كثيرة
هى الموجات الايدوليجية و الحزبية بالقارة العجوز، و لكن تأتى فى تلك المرة موجة
اليمين المتطرف فى الانتخابات البرلمانية الاوربية لكى تضرب كل المراكب اليسارية
التى ترسو فوق المياة منذ أربعة أعوام .
فكما
كان متوقعا أكتساح اليسار بالانتخابات البرلمانية الاخيرة بأوربا بسبب تداعيات الازمة
الاقتصادية وقتها، كان ايضا متوقعا أخفاقه فى تقديم اى حلول واقعية لمواجهة تلك
الازمات، و هو ما جعلنا ننظر لما سيحدث بعد فشل اليسار فى البرلمان الاوربى،
فالمؤشرات السابقة كانت تشير الى عودة أحزاب المحافظون و الليبراليون و الخضر و
الاقليميين، و لكن ما حدث هو تفوق أحزاب اليمين المتطرف، فحزب الاستقلال البريطانى
الرافض للاتحاد مع أوربا حصل على نسبة 27% من مقاعد البرلمان، و بات " نايجل
فاراج " رئيس حزب الاستقلال صاحب الذراع السياسى الاقوى بالمملكة المتحدة .
و اذا
كانت تلك النتائج ستجعل " ديفيد كاميرون " رئيس الوزراء أمام ضغوط شديدة من أجل أتخاذ موقف حاسم بخصوص
تعهده بإعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، و بشأن علاقة بريطانيا معه، فقد أصبح
كلا من " نيك كليغ " رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار، و " إد
ميليباند " زعيم حزب العمال، و رفاقهم القياديين فى مهب الريح .
و فى
فرنسا حصد حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على ربع المقاعد، لكى يرسم نوع من
الدهشة على وجه مؤيديه، و نوعا من الصدمة على وجه المنافسين له كما ظهرت تلك
الصدمة بوضوح على وجه رئيس وزراء فرنسا " مانويل فالز " الذى علق على تلك
النتائج قائلا : أن هناك زلزالاً
سياسيا قد وقع . ثم خطاب
الرئيس الفرنسى " فرنسوا هولاند " الذى أعرب عن حزنه العميق عن خسارة
حزبة أمام اليمين المتطرف، و تصريحه بأن الشعب الفرنسى أصبح يشعر بالغربة فى
القارة الاوربية، و هو نفس الشعور الذى كان عليه " فرنسوا هولاند " و نظراءه
الأوروبيين بالقمة الغير رسمية التى أنعقدت يوم 27 مايو ببروكسل، فتلك النتيجة هى
الاسوأ منذ 35 عاما للحزب الاشتراكى بفرنسا، و ربما تكون الصدمة أكثر عندما يرى "
هولاند " و رفاقه مساندة الحزب الاشتراكى و حزب الاتحاد من اجل الحركة
الشعبية ( اليميني المعارض ) لحزب الجبهة الوطنية فى البرلمان الاوربى .
كذلك حصد اليمين المتطرف 10% فى الانتخابات
اليونانية و 12% بالانتخابات الهولندية، و 20% بالنمسا، و هو الامر الذى يجعل
اليمين المتطرف يشارك بـ 130 نائب يميني متطرف من اصل 211 نائب يمينى، و بتلك
النتيجة يكون اليمين المتطرف حقق أعلى نسبة للمشاركة فى البرلمان الاوربى منذ
تأسيسه .
قد تكون
تلك التغيرات الجزرية بالبرلمان الاوربى غير مؤثرة على سياسة اوربا الخارجية او خططها الاقتصادية المستقبلية بقدر كبير، و
لكن وصول تلك الاحزاب ذو التوجهات اليمينية المتطرفة، صاحبة الدعوات الانفصالية، و
المناهضة للاتحاد الاوربى، و المشككة فى اليورو، ستخلق بالتأكيد نوعا من الصراع
الداخلى بكل حكومة، و بين الاحزاب و بعضها، خاصة بين الكبار بالمملكة المتحدة و
فرنسا و المانيا، و ستضع كلا من أسبانيا و أيطاليا فى حيرة بين التقرب من لندن (
حلف الاطلسى ) ام التقرب لبرلين ( الاتحاد الاوربى ) .
و من
الملحوظات الهامة فى تلك الانتخابات هو الاحجام و العزوف عن المشاركة و بالاخص فى
المانيا و فرنسا و بريطانيا، فبتلك الانتخابات التى أمتنع 55% من المشاركة فى حق
التصويت بها بغرب اوربا، و أمتناع 30% من المشاركة بشرق أوربا، و قدمت لنا اليمين
المتطرف كأغلبية بنسبة تعادل 25%، بينما حجمت اليسار الراديكالى فى أقل من 6%،
أكدت مقولة الرئيس الفرنسى السابق " فاليري جيسكار ديستان " ذو التوجه اليميني
الوسطى بعد التوقيع على الاتفاقية المؤسسة للاتحاد الاوربى المعروفة بأسم معاهدة
ماسترخت فى أوائل التسعينات ببلدية ماسترخت عاصمة مقاطعة ليمبورخ الهولندية، عندما
قال " الاشتراكية الان لم تعد مشروعة "
فادى عيد
الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر
للدراسات الاستراتيجية و السياسية
0 تعليقات:
إرسال تعليق