركت أفغانستان من ثمّة تحت إمرة هذه الجماعات التي خاضت حربا مفتوحة في ما بينها، وتحولت البلاد إلى قاعدة انطلاق لعمليات كبرى نُفّذت في العديد من الدول العربية والأفريقية والغربية، كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 أكثرها تأثيرا. أصبح تمويل وتسليح العناصر المتطرفة والمتشددة، تجارة وصناعة تديرها شبكات مخابراتية وشركات أمنية ومصانع كبرى غربية وأميركية، وامتدت هذه الظاهرة إلى بعض دول العالم الثالث والشرق الأوسط، لتصبح لعبة بيد بعض رؤساء الدول السابقين شأن أحمدي نجاد في إيران ومعمر القذافي في ليبيا والرئيس السوري حافظ الأسد وكذلك رؤساء بعض الأنظمة العربية الأخرى، وحاليا أصبحت قطر التي مولت وسلحت المعارضة السورية والتنظيمات الإرهابية في مالي وليبيا ومصر، تلعب هذا الدور. رأت واشنطن، وكذلك الغرب، أنّ هذا الاستثمار سوف تتدفق عائداته قريبا دون نهاية، فأغرقت المنطقة بصفقات السلاح. وفي هذا السياق فإنّ كلّ ما يجري الآن، وكان قد بدأ العمل عليه منذ فترة السبعينات من القرن الماضي، أثناء حرب 1973 تحديدا وزمن الحرب الأهلية اللبنانية والصراع السوري الإسرائيلي في لبنان، ثم الحرب الإيرانية العراقية ثم حرب الخليج فحصار العراق ثمّ احتلاله، يُفيد حدّ اللحظة بأنّ هناك دفعا غربيا أميركيا إسرائيليا بالمنطقة العربية عموما، والشرق أوسطيّة على وجه الخصوص، نحو التفتت والتلاشي. لم يكن مفاجئا إعلان تقرير المفتش العام المكلف بإعادة إعمار أفغانستان جون سوبكو، مؤخّرا، عن فقدان كميات كبيرة من الأسلحة التي سلمتها الولايات المتحدة الأميركية إلى القوات الأفغانية. وكان البنتاغون قد سلّم أفغانستان منذ 2004 “أكثر من 747 ألف بندقية كلاشنيكوف من طراز ايه كاي 47 وبنادق رشاشة وقاذفات قنابل وغيرها من الأسلحة بقيمة تقارب 626 مليون دولار”.
بالطبع لم يكن ذلك مفاجئا حيث كان هناك تقرير صادر عن الكونغرس في 2008، أكّد فقدان نحو 87 ألف قطعة سلاح أو ما يعادل ثلث الأسلحة التي تمّ شحنها لقوات الأمن الأفغانية. تمّ إنفاق 91 مليار دولار على شراء السلاح خلال العام 2013 / 2014 في الشرق الأوسط نفس الأمر حصل في العراق سنة 2007، حيث أظهرت عملية مراجعة أُجريت في العراق في يوليو من نفس السنة، أجراها مكتب المحاسبة الحكومي، أنّ حوالي190 ألف رشاش من طرازAK-47، وعددا من المسدسات التي سلّمتها الولايات المتحدة إلى البلاد، لم يكن في الإمكان تقديم أيّة بيانات عنها. ويمثل هذا الرقم 30 بالمئة تقريبا من جملة الأسلحة الصغيرة الّتي تم تقديمها إلى العراق حتى تستخدمها القوات المحلية خلال عامي 2004 و2005. هذا النقصان لم يشمل الأسلحة الخفيفة فحسب، بل طال كذلك الأسلحة الثقيلة، شأن تلك التي استولت عليها تنظيمات مثل “داعش” و”جبهة النصرة”، وتنظيم القاعدة في كلّ من العراق وسوريا وليبيا واليمن، فعقب الغزو الأميركي الغربي للعراق، وتسريح الجيش، أصبحت الأسلحة تباع وتشترى في مدن ومحافظات العراق. ومنذ تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء، عقد صفقات أسلحة معا الأميركان بأكثر من 2 مليار و700 مليون دولار، كما سلّح الغرب وأميركا وروسيا وتركيا وإيران وبعض الدول العربية نظام الأسد من جهة، والمعارضة السورية من جهة أخرى، بملايين القطع الخفيفة والثقيلة، أغلبها تمّ الاستيلاء عليها من قبل تنظيمات القاعدة و”جبهة النصرة” و”داعش” و”الإخوان” وغيرها من الجماعات التي تعيث إرهابا في مختلف الدول العربية الآن. أمّا ليبيا، فكانت ولا تزال تسبح في بحر من مخازن السّلاح، بكل أنواعه، فالعقيد معمر القذافي كان يعقد صفقات سلاح مع الغرب وأميركا وروسيا مقابل الصّمت على جرائمه، ومع سقوطه، أصبحت هذه المخازن مفتوحة أمام من هبّ ودبّ ليغرف منها ما يشاء. وقد كانت الغلبة للجماعات والتنظيمات الإرهابية، سواء الداخلية كالجماعة الإسلامية المقاتلة وأنصار الشريعة والجماعة السلفية أو الخارجية كالقاعدة وأنصار بيت المقدس وتنظيم الإخوان المسلمين وأجناد مصر، ثم