Ads

عذاب القبر حقيقة ثابتة

بقلم : د. عبدالحليم منصور
أستاذ الفقه المقارن ووكيل كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالدقهلية
نسب إلى الإعلامي إبراهيم عيسى إنكاره عذاب القبر ، وقال: إنه لا يوجد شيء في الدين الإسلامي يسمى «الثعبان الأقرع»، مشيرا إلى أن الغرض من ذلك هو التهديد وتخويف الناس فحسب.عيسى أضاف خلال برنامجه في رمضان على قناة «أون تي في»، «يبدو أن الذين يريدون تخويف الناس زادوا فيها وعملوا فيها عذاب القبر، ودا كله عشان تخافوا، والثعبان الأقرع في التراث الفرعوني واليهودي، وفي ناس اخترعت ده لتخويف الناس». وتابع: «النار كفاية لتعذيب الناس، وأكتر حاجة بتردع العصاة والكفار، وده مش رأيي أن مفيش عذاب قبر، وهناك ابن حزم الذي رفض القول بعذاب القبر، وفرقة المعتزلة المحترمة، ولو في عذاب قبر ليه ربنا مقلناش عليه».
وردا على ذلك أقول :
أولا – من صفات المتقين كما وردت في سورة البقرة أنهم يؤمنون بالغيب قال تعالى :" الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ .." الغيب كل ما أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدى إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار قال ابن عطية : وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها قلت : وهذا هو الأيمان الشرعى المشار إليه فى حديث جبريل عليه السلام حين قال للنبى : فأخبرني عن الأيمان قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره .. إلخ "
ثانيا – ثبت عذاب القبر في السنة الصحيحة الواردة عن النبي من ذلك ما يأتي :
1 - ما رواه البخاري :" كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته قال فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا فقال :إن رسول الله قال إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه قال وقال رسول الله ما رأيت منظرا إلا القبر أفظع منه "
2 - ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عَبَّاسٍ قال :" مَرَّ النبي بِحَائِطٍ من حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أو مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهِمَا فقال النبي :" يُعَذَّبَانِ وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ ، ثُمَّ قال : بَلَى ، كان أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ من بَوْلِهِ ، وكان الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ على كل قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً ، فَقِيلَ له يا رَسُولَ اللَّهِ: لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قال: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عنهما ما لم تَيْبَسَا أو إلى أَنْ يَيْبَسَا "قال ابن حجر : " قوله باب عذاب القبر من الغيبة والبول " قال الزين بن المنير : المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر ، تعظيم أمرهما ، لا نفي الحكم عما عداهما ، فعلى هذا لا يلزم من ذكرهما حصر عذاب القبر فيهما ، لكن الظاهر من الإقتصار على ذكرهما أنهما أمكن في ذلك من غيرهما " 
3 - ما رواه البخاري عن الأشعث بن أبي الشعشاء عن أبيه عن مسروق قال : دخلت يهودية على عائشة فقالت لها : سمعت رسول الله يذكر شيئا في عذاب القبر قالت فسليه ، فجاء النبي فسألته عن عذاب القبر فقال رسول الله : عذاب القبر حق قالت: فما صلى صلاة بعد ذلك إلا سمعته يتعوذ من عذاب القبر "
4- ما رواه البخاري عن أَنَسَ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال : كان النبي يقول اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ ، وَأَعُوذُ بِكَ من فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَأَعُوذُ بِكَ من عَذَابِ الْقَبْرِ " 
5 - ما رواه البخاري عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كان يَدْعُو في الصَّلَاةِ اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ من فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، وَأَعُوذُ بِكَ من فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ ، اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فقال له قَائِلٌ : ما أَكْثَرَ ما تَسْتَعِيذُ من الْمَغْرَمِ ؟ فقال : إِنَّ الرَّجُلَ إذا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ "
6 – ما رواه مسلم عن قتادة عن أنس بن مالك أن نبي الله قال : إن العبد إذا وضع في قبره و تولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم ، فيأتيه ملكان فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ يعني محمدا قال: فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال له : انظر إلى مقعدك في النار قد أبدلك الله مقعدا في الجنة فيراهما جميعا " 
7 - مارواه مسلم عن زيد بن ثابت قال : رسول الله في حائط لبنى النجار على بغلته ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال : من يعرف أصحاب هذه القبور ؟ فقال رجل : أنا قال فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال تعوذوا بالله من عذاب النار ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، قال : تعوذوا بالله من عذاب القبر ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ، قال : تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قال : تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال"
ثالثا – اتفق جماهير أهل العلم قاطبة على سؤال منكر ونكير في القبر وعذاب الكفار وبعض العصاة فيه ونسب خلافه إلى بعض المعتزلة ، قال بعض المتأخرين منهم : حكي إنكار ذلك عن ضرار بن عمرو ، وإنما نسب إلى المعتزلة ، وهم براء منه ، لمخالطة ضرار إياهم وتبعه قوم من السفهاء المعاندين للحق . 
قال أبو حنيفة : من قال لا أعرف عذاب القبر فهو من الجهمية الهالكة لأنه أنكر قوله تعالى :" سنعذبهم مرتين " يعني عذاب القبر .
رابعا – هذه قضية شرعية عقدية تتصل اتصالا مباشرا بعلوم الشريعة الدقيقة ، لا ينبغي أن يخوض فيها على هذا النحو بعض من غير أولى الاختصاص ، لما في ذلك من تلبيس الأمر على العامة ، ومحاولة تشكيكهم في أمور العقيدة ، التي آمن بها الناس دون أن يروها ، لأنها جزء من حقيقة الإيمان .
خامسا – ينبغي على الدولة بكل هيئاتها أن تقف في وجه كل من تسول له نفسه بإثارة الرأي العام، وتشويش فكر المسلمين ، وإلتشويش عليهم ، بحيث يمنع هؤلاء وأمثالهم من نشر هذه الثقافات ، وطرحها على الرأي العام ، وبهذا نقضي على المشكلة من جذورها ، لذا فإن المشكلة الحقيقية تكمن في بعض المحطات الفضائية التي تفتح ذراعيها لأمثال هؤلاء ، وتفسح لهم المجال للتطاول على أمور العقيدة . 
سادسا – يجب على الأزهر وعلمائه التصدي لكل من تسول له نفسه بالتحدث باسمه ، أو باسم الإسلام ، وبيان الأمر وتجليته للناس بشكل علمي رصين ، حتى يكون المسلمون على بينة من أمور دينهم ، و حتى لا تؤثر هذه البلبلة على عقيدتهم في شيء ، كما يجب على الدولة أن تستصدر تشريعا يجرم الخوض في أمور الدين ، وأمور العقيدة ، لاسيما ما يثير حفيظة السواد الأعظم منهم لغير المتخصصين ، فلا يليق أن يخرج على العامة واحد من هنا أو هناك ، بضاعتة مزجاة ، وحظة من العلم قليل ، لينكر أمرا ، علم من الدين بالضرورة ، بلا بينة ولا برهان ، ولا أثارة من علم أو دليل . وبالله التوفيق .

0 تعليقات:

إرسال تعليق