Ads

التحرشي الجنسي المشكلة والحل في ميزان الفقه الإسلامي

بقلم : د. عبد الحليم منصور
وكيل كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالدقهلية .

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التحرش الجنسي بين الشباب ، ولعل الحالة الأبرز تلك التي حدثت لفتاة التحرير ، والتي زارها رئيس الجمهورية معتزرا لها ولبنات جنسها ، واعدا إياها وكل النساء بعدم تكرار هذا الأمر . وهذا الظاهرة فيما يبدو لي لها عدة عوامل أسهمت في انتشارها وتفاقمها في الآونة الأخيرة ، منها : 
- غياب الوازع الديني لدى كثيرين من أفراد المجتمع ، والفراع الذي يعاني منه كثير من الشباب ، حيث لا يجد كثيرا منهم عملا يزاوله معتمدا على الدولة في تدبير وظيفة له ، الأمر الذي أدى إلى انتشار البطالة بين الشباب ، وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار ظاهرة التحرش ، أيضا عدم الاحتشام من بعض الفتيات ، والخروج بملاس من شأنها أن تجسم أو تحدد ملامح الجسم ، بالإضافة إلى غياب دور الأسرة في التربية والتوجيه ، وتعليم الأطفال منذ نعومة أظفارهم السلوك الصواب من الخطأ ، وغياب دور المدرسة في تعليم الشباب الأخلاق الفاضلة ، بالإضافة انتشار المواقع الإباحية عبر المواقع الالكترونية المختلفة ، وأيضا تقاعس الخطاب الديني لدى كثير من الخطباء والدعاة عن الوصول إلى عقول وقلوب الشباب ، وعدم وجود برامج في وسائل الإعلام المختلفة لمعالجة هذه الظاهرة ، وتثقيف المجتمع بخطورتها ، وأضرارها ، والأهم من ذلك تقاعس كثيرمن الفتيات اللائي يتعرض لهذه الجريمة عن اتهام الشباب الذين يتحرشون بهن خوفا من العار والفضيحة ، وأخيرا ضعف سيف القانون في إنزال العقاب الرادع على كل من تسول له نفسه في الاعتداء على شرف وعرض المجتمع بأسره ، فالعقوبة تهدف دوما إلى تحقيق الردع الخاص للجاني بحيث لا يعاود ارتكاب هذا السلوك مرة أخرى ، والردع العام لباقي أفراد المجتمع بحيث لا يقترف أحد منهم هذا السلوك وإلا حاق به ما حاق بهذا الجاني من العقاب . كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت ظاهرة التحرش الجنسي تتنامي وتكبر يوما بعد يوم .
علاج هذه الظاهرة :
العلاج الناجع لهذه الظاهرة يكمن في عدة أمور أساسية لا يجب التغافل عنها أبدا منها :
1 – إرساء الأخلاق الفاضلة والعمل على تعميقها في نفوس الشباب من خلال دور التعليم المختلفة ، المدرسة ، والجامعة ، والمسجد ، والكنيسة ، ومن خلال وسائل الإعلام ، ومن خلال البرامج التليفزيونية ، ومن خلال الأعمال الدرامية ، فالأخلاق الفاضلة غاية عظمى جاء الإسلام ليؤصل لها في نفوس جميع المسلمين ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ووصفه الحق سبحانه وتعالى بقوله :" وإنك لعلى خلق عظيم " فهذا هو خط الدفاع الأول للقضاء على ظاهرة التحرش الجنسي .
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا 
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوّم النفس بالأخلاق تستقم 
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما و عويلا 
2 – تشديد العقاب على من يرتكب هذا السلوك ، ويتضاعف العقاب في حال العود وتكرار الفعل ، لأن هذا من قبيل الإفساد في الأرض ، ويجوز لولي الأمر أن يطبق على مرتكب هذه الجريمة حد الحرابة في حال تكراره لها ، لأنه ساع في الأرض فسادا ، ويحارب الله ورسوله ، والمؤمنين ، قال تعالى :" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " 
3 – قيام دور التربية المختلفة بدورها المنوط بها ، مثل الأسرة ، والمدرسة والجامعة ، بتوجيه الشباب نحو الأفضل دائما ، فضلا عن إيجاد قدوة لهم من خلال معلميهم ليكونوا مشاعل هداية لهم ونبراسا يقتفوا أثره في هذه الحياة .
4 – العمل على تقبيح هذه الظاهرة من خلال الأعمال الدرامية ، والبرامج التليفزيونية المختلفة ، ومن خلال علماء الدين والاجتماع .
5 – العمل على استغلال الطاقات المكبوتة لدى الشباب بتوفير فرص عمل مناسبة لهم ، حتى يستغل الشباب طاقاتهم وقدراتهم في أعمال نافعة تعود عليهم وعلى الدولة بالنفع ، بدلا من تركهم أسرى لرفقهاء السوء ، وللشيطان ليوسوس لهم بارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن . ولذلك ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ .
الحكم الشرعي لهذه الظاهرة :
لا يخفى على عاقل فضلا عن عالم أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد ، ومن أهم هذه المصالح الحفاظ على الكليات الخمس وهي : الدين ، والنفس ، والمال ، والعقل ، والعرض ، والتي جمعها صاحب الجوهرة في قوله : وحفظ دين ثم نفس مال نسب ** ومثلها عقل وعرض قد وجب . 