جاء دور تجّار السلاح والمهربين، وقد نالت المحافظات المصرية الحدودية نصيب الأسد، ومنها دخل السلاح إلى صعيد ودلتا مصر، حيث تدفق خلال أعوام 2011 و2012 و2013 وحتى عزل الرئيس الإخواني، محمد مرسي، ما يتراوح بين 10 و15 مليون قطعة سلاح، وقد ضبطت الشرطة والقوات المسلحة بعضها على الحدود، سواء الشمالية أو الجنوبية، قبل أن يصل إلى الداخل، وتمّ ضبط البعض الآخر في الداخل، كما ضبطت السلطات أكثر من 1000 تاجر سلاح خلال عام 2013 وحده، لكن الكميّات الكبيرة ما تزال في أيدي تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية والمهربين. بلغ حجم تجارة الأسلحة في العالم خلال العام 2013 ترليون و650 مليار دولار، تقف الدول المنوط بعهدتها تحقيق الأمن والسلم العالميين، والتي تعدّ الأعلى صوتا في المطالبات بحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية وحماية المدنيين، في مقدمة المصنعين والمصدرين لها، وهي الولايات المتحدة الأميركية (التي تصدر 30 بالمئة من إجمالي المعاملات)، وروسيا (23 بالمئة)، وألمانيا (11 بالمئة)، وفرنسا (7 بالمئة)، وبريطانيا (4 بالمئة) وتليها كلّ من الصين وإيطاليا وهولندا والسويد وإسرائيل، وهذه الأخيرة طبقا لمحلل الشؤون الاستراتيجية يوسي ميلمان تسيطر على 10 بالمئة من تجارة السلاح في العالم. وتستورد منطقة الشرق الأوسط من هذه الأسلحة نسبة 17 بالمئة، تتقدمها دول آسيا حيث تبلغ نسبة استيرادها الـ 43 بالمئة وأوروبا بنسبة 21 بالمئة. ويبلغ مجمل الإنتاج من الأسلحة الخفيفة مليار قطعة سلاح و20 مليار طلقة تقتل 500 ألف إنسان سنويا. لكن ما يهمنا هنا، هو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللّتان ترزحان تحت وطأة الإرهاب والانقسامات والحروب الطائفية والأهلية.
فقد تمّ إنفاق 91 مليار دولار على شراء السلاح خلال العام 2013 / 2014، وهو مبلغ مرشح لأن يصل إلى 119 مليار دولار خلال العام 2014 / 2015، رغم أنّ هذا السلاح لا يذهب كله إلى الجيوش النظامية. هذا المعلن من تجارة السلاح استيرادا وتصديرا، أي تلك التي تتم بشكل شرعي وقانوني إلى حد ما ووفقا لمعاهدة الاتجار بالأسلحة، أمّا تجارة السلاح السرية غير الشرعية والعمولات التي تحصّل من الصفقات فربما تفوق هذه الأرقام بكثير. حيث أنّ المشهد الدولي عموما، وليس الإقليمي فحسب، غارق في القتل بكل أنواع الأسلحة. إذ قال سليل شيتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية مؤخّرا: “إنّ كلاّ من سوريا ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسريلانكا ليست سوى أمثلة قليلة عن التكلفة البشرية المروعة لتجارة الأسلحة العالمية المتهورة والغارقة في السرية”. 1 ترليون و650 مليار دولار حجم تجارة الأسلحة في العالم خلال العام 2013
نفس الأمر أكّده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عندما قال: “إنّ غياب وجود لوائح بشأن تجارة الأسلحة في العالم من شأنه أن يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، حيث يلقى نصف مليون شخص حتفهم سنويا بسبب الأسلحة التي يتم الحصول عليها بطرق غير مشروعة واستخدامها في الإبادات الجماعية”. وأضاف : “لدينا معايير دولية تنظم كل شيء انطلاقا من القمصان مرورا بلعب الأطفال إلى الطماطم. هذا يعني أن هناك معايير مشتركة بالنسبة إلى التجارة العالمية في مجال الكراسي ذات المساند ولكن هذه المعايير غائبة في مجال التجارة العالمية للأسلحة”.
خلاصة القول، إنّ الكبار ـ-الدول الكبرى-ـ يزرعون الموت والدمار والخراب في العالم، ويعلمونه للآخرين في الدول النامية، ثم تأتي هذه الدول الكبيرة لتنتحب وتتباكي على القتلى والجرحى والدمار والتشرد الذي يطال الآلاف، في يوم واحد لا في سنة كاملة، والمؤسف في الأمر أنّ ذلك معلوم لدى الجميع، لكننا نعيش زمنا فوضويا مجنونا فُقدت فيه كل الثوابت الحضارية الكبرى والوطنية والقومية من أجل تحقيق أجندات مسمومة لن تتحقق قبل أن يطال الجميع منها سهمه من القتل والدمار.
