Ads

تعذيب أطفال دور الأيتام في ميزان الفقه الإسلامي

بقلم : د. عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن ، ووكيل كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالدقهلية
نشرت وسائل الإعلام المختلفة خبرا عن تعرض بعض الأطفال في أحد الملاجيء للتعذيب من قبل مدير الدار ، كما نشرت أيضا بعض المواقع فيديو لهذا الشخص وهو يضرب أطفال الملجأ الذي يديره ضربا مبرحا ، بكل قسوة ، وبلا هوادة .
وبعد كل ما شاهدته وقرأته عن هذا الخبر أقول :
1 - دعا الإسلام إلى كفالة اليتيم ورغب فيها ، وكذا الإحسان إليه ، وتربيته وقد دل على ذلك ما يأتي :
– قوله تعالى :" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " 
- وروي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما " 
- وعن قتادة قال قال رسول الله : أنا وسفعاء الخدين في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه الوسطى والسبابة قالوا : يا رسول الله وما سفعاء الخدين؟ قال: امرأة توفي زوجها فقعدت على عيالها "
- وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالقائم ليله والصائم نهاره "
– وقال رسول الله :" من ضم يتيما من المسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله له الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر"
- وعن أبي أُمَامَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ قال :" من مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لم يَمْسَحْهُ إلا لِلَّهِ كان له بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عليها يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إلى يَتِيمَةٍ أو يَتِيمٍ عِنْدَهُ كنت أنا وهو في الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بين إصبعيه السباحة وَالْوُسْطَى "
- وقال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه :" أوصني بوصية قال : ارحم اليتيم وأدنه منك وأطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله أتاه رجل يشتكي قسوة قلبه فقال رسول الله :" إن أردت أن يلين قلبك فأدن اليتيم منك ، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك "
- أخرج أبو يعلي من حديث أبي هريرة رفعه أنا أول من يفتح باب الجنة فإذا امرأة تبادرني فأقول من أنت فتقول أنا امرأة تأيمت على أيتام لي "
- وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن نبي الله داود قال كن لليتيم كالأب الرحيم فقد دلت هذه الأحاديث دلالة واضحة على فضل كفالة اليتيم ، والإحسان إليه بكل وجوه الإحسان ، وفي ذلك ترغيب لجموع المسلمين بكفالة اليتامى والإحسان إليهم وأن هذا الفعل خير سبيل إلى الجنة .
2 - إن ضرب الأطفال في الملاجيء على هذا النحو يعد عملا محرما شرعا ومجرما قانونا ، وينافي حقوق الإنسان ، وحقوق الآدمية التي جاءت بها الأديان السماوية ، وينافي التكريم الآدمي للإنسان الوارد في قول الله تعالى :" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " 
3 – حرم الإسلام قهر اليتيم وظلمه ، حيث خاطب :الحق سبحانه وتعالى نبيه محمدا مبينا فضله عليه بقوله :" ألم يجدك يتيما فآوى .. " ثم قال بعد ذلك :" فأما اليتيم فلا تقهر " وهذا نهي من الحق سبحانه عن قهر اليتيم ، والنهي حقيقة في التحريم - كما يقول علماء الأصول - حيث لا صارف ، وهذا يدل دلالة واضحة على حرمة قهر اليتيم ، وظلمه ، والإساءة إليه .
قال الشوكاني معلقا على هذه الآية :" أي لا تقهره بوجه من وجوه القهر كائنا ما كان ، وقال مجاهد: لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما ، وقال الأخفش لا تسلط عليه بالظلم ، " وقال القرطبي :" فعلى هذا يحتمل أن يكون نهيا عن قهره بظلمه وأخذ ماله ، وخص اليتيم ، لأنه لا ناصر له غير الله تعالى ، فغلظ في أمره بتغليظ العقوبة على ظالمه " 
ولذلك ورد في الحديث عن أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام : " إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن ، ويقول تعالى : من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والده التراب ، من أسكته فله الجنة " .وقال الرازي :" أي لا تعبس وجهك إليه ، والمعنى عامله بمثل ما عاملتك به .
