لا أكتب اليوم لمن شاهد الحدث ، فالصورة كما يقال بألف كلمة ، ولن نستطيع أن نسبر أغوار ما كان يجري في أذهان الحضور ، وما جاشت به صدورهم ، إلا من قبيل التكهنات والتخرسات . ولذا فإنني لا أكتب لهؤلاء . وإنما أكتب لأحفادي الذين ما زالوا في ظهر الغيب ، عن الحدث الذي عاشه جدهم ، عاشه بكيانه ووجدانه ، لأنه حدث غير مسبوق في التاريخ المصري فيما أعلم . والأمر لايتعلق بتأييد الرئيس السيسي أو معارضته ، ولا يتعلق بحبه أو كراهيته ، وإنما الأمر يتعلق بمصر . والأحداث المرصودة وإن كانت صغيرة ، إلا أنها ذات أبعاد ودلالات . والأحداث بعضها كان يغلب عليه الطابع الشكلي الصرف ، إلا أنني أعتبر أن الشكل هو وعاء المضمون ، وبقدر جودة الشكل وسلامته تكون جودة المضمون والمعني . ومن هنا فإنني سأحكي لأحفادي عن الرئيس السابق المستشار / عدلي محمود منصور . ذلك الرجل النبيل الذي قَبِل رئاسة مصر في وقت عصيب ، تحفها فيه المخاطر داخلياً وخارجياً ، وليست المخاطر مخاطر اعتيادية ، وإنما مخاطر تتهدد الوجود . حيث وجدت مصر نفسها ـ وهي في أضعف حالاتها ، وهي حالة المخاض الثوري ـ في مواجهة مؤامرة دولية ، تمثل فيها جماعة الإخوان مخلب القط ، وتمثل أمريكا الظهير الدولي لها . ولم تبعد تلك المخاطر عن شخص الرئيس ذاته ، أو أفراد أسرته . هذا الرجل أعاد لمنصب الرئيس هيبته ووقاره باعتباره أعلي منصب تنفيذي في الدولة المصرية ، وأنه يمثل رمزاً لهذه الدولة وممثلاً لها أمام الدول والمحافل الإقليمية والدولية . وأعاد للخطاب الرئاسي اتزانه وحكمته . وسأحكي لهم عن عدلي منصور الرئيس الإنسان ، الذي غلبته عبراته حين تحدث عن الشهداء ، بمنتهي الرقة والعذوبة والحنو ورهافة الحس ، في خطاب يمثل قطعة أدبية رائعة ، وخطة طريق نحو المستقبل ، وآخر وصايا رئيس يودع سدة الحكم عن رضا وطيب خاطر ، خطاب بكي له الشعب ، وبكي منه ، وأبْكَيَ أبناء الخليج كما صرح صحفي خليجي في مداخلة هاتفية متلفزة ، الرئيس الذي شكره الشعب ، وطالب بتكريمه . سأحكي لهم عن أول رئيس لمصر يصوت في الإنتخابات لرئيس آخر . سأحكي لهم كذلك عن الرئيس السيسي ، الرجل الصارم ـ بحكم نشأته العسكرية ـ مع نفسه في احترام القوانين والقواعد . الرجل العسكري المثقف الذي يحمل بين جوانحه خطة عمل متكاملة للنهوض بمصر ، والخروج بها من الدائرة المعتادة إلي الآفاق الأرحب للدولة المدنية الحديثة . سأحكي لهم عن أول انتخابات رئاسية حقيقية تخضع لمتابعة محلية وإقليمية ودولية ، وتحت إشراف قضائي كامل ، بغض النظر عما شابها من إرتباك إداري طبيعي . سأحكي لهم عن الدعوة غير المسبوقة لدول العالم لحضور حفل تنصيب الرئيس ، وكذا استجابة الدول لهذه الدعوة ، بما تنطوي عليه الدعوة والإستجابة من دلالات ، فهي تعني الإعتراف الدولي بثورة يونيه ، وتوقيع علي إقرار بشرعية الرئيس المنتخب أمام المجتمع الدولي ، وتوقيع شهادة وفاة دولية لجماعة الإخوان ، بعد أن أصدرها الشعب المصري رسمياً في ثورة يونيه . سأحكي لهم عن أول رئيس مصري يسلم رئاسة مصر طواعية وبرضا كامل وعن طيب خاطر لرئيس آخر ، بالتوقيع في سجل تسليم وتسلم للقيادة . فالزعيم الراحل جمال عبدالناصر ترك الرئاسة بعد وفاته وبسببها ، وتولي بعده نائبه الأول في مراسم محدودة تناسب الموقف . والرئيس السادات رحمه الله غادر السلطة بوفاته وبسببها ، وتولي بعده الرئيس الأسبق حسني مبارك رئاسة الجمهورية ، ولم يغادر منصبه إلا بالثورة عليه ، ووضعه في السجن . أما الرئيس الإخواني محمد مرسي فهو يمثل غلطة مطبعية في تاريخ مصر ـ كما قال أحدهم ـ واجبة التصحيح حتي لايطلع عليها الأحفاد . وسأذكر لهم أن الدولة المصرية قد انطلقت منذ ها التاريخ ، وأصبحت علي نحو ما يروا الآن .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 تعليقات:
إرسال تعليق