لقد أصبح حليف أمريكا القديم وأكبر منتج للنفط في العالم بطريقة ما ــ كما ذكر مسئول رفيع المستوى في وزارة المالية الأمريكية ــ "مركزًا" لتمويل الإرهاب . ولم يكن هذا مفاجئًا ، في مجمله ، لمسئولي الاستخبارات . لكن حتى وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 ، بذل المسئولون الأمريكيون جهودًا محدودة في مواجهة السعوديين ليس فقط لتمويلهم الإرهاب ولكن لدعم الأصوليين والمجاهدين في الخارج . وخلال الـ (25 سنة) الماضية ، كانت مملكة الصحراء لها نصيب الأسد في نشر الأصولية الإسلامية ، بينما مولت منظماتها الخيرية الضخمة جماعات الجهاد وخلايا القاعدة حول العالم بمئات الملايين من الدولارات . كانت تلك هي نتائج تحقيقات استمرت لخمسة أشهر من التحقيق الذي أجرته مجلة (يو أس نيوز .. والتحقيق الذي تقدمه المجلة يستند إلى مراجعة آلاف الصفحات في سجلات المحكمة وتقارير الاستخبارات الأجنبية والأمريكية ، ووثائق أخرى . إضافة إلى لقاءات أجرتها المجلة مع عشرات المسئولين السابقين والحاليين في مكافحة الإرهاب ، بالإضافة إلى مسئولين حكوميين في الخارج وخبراء في العاصمة السعودية الرياض .
بداية من أواخر الثمانينيات ــ بعد الصدمة الثنائية التي سببتها الثورة الإيرانية والحرب السوفيتية في أفغانستان ــ أصبحت المنظمات السعودية الخيرية ، الشبه رسمية ، المصدر الأساسي لأموال حركات الجهاد متسارعة النمو . وقد استخدمت الأموال ، في( 20 )دولة تقريبًا ، لإدارة معسكرات التدريب الشبه عسكرية ، ولشراء الأسلحة وتجنيد عناصر جديدة . المنظمات الخيرية كانت جزءًا من حملة سعودية ضخمة تقدر بنحو 70 مليار دولار لنشر الوهابية الأصولية في أنحاء العالم .. وقد ساعدت أموال الحملة في وضع حجر الأساس لمئات المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية الراديكالية التي عملت كشبكات لدعم حركة الجهاد .
أدرك مسئولو الاستخبارات الأمريكية ، قبيل عام 1996 دور السعودية في تمويل الإرهاب ، ورغم ذلك ظلت واشنطن لسنوات لا تبذل الجهود اللازمة للتصدي لها .. وبعد تفجير السفارة الأمريكية في أفريقيا ، كثيرًا ما رفضت وزارة الخارجية وجهات حكومية أخرى الإجراءات التي كان مسئولو مكافحة الإرهاب يتخذونها ضد السعوديين ، لشعورها أن المصالح السياسة الخارجية تفوق مكافحة الإرهاب أهمية .
شجعت الأموال السعودية الغزيرة المسئولين الأمريكيين للنظر إلى الأمر بطريقة أخرى .. فالعقود المقدرة بمليارات الدولارات ، والمنح والرواتب المدفوعة لفئات كثيرة من المسئولين الأمريكيين السابقين الذين تعاملوا مع السعوديين : سفراء ورؤساء سابقين في الاستخبارات ، بل ووزراء أيضًا .
إحجام واشنطن عن مواجهة السعوديين ، بسبب دعمهم ، الإرهاب كان جزءًا من فشل استراتيجي أوسع في دق أجراس الخطر بسبب تنامي حركة الجهاد في العالم . وفي أثناء التسعينيات ، أصدرت الاستخبارات الأمريكية سلسلة من التقارير ــ حول التحديات التي تواجهها أمريكا على مستوى العالم ــ وتهديدات الصواريخ الباليستية ، والهجرة ، والأمراض المعدية ؛ ورغم ذلك لم تصدر الحكومة أي تقرير عن حركة الجهاد أو القاعدة.
يصر المسئولون السعوديون على أن منظماتهم الخيرية بذلت جهودًا هائلة في الخارج ، وبأن المشاكل العالقة سببها بضعة مكاتب مارقة . ويقولون أيضًا: إن الرياض تلاحق الإرهاب على قدم المساواة مع ما فعلته واشنطن في أعقاب 11 سبتمبر . يقول عادل الجبير (مستشار الشئون الخارجية لولي العهد السعودي ) : "لقد استغلوا منظماتنا الخيرية .. نحن نحقق في الأمر ، واتخذنا الخطوات لضمان عدم حدوث ذلك مجددًا" . ولفهم لماذا يمول السعوديون حركة ترهب مجتمعهم أيضًا ، فهناك بعض أحداث التاريخ مسلسلة : خرجت المملكة العربية السعودية من رحم زواج المنفعة بين البلاط السعودي والطائفة الوهابية المتشددة .. وفي القرن الثامن عشر ، تحالف محمد بن سعود ، زعيم محلي وجد للعائلة الحاكمة الحالية ، مع الأصوليين من الطائفة الوهابية . وخلال المئتي عام التالية ، ناصره الوهابيون ، و فتح سعود وأحفاده معظم شبه الجزيرة العربية ، متضمنة الأماكن الإسلامية المقدسة ، في مكة المكرمة والمدينة المنورة . وأعطي الوهابيين سيطرة واسعة النطاق على المجتمع السعودي ، وفرضوا تفسيرًا صارمًا لبعض الاعتقادات القرآنية .. وعملت شرطتهم الدينية على ضمان قيام العباد بأداء خمس صلوات يوميًا ، وأن النساء مغطاة من الرأس إلى أخمص القدم . وحظرت الأديان الأخرى ، وتعرض المجرمون للرجم وقطع الرأس . ولم يكن الوهابيون الطائفة الوحيدة في الإسلام التي حظت بجذب انتباه العالم الخارجي .. لكن بدأ الموقف يتغير ، أولاً بتدفق أموال النفط في السبعينيات ، التي ملأت الصناديق السعودية بمليارات الدولارات النفطية .. وتواصل التغيير مع قيام الثورة الإيرانية والاحتلال السوفيتي لأفغانستان في عام 1979 .. وعلى أي حال كانت الصدمة الثالثة الأكثر شؤمًا للسعوديين : السيطرة القصيرة الدامية لمسلحين على المسجد الحرام في مكة المكرمة.