4 – إن الإسلام إذا كان قد شرع كفالة الأيتام ، وندب إليها ، وجعل كافل اليتيم في الجنة مع الحبيب ، فإنه أيضا شرع تأديبهم كما يؤدب أحدنا أولاده عند الخطأ ، وعند بلوغهم سن التمييز، بالترغيب تارة ، وبالترهيب تارة أخرى ، وبتخوفيهم برفع العصا عليهم دون الضرب بها ، ففي الحديث الذي ترويه أم أيمن عن رسول الله أنه قال :" أنفق على أهل بيتك من طولك ، ولا ترفع عصاك عنهم ، وأخفهم في الله عز وجل "
وعلى فرض حدوث بعض الحالات التي تستدعي الضرب فلابد أن ضربا هينا لينا لمجرد التخويف ، ودون مساس بالوجه ، ودون تقبيح ، ودون إهانة لآدمية الطفل ، ودون إهدار لكرامته فقد قال عليه الصلاة والسلام أيضا لمن يريد تأديب زوجته:" لاَ تَضْرِبَ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ " والطفل أحوج ما يكون في هذه السن إلى الحب والحنان ، والمعاملة الطيبة .
5 – إن هذا المشهد ينافي الذوق العام الإنساني ، ينافي الرفق والرحمة اللذين دعا إليهما الإسلام ، فعن عَائِشَةَ أَنَّ النبي قال ما كان الرِّفْقُ في شيء قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ عُزِلَ عن شيء إِلاَّ شَانَهُ " وقال :" إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطى على الرفق مالا يعطى على العنف " 
6 – إن هذا المشهد الذي نشر على الرأي العام المصري آذى كل المصرين ، وآذى الذوق العام ، والخلق العام ، والآداب العامة في المجتمع ، فضلا عن إهانة الأطفال في أجسادهم ، وآدميتهم ، وكرامتهم ، ومشاعرهم ، قال تعالى :" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " 
7 – إن الاعتداء على الأطفال بهذه القسوة فيه إيذاء لله ولرسوله قال تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا " 
8 – إن الإسلام حرم الاعتداء على مال اليتيم وتوعد آكله بالعذاب الأليم في قوله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " وأمر المال أهون من أمر النفس ، التي هي أعظم حرمة عند الله من الكعبة ، فمن اعتدى عليه بالإيذاء ونحوه على النحو سالف الذكر ، استحق هذا الوعيد المذكور ، لأن نفس اليتيم أشد حرمة من ماله .
9 – إن هذا الفعل المشين جريمة بكل المقاييس الإنسانية ، وكل المباديء العالمية التي نصت على حقوق الطفل منها ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي نص على :" .. يجب أن يتمتع الطفل بجميع الحقوق المقررة في هذا الإعلان. ولكل طفل بدون استثناء أن يتمتع بهذه الحقوق دون تفريق أوتمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو أي وضع آخر يكون له أو لأسرته.
- يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة وان يمنح بالتشريع و غيره من الوسائل و الفرص و التسهيلات اللازمة لإتاحة نموه البدني و العقلي و الخلقي و الروحي و الاجتماعي نموا طبيعيا سليما في جو من الحرية و الكرامة، وتكون مصلحته العليا محل الاعتبار الأول في سن القوانين لهذه الغاية.
- للطفل منذ مولده حق في أن يكون له اسم وجنسية.
- يجب أن يتمتع الطفل بفوائد الضمان الاجتماعي، وان يكون مؤهلا للنمو الصحي السليم،ولهذه الغاية يجب أن يحاط هو وأمه بالعناية و الحماية الخاصتين اللازمتين قبل الوضع وبعده، وللطفل حق في القدر الكافي من الغذاء و المأوى و اللهو و الخدمات الطبية.
- يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور القسوة و الاستغلال،ويحظر الاتجار به على آية صورة، ولا يجوز استخدام الطفل قبل بلوغه السن الأدنى الملائم، و يحظر في جميع الأحوال حمله على العمل أو تركه يعمل في أية مهنة أو صنعة تؤدي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه البدني أو العقلي أو الخلقي.
- يجب أن يحاط الطفل بالحماية من جميع الممارسات التي قد تدفع إلى التمييز العنصري أو الديني أو أي شكل آخر من أشكال التمييز،وان يربى على روح التفهم و التسامح و الصداقة بين الشعوب و السلم والأخوة العالمية، و على الإدراك التام لوجوب تكريس طاقته و مواهبه لخدمة إخوته البشر.
10 – ما يفعله البعض من التشدق بكفالة الطفل ، وهم في نفس الوقت يفسدون في الأرض على هذا النحو ينطبق عليهم قول الله عز وجل :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ " 
11 – يجب على الدولة التدخل بمتابعة بدور الأيتام والرعاية التي تقوم على شئون على الأطفال في مصر ، وتطبيق القانون بشكل صارم ، ضد كل من تسول له نفسه ، في الخروج على القانون ، وعلى المباديء الإنسانية ، وأن تتابع سلوك المشرفين ، والقائمين على أمرهم ، في دور الأيتام ، وأن تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه بالعبث في مستقبل أطفال هذا البلد .

0 تعليقات:

إرسال تعليق