قال العلامة أبو الأعلى المودودي : " الذي يجب ألا يغيب عن بالنا في هذا الصدد هو أن الشريعة الإلهية عندما تحرم شيئا فإنها لا تكتفي بتجريمه فحسب بل إنها تودي في الوقت نفسه بكل ما يرغب الناس في إتيانه أو يهيء لهم فرصه أو يكرههم عليه من الأسباب والدواعي فلهذا إن الشريعة عندما تحرم الجريمة فإنها تحرم معها أسبابها ودواعيها ووسائلها حتى تستوقف المرء على مسافة بعيدة قبل أن يفضي إلى حد الجريمة الأصلية وهي لا تحب دوما أن يبقى الناس يمشون على حدود الجرائم فيؤاخذون وينالون العقوبة لأنها ليست بمحتسبة للناس فحسب بل هي ناصحة لهم ومصلحة لمفاسدهم ومساعدة لهم على تذليل مشاكلهم أيضا فتستخدم كل ما يؤثر فيهم من التدابير التعليمية والخلقية والاجتماعية حتى تأخذ بأيدي الناس في اجتناب السيئات والموبقات . 
ومن ثم فأي مساس بالعرض بالقول أو الفعل ، بل وبالنظر فإن الشريعة الإسلامية تحاربه ، وتجرمه حتى تحفظ على الناس أعراضهم وفي سبيل ذلك نجد أن الإسلام اتخذ مجموعة من التدابير للحفاظ على أعراض الناس منها :
1 - تحريم النظر بين الرجال والنساء من غير حاجة قال تعالى :" قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا " وقال عليه الصلاة والسلام :" يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإنّ لك الأولي وليست لك الآخرة " وقال أيضا :" النَّظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله أثابه عز وجل إيمانًا يجد حلاوته في قلبه " 
2 - تحريم الخضوع في القول بين الطرفين قال تعالى :" يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا " 
3 تحريم التبرج وإظهار الزينة التي تؤدي إلى الفتنة قال تعالى :" وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " 
4 - تحريم الخلوة بين الرجال والنساء ، فقد ورد في الحديث :" ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما " 
5 - غرس فضيلة وقيمة الالتزام الديني لدى الشباب ، وفضيلة الاحتشام لدى الفتيات كل هذا من شأنه أن يقضي على هذه الظاهرة . 
6 – إن الشريعة الإسلامية تحرم الإيذاء الإضرار بالمسلمين قال تعالى :" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " وقال عز وجل : " وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " وقال عليه الصلاة والسلام :" لا ضرر ولا ضرار " وقال :" من ضار ضار الله به ، ومن شق ، شق الله عليه " 
7- هذا الفعل يعد شرعا من قبيل إشاعة الفاحشة في المجتمع والإسلام حرم إشاعة الفاحشة ، وتوعد القرآن الكريم الذين يشيعون الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة قال تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " 
القضاء على هذه الظاهرة بمثابة قضية أمن قومي للمجتمع :
إن علاج ظاهرة التحرش بما تتضمنه من ترويع للفتيات اللائي يذهبن إلى المدارس والجامعات وسوق العمل ، يمثل خطرا شديدا على المجتمع بأسره ، ففضلا عن ترويع الفتاة التي تتعرض لهذا الجرم الخطير ، وهذا الأمر جرمه الإسلام أشد التجريم بقول النبي عليه الصلاة والسلام :" لا ترِّوعوا المسلم ، فإنّ روعة المسلم ظُلمٌ عظيم " وقال أيضا :" من أخاف مؤمنًا كان حقًا علي الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة " فهذا الأمر فيه ترويع للأسرة المصرية بأسرها ترويع للأب والأم ، والأخ والأخت ، وكل أفراد المجتمع ، بحيث لا يأمن أحد لا على بيته ولا زوجته ، ولا أخته ، وهذا كله من شأنه أن يؤثر على كل شيء في المجتمع .
لذا يجب على الدولة بكل أجهزتها المختلفة التدخل لإيجاد حلول ناجعة ، وقوية لمنع هذه الظاهرة ، حتى تدور عجلة الحياة والإنتاج ، ويعيش الناس آمنون تحت ظلال وسماء هذا الوطن ، قال تعالى في سبيل الامتنان على قريش :" لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " وبغيرهذا لن يستقر حال البلاد ، لذا لابد من تحقيق الأمن والأمان لمجموع المواطنين على أنفسهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ، حتى نستطيع أن نبني مصر الحديثة ، في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى .
وحتى تصبح مصر واحة للأمن والأمان كما قال عز وجل مخاطبا البشرية كلها :" ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين "
حمى الله مصر ، وجنبها وأهلها من فيها وما فيها الفتن ما ظهر منها وما بطن إلى قيام الساعة ، اللهم آمين .

0 تعليقات:

إرسال تعليق