وفي ضوء التهديدات داخل المملكة ، والخوف من فرض الراديكاليين في طهران سيطرتهم على العالم الإسلامي ، لجأ السعوديون للبذخ والتبذير .. وطبقًا لمصادر رسمية بمعهد السياسات الأمنية في واشنطن ، فقد أنفقت المملكة السعودية منذ عام 1975 وحتى نهاية السنة الماضية ، أكثر من 70 مليار دولار على المساعدات الخارجية .. يقول "أليكس إليكسيف" (مستشار سابق في الاستخبارات المركزية الأمريكية ، ومتخصص في النزاع الإثني والديني) إن أكثر من ثلثي تلك الأموال ذهبت إلى "أنشطة إسلامية": بناء مساجد ، ومدارس دينية ، ومراكز دينية وهابية . ويضيف أن برنامج التمويل السعودي يمثل "أكبر حملة دعائية عالمية على الإطلاق" حتى إنها فاقت الحملات الدعائية السوفييتية في ذروة الحرب الباردة . ووصفت "عين اليقين" الأسبوعية السنة الماضية ، التكلفة بأنها "فلكية" وتفاخرت بالنتائج : حوالي( 1500 مسجد) ، (210 مركز إسلامي) ، (202 كلية) ، وتقريبًا (2000 مدرسة) في البلدان غير الإسلامية .
وتمثل المفتاح لهذا العمل الضخم في المنظمات الخيرية المرتبطة بشكل وثيق بالنخبة الحاكمة وكبار رجال الدين في السعودية . ومن خلال منظمات مثل: اتحاد العالم الإسلامي ومنظمته الفرعية منظمة الإغاثة الإسلامية الدولية ، أنفقت المليارات لنشر الوهابية . فعلى سبيل المثال ، كان لمنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية الفضل في تمويل( 575 مسجد) في إندونيسيا وحدها .. لقد قاد رجال الدين الوهابيون المسئولية ، وجعلوا الأئمة المعتدلين قلقين بشأن غرس الراديكالية بين المخلصين .. ويصر المحللون على أن المواعظ الوهابية التي تعد الأكثر تطرفًا ، من انعدام ثقة في الكفار ، ووصم الطوائف المنافسة بالمرتدين ، والتأكيد على جهاد العنف ، هي التي وضعت حجر الأساس للجماعات الإرهابية حول العالم . صلة
وفي هذا الصدد، شرعت مؤسسة الأزهر الدينية بتشديد الرقابة على أموال التبرعات التي يتم جمعها آخذة على عاتقها إعادة توزيعها حسب جداول توزيع وضوابط معينة.
أن بعض الجماعات استغلت أموال الزكاة المدفوعة لتمويل عمليات إرهابية. "إن الكثير من الجماعات الإسلامية التي شوّهت الدين الإسلامي بتصرفاتها وتصريحاتها اتخذت من فرض الزكاة طريقا لها للتمويل من خلال إيهام ضعفاء النفوس بأن التبرع لها واجب ديني لإكمال الجهاد الذي يقومون به، خصوصاً وأن الكثير من المواطنين البسطاء لا يفرّقون بين الجهاد بمفهومه الحقيقي والإرهاب".وتبلغ حصيلة الزكاة سنويا، وفقاً لمتولي، حوالي ct مليار جنيه (2.8 مليار دولار أميركي) يقوم الأزهر بتوزيعها حسب جداول محددة. إن ستة آلاف شخص من ذوي الأمراض المزمنة يتلقون شهرياً مبلغ 300 جنيه (50 دولاراً)، بينما يحصل المرضى العاديون، وعددهم 22 ألفاً، على 200 جنيه شهرياً (33 دولاراً). أما العائلات الفقيرة والتي يساعدها الأزهر بشكل شهري والتي يصل عددها إلى 62 ألف أسرة فيحصل كل منها على 100 جنيه (17 دولارا)، بالإضافة إلى المساعدة التي يتم صرفها لطلاب جامعة الأزهر والبالغة 300 جنيه شهرياً لكل طالب. أن الأزهر يصرف جزءاً من أموال الزكاة أيضاً لمساعدة ضحايا الكوارث والفقر في أنحاء العالم. أن حصر عملية إدارة أموال الزكاة والتبرعات الخيرية بجهات معينة كالأزهر ووزارة التضامن الاجتماعي من شأنه أن يضمن عدم تسرب هذه الأموال إلى جهات مشبوهة.
إن التسيُّب في مراقبة أموال التبرعات والزكاة أدى لقيام المجموعات الإرهابية باستعمالها لتمويل نشاطاتها وساعد على انتشارها بشكل كبير، فخلال فترة ما قبل أحداث أيلول/سبتمبر 2001 لم يكن يوجد تنظيم إداري محكم ولا تشريعات قانونية واضحة تحكم عمليات جمع التبرعات وإرسالها للخارج".ان محاولات قامت بها جمعيات غير مرخصة لتحصيل التبرعات وأموال الزكاة في الفترة الأخيرة تحت حجج مختلفة كدعم ثوار سوريا وثوار اليمن وليبيا. لكن التجاوب معها كان شبه معدوم إذ أن أئمة المساجد حذروا المواطنين في كل المناطق من هذه الجمعيات بعد الغموض الذي يسيطر على مصير هذه الأموال". أن "ما يجب مراقبته هو ما يجري في الخفاء من قبل بعض الجمعيات التي تتخذ من الدين ستاراً لها أن الحل يكمن في إيجاد اتحاد للجمعيات الإسلامية يخضع لضوابط وقوانين ثابتة.
وجود اقتراح تقدم به بعض رجال الدين وتمت مناقشته فعلا في مجلس الشعب الذي تم حله، يقضي بإنشاء هيئة مستقلة للزكاة تقوم بنشاطات اقتصادية للمساهمة بالقضاء على البطالة وتحسين مستوى الدخل للفقراء. بحساب بسيط فان تكلفة تنقل أعضاء أنصار الشريعة من مختلف المناطق في تونس إلى القيروان لإقامة مؤتمرهم وباقي تكاليف التنظيم والذي كان متوقعا أن يشارك فيه خمسون ألف منهم، يضع أمامنا رقما يزيد عن المليون دينار تونسي (464,391 يورو) وهو رقم بكل المقاييس كبير جدا على أي حزب أو تنظيم يريد إقامة احتفال. تبدو مصادر التمويل كثيرة ومتشعبة منها ما هو تقليدي ويتم في المساجد والشوارع عبر بيع الكتب وجمع التبرعات غير المراقبة والتي تتم بعلم أجهزة الدولة التي تغض الطرف عنهم رغم مخالفة ذلك للقوانين. وهناك أيضا تحويل الأموال من بلد إلى بلد بطرق ملتوية. يُضاف إلى ذلك أموال الزكاة والصدقات والتي تعتبر المصدر الأول لتمويل الجماعات الإرهابية. وهذه الأموال يصعب حصرها أو معرفة مصادرها أو أساليب صرفها... ولو أردنا البحث بجدية أكبر، تشير مصادر وزارة الداخلية التونسية أن عدد التونسيين الذين التحقوا بتنظيم جبهة النصرة الإرهابي للقتال في سوريا 800 شخص. وهو رقم يختلف كثيرا عما ذكرته العديد من وسائل الإعلام خاصة مع ارتفاع عدد المعتقلين التونسيين لدى النظام السوري وأعداد القتلى التي زادت بكثير عن مائة.
نقل مئات المقاتلين برحلات جوية وتأمين حد أدنى من مصروف الجيب لهم لحين وصولهم لنقاط التجمع على الحدود التركية السورية يحتاج لمئات آلاف الدنانير. ولا أعتقد أن هذا التدفق المالي يأتي من التبرعات والمعونات العينية.
وبدون مبالغة فإن الأموال التي صرفت لنقل هؤلاء تصل لملايين الدنانير وهذه أرقام لا يمكن تحصيلها من جمع التبرعات أو عمليات التهريب... الحركات الإرهابية تملك ما يسمى بالأموال السهلة التي لا تبذل جهودا لتأمينها. وهذا يوضح أن لها مصادر دخل ثابت ومضمون... قضية كشف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية وتجفيف منابعها عمل يتجاوز قدرة طرف واحد على القيام به ويحتاج لجهد دولي صادق لإنجاحه ومتابعة مستمرة لمنع إيصال الأموال لهذه المجموعات. الجهود المبذولة في تونس لمراقبة مصادر تمويل هذه الجماعات ضعيفة وغير جادة ويحتاج لقرار سياسي ولا يبدو أن هنالك إمكانية لإدخاله حيز التنفيذ حاليا. محاربة الإرهاب ليست قضية إمكانيات فقط رغم أهمية الإمكانيات العسكرية واللوجستية والأمنية في مواجهتها ولكن مكافحة الإرهاب هو قرار سيادي وسياسي صريح وواضح ويعني الدخول في معركة لحين القضاء عليه وتدميره. ويمكن أن نتساءل هل كانت لدى الحكومة النية لمواجهة الجماعات الإرهابية أم أن الجماعات الإرهابية بدخولها في معركة مع قوات الأمن في جبل الشعانبي فرضت على الحكومة مكرهة دخول المعركة. الصدام مع المجموعات الإرهابية في تونس ليس جديدا فهذه المجموعات تقوم بجمع الأسلحة وتخزينها وتدريب مقاتليها عليها داخل تونس وخارجها وتجند الشباب المقاتل وتقوم بعمليات غسل الأدمغة منذ فترة طويلة كما أنها قامت بعمليات إرهابية نوعية. وتعتبر حسب بعض رؤى واجتهادات بعض قياديها أن لها مستقبلا في تونس خاصة وأنها خلقت قاعدة بشرية كبيرة ومؤثرة ومنتشرة في كل مناطق البلاد وتحت مسميات متعددة.
وهي الآن تعمل بكل حرية وبقليل من المراقبة لتجنيد المزيد من الأنصار ونشر فكرها في مختلف المناطق. ووجود القاعدة لا يعني بالمطلق الانطلاق للعمل العسكري. ولكن في هذه المرحلة هنالك نوع من التردد بين من يريدون تدمير كافة المؤسسات بدون تمييز وبين من يعتبرون أن الوقت لم يحن بعد لبدء التحرك بهذا الاتجاه. لكن يبدو أن التيار الجهادي المتشدد هو من بدأ بفرض قراره على الجماعة خاصة وأنه استطاع أن يرسل المئات من المقاتلين إلى سوريا والعراق ولبنان للتدريب والجهاد.
كما أنه زج بالمئات أيضا في معسكرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهذا ما سيضمن له وجود مجموعات عسكرية مدربة ومحنكة وصاحبة تجارب في القتال والتفجير.
في صباح 11 يونيو الجاري، اقتحمت قوات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش، مقر البنك المركزي بمدينة الموصل، شمال العراق، ونجحت في الاستيلاء على ما يساوى قرابة الـ425 مليون دولار وكميات كبيرة من سبائك الذهب. و لم تكن مهمة مراسل صحيفة الفينانشيل تايمز، سام جونز، سهلة عندما ذهب للمدينة بغرض الحصول على المعلومات أو رسم صورة من أرض الواقع، بحسب ما ذكر في تقريره. لكنه في الوقت نفسه، وثق شهادة أحد سكان المدينة، التي عكست حجم ما توصل إليه هذا التنظيم من إمكانيات مادية. فقال له قاطن مدينة الموصل "كانوا يرمون فى الهواء بأوراق بنك نوت من فئة الـ200 دينار عراقى ويلتقطها المواطنون، وظلوا يتجولون في المدينة محتفلين بما حققوه من انتصار".بديهيا، تزامن التقدم الميداني الذي حققته داعش في العراق على مدار الأسبوعين الماضيين مستخدمة الأسلحة والمعدات الثقيلة، مع خروج تقارير صحفية وتعليقات لمحللين تحاول الإجابة على أسئلة تدور حول ماهية تمويل ذلك التنظيم وما إذا كانت قوى دولية تدعمه.
و يبدو أن هناك طرفين لتلك المعادلة؛ الأول هي أن داعش نفسها ثبت أنها حركة ذكية تجيد استغلال المواقع التي تستولي عليها، وإنها تعمل وفقا لمعايير "بيزنس" الجماعات الجهادية الجديدة المغايرة لسياسة التنظيم الأم: القاعدة. والثانى هى إنها تحصل على تمويل من سُنة دول الخليج والتي تنفى أصواتها الرسمية حقيقة ذلك الأمر لكن تشير دلائل أخرى نابعة من تصرفات دوائر غير رسمية إلى صحته. في مارس الماضي، صنفت السعودية عدد من حركات الإسلام السياسي والسلفية الجهادية وفى مقدمتها داعش، على أنها جماعات "إرهابية" وجرمت تمويلها أو الانضمام إليها. وفسر بعض المحللين وقتها تلك الخطوة بأن المملكة كانت تحاول إسكات بعض الأصوات التي تتهمها بتمويل المعارضة السنية المسلحة في سوريا كداعش وجبهة النصرة، والتي تواجه جيش بشار الأسد النظامي المدعوم من إيران. إلى أن دق ناقوس الخطر على أبواب المملكة نفسها، حينما أعلنت وزارة الخارجية السعودية في مايو الماضي عن اكتشاف خلية إرهابية بداخل البلاد، ورصدت محاولات إقناع بعض السعوديين المنتمين لداعش في سوريا، تحريض مواطنيهم على اغتيال شخصيات سياسية ودينية سعودية وهو الأمر الذي أسفر عن اعتقال السلطات لـ59 مواطنا سعوديا وثلاثة جنسيات أجنبية أخرى. يرى مراقبون أن داعش ليست مثل بقية التنظيمات المسلحة، وتحديدا القاعدة التي كانت فقط تعتمد على تمويل فردي من مواطني الخليج. بل اكتشف مراسل الفينانشيل تايمز، سام جونز، أن التنظيم نجح في إيجاد موارد ثابتة ومتنوعة للدخل. و أكد مصدر استخباراتي عراقي لجونز أن داعش تسيطر على أصول مادية ونفطية بقيمة مليار دولار. وأن صح تقدير هذا المصدر، فستعتبر داعش أغنى جماعة مسلحة على مستوى العالم. إذ ذكرت تقارير صحفية أن حزب الله اللبناني من بين أغنى الجماعات الإرهابية المسلحة بثروة تتراوح قيمتها بين 200 و500 مليون دولار، تليها حركة طالبان بقيمة تتراوح ما بين الـ70 و400 مليون دولار.
إلى ذلك، حدد جونز في تقريره 3 مصادر رئيسية لدخل داعش؛ في مقدمتها السيطرة على المواقع النفطية. حيث تقوم داعش يوميا باستخراج 30 ألف برميل من الحقول التي سيطرت عليها في مدينة الرقة السورية، يتم نقلها عبر وسطاء إلى الأراضي التركية فضلا عن تأكيد مصدر استخباراتي غربي لجونز أن نظام الأسد نفسه لا يغلق الباب في التعامل مع داعش من خلال شراء النفط من الحقول التي تسيطر عليها. وتدور اشتباكات بين الجيش العراقي وقوات التنظيم لمحاولة إجلاء الأخيرة عن المصفات النفطية لمدينة بيجى العراقية، والتي سبق وأن سيطرت على 75 بالمائة منها منتصف الأسبوع الماضي. ويذكر أن معظم عمليات تكرير النفط المخصص للاستخدام الداخلي للعراق تتم في تلك المصفات.
اعتمد قرار وزارة الداخلية السعودية بحظر تلك الجماعات والتنظيمات على ثلاثة محاور رئيسية، أولها، مرتبط بعملية فكرية وسياسية تخص المجتمع السعودي، حيث يتم حظر الانتماء بجميع أشكاله لأي جماعة أو منهج يتبنى أفكارا سياسية او أيديولوجية مغايرة لأفكار المجتمع السعودى، وذلك من أجل إعادة تشكيل ثقافة الانتماء الفكري وحصرها بالوطن والقواعد المنهجية الدينية الوسطية التي ينتمي إليها المجتمع السعودى، وثانيها، مرتبط بحظر الجماعات التي تتبنى الأفكار الخاصة بالإسلام السياسي واستغلال الدين في سبيل الوصول إلى مواقع سياسية يمكن من خلالها تضليل الاتجاه الفكري للمجتمع، وثالثها، حظر الجماعات التي تتبنى العنف والإرهاب وتستخدمه في المؤسسات الحكومية والمجتمعية واستغلال الأفراد عبر التأثير الديني واستثارة عواطفهم بتوظيف بعض النصوص بهدف تضليل المجتمع وأفراده. وتعكس هذه المعالجة خبرة المملكة العربية السعودية فى مواجهة تلك التنظيمات خلال السنوات الأخيرة، بجانب الاستفادة من التداعيات والتغيرات التى صاحبت ما يعرف بالربيع العربى والتى أظهرت جليا أن المنظمات الإرهابية مثل القاعدة وفروعها ومنظمات الإسلام السياسي حاولت العودة واكتساب الزخم والأنصار من خلال نشر قيم مبطنة مثل الديمقراطية والحرية، وهى قيم تستخدمها هذه التيارات من أجل الوصول إلى السلطة فى حين أنها لا تؤمن بها مطلقاً.
من المؤكد أن القرار الذى اتخدته المملكة العربية السعودية فى هذا التوقيت سوف يكون له عدد من التداعيات خلال هذه المرحلة، وذلك على النحو الآتي:
- فبالنسبة للداخل السعودي فإن هذه القرارات تستهدف تحديد وعاء واحد للفكر الديني يكون موجها للمجتمع السعودى، بحيث يتم الرجوع إلى قواعد المجتمع الأساسية القائمة على تبني منهج إسلامي معتدل متوافق مع الدور الإسلامي الذي تقوم به المملكة، من خلال إعادة ترتيب الثقافة الدينية وفقا لمتطلبات المجتمع الأساسية بعيدا عن تبني أي فكر يقوم على التشكيك فى تلك الثقافة.
- أما بالنسبة لجماعة الإخوان فإن هذا القرار سيمثل عقبة قانونية لها تبعاتها حيث سيشمل العديد من فروع الإخوان، باعتبارها منظمة دولية. كما سيفرض قيودا على حركة أفرادها. كما سيحرم القرار جماعة الإخوان من مصادر تمويل مهمة، حيث كانت المملكة العربية السعودية تمثل مصدر هاما للتمويل سواء عن طريق جمع التبرعات وأموال الزكاة، أو عن طريق توفير فرص عمل للعديد من أبناء التنظيم مما كان يساهم بشكل كبير فى تحسن دخولهم المالية، وبالتالى تحسن اقتصاد الجماعة الذى يعتمد بشكل هام على تبرعات الأفراد، علاوة على أن هذا القرار يمثل بداية الطريق لشل أذرع جماعة الإخوان فى دول المنطقة (فروع الإخوان)، خاصة أنه من المحتمل أن تسير بعض الدول على نهج المملكة العربية السعودية عن طريق اتخاذ قرارات مماثلة.
- أما بالنسبة للتنظيمات الجهادية والمسلحة التى شملها القرار، فلا شك أن هذا القرار سوف يترك تداعيات سيئة على تلك التنظيمات من حيث تجفيف منابع التمويل التى كانت تأتيها من المملكة بصورة أو بأخرى، إضافة إلى تجفيف الموارد البشرية التى كانت تذهب لتساند هذه التنظيمات من خلال المشاركة فى القتال معها فى البؤر الملتهبة فى المنطقة وخاصة فى سوريا تحت مسمى الجهاد، خاصة أن معظم دول المنطقة أصبحت تخشى من ظاهرة العائدون مثل العائدين من أفغانستان، والتى ظهرت فى تسعينيات القرن الماضى، وبالتالى مثل هذا القرار ربما يتسبب فى انحسار نشاط هذه التنظيمات فى الفترة المقبلة.
- أما إقليميا فالقرار يمثل توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى دولة قطر وتحذيرها من دعم التنظيمات الدائرة في فلكها من توجيه أنظارها إلى داخل المملكة خصوصا أن هناك أغلب التنظيمات والجماعات المدرجة على اللائحة السعودية يتلقى الدعم المالي من قطر كما تتلقى التدريبات على يد مخابراتها وهذا لم يعد سرا، بل حقيقة يعرفها الكثيرون. جمع مختلف الجماعات السلفية الكويتية المختلفة أموالاً ضخمة من المواطنين الكويتيين لرعاية مجموعة متنوّعة من الجماعات السلفية المسلحة في سورية، وهو الأمر الذي ساهم في ما حدث من شرذمة وطائفية داخل المعارضة السورية المسلحة.
تعزيز دعم الجيش السوري الحر. يجب على الحكومة النظر في حضّ السلفيين الكويتيين للضغط على الجماعات المستفيدة منهم في سورية للانضمام إلى المجموعات المرتبطة بالجيش السوري الحر بهدف تعزيز المعارضة للنظام السوري. الدعوة إلى السلفية الأصولية. يجب على الحكومة الكويتية مساعدة السلفيين الأصوليين على تقوية وتحصين التيار الأصولي السلمي في لبنان. فإذا ما تمكّن الأصوليون من جذب المزيد من الشباب السلفيين، سيكون هؤلاء الأخيرون أقلّ عرضة لأن ينتهي بهم المطاف بالمشاركة في القتال في سورية.
منذ فترة طويلة والسلفية في الكويت حركة حيوية ونشطة ولها علاقات وارتباطات عابرة للحدود الوطنية. وخلال العقدين الماضيين كانت مختلف الجماعات السلفية الكويتية من بين أهم مموّلي التيارات السلفية في جميع أنحاء العالم. إذ تموّل الجمعيات الخيرية السلفية الكويتية ومانحون أفراد عمليات بناء وصيانة آلاف المساجد والمؤسسات السلفية الأخرى في جميع أنحاء العالم. وازدادت قدرة الجماعات السلفية الكويتية بعد الربيع العربي، عندما برزت واشتهرت بين الجهات الراعية الرئيسة للجماعات المتمرّدة السورية.
غير أن المشهد السلفي عانى من عملية تفتيت وتغيير في السنوات الأخيرة. فقد أدّت المناقشات التي جرت داخل السلفية في مرحلة مابعد حرب الخليج في المملكة العربية السعودية إلى ظهور فصيلين أصولي وحركي، وكانت هي المسؤولة عن تفتيت الحركة في الكويت. وتسبّب الخلاف حول مسائل لاهوتية بين الشيخين عبد الرحمن عبد الخالق وعبدالله السبت، وهما اثنان من المرجعيات الدينية الهامة، في حدوث انشقاق في تنظيم السلفيين الكويتيين، المعروف باسم جمعية إحياء التراث الإسلامي، وظهور الفصيلين الأصولي والحركي. أصبح الأصوليون الفصيل الأقوى على المستوى المحلي، غير أن الحركيين يمتلكون شبكات عابرة للحدود الوطنية بالقدر نفسه من الأهمية. إضافة إلى ذلك، كثيراً ما أثّرت سياسة النظام والتوازن الطائفي على مسار السلفية في الكويت. ففي ثمانينيات القرن الماضي، دعمت العائلة الحاكمة في الكويت السلفيين في محاولة منها للحدّ من نفوذ الإخوان المسلمين. وبعيد أزمة الخليج في العامين 1990 و1991، عمد النظام إلى مساعدة السلفيين الأصوليين بسبب الموقف الغامض الذي اتّخذه السلفيون الحركيون تجاه الأنظمة الملكية في الخليج العربي. كوّنت الجماعات والشبكات السلفية المتنوّعة في هذه الإمارة الخليجية الصغيرة علاقات وثيقة مع السلفيين في الخارج. وأثّرت الانشقاقات الداخلية التي تعرّضت إليها السلفية الكويتية في الكيفية التي أطلّت بها الحركة على الساحة الإقليمية. وقد أدّت العلاقات عبر الحدود في كثير من الأحيان إلى إعادة تشكيل بنية السلطة السلفية في مناطق مختلفة على نحو مشابه للانقسام الأصولي – الحركي. يبدو هذا صحيحاً بصفة خاصة في لبنان، حيث ساهم السلفيون الكويتيون في تفتيت الجماعة السلفية المحلية. فقد ساهمت جمعية إحياء التراث الإسلامي هناك، وبعد إقصاء الحركيين، في ظهور فصيل أصولي قوي أصبح منافساً للسلفيين الحركيين الذين كانوا مهيمنين في السابق. في سورية، لعب السلفيون الكويتيون دوراً هاماً في تمويل الجماعات السلفية المسلحة التي تنتمي إلى تيارات فكرية مختلفة. وفي الحرب الأهلية السورية الحالية، ساهمت الأموال التي أرسلها الأصوليون والحركيون الكويتيون في ظهور مشهد سلفي متنوّع داخل المعارضة. في الوقت نفسه، حاولت الحكومة الكويتية تقييد قدرة السلفيين الحركيين على إرسال الأموال إلى المتمرّدين السلفيين السوريين. والسبب في ذلك هو أن على الحكومة الكويتية الاعتماد على الدعم البرلماني الذي يوفّره لها الشيعة ضد المعارضة. يبدو واضحاً أن التطورات والتفاعلات الداخلية للسلفية في الكويت تحظى بأهمية عالمية، لأن السلفيين الكويتيين يُعتبرون من بين المموّلين الرئيسيين للحركة في جميع أنحاء العالم. وستكون هناك مضاعفات بعيدة المدى للتأثير الذي تسبّب به تطور وتفتّت السلفية الكويتية على مسار الجماعات السلفية في لبنان وسورية.
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق