Ads
الوضع القانوني لنهر النيل في ضوء مبدأ الانتفاع العادل والمعقول
من خلال (الاتفاقيات التاريخية )

بقلم / سهام عزالدين جبريل
مما لاشك فيه إن ما يثير أزمة حوض النيل هو وجود تغيير يكتنف مسألة حاجة دول أعالي النيل (دول المنابع) إلى مياه نهر النيل، فالظروف التي كانت تضمن لمصر تدفقاً دائماً وهادئاً لهذه المياه نتيجة لانخفاض كثافة سكان تلك الدول، أو لتمتعها بموارد مائية أخرى إلى الحد الذي كانت فيه المشكلة بالنسبة لبعض هذه الدول ليست فقط ندرة الماء وإنما وفرتها خاصة إفراط المطر على حد تعبير الأستاذ الدكتور جمال حمدان، ومن ثمَّ الحاجة إلى مشاريع الصرف، أو لتدهور الأوضاع الاقتصادية فيها، حيث أصبحت هذه الظروف محل مراجعة كبيرة من جانب دول أعالي النيل إلى الحد الذي دفع العديد منها إلى المطالبة بإعادة النظر في الاتفاقيات القائمة بصدد النهر وعلى رأسها اتفاقيتي 1929 و1959.
 ولما كانت مصر من بين كل دول حوض النيل، إضافة إلى كونها دولة المصب، تعتمد على النيل كمصدر رئيسي أو بالأحرى كمصدر وحيد للمياه المستخدمة في أغراض الشرب والزراعة أي اقتطاع للمياه في أعالي النيل بما يستتبعه إنخفاض في كميات المياه المتاحة لمصر سيترتب عليه ضرر بليغ بها وهو ما يتعارض مع مقتضيات مبدأ الانتفاع المنصف والعادل.
وبرغم أن نهر النيل هو النهر الأفريقي الكبير الوحيد الذي لا تنظم استعمالات مياهه اتفاقية جماعية عامة، إلأ أن ذلك لا يعني أن دول حوض النيل لم تصل إلى اتفاقايات أو معاهدات تحكم تفاصيل تعاونها اللازم أو تعهداتها بشأن مياه النيل.
وفى قراءة متأنية لكافة الاتفاقيات التاريخية التى ابرمت والمتعلقة بشأن تنظيم استخدامات دول الحوض لمياه نهر النيل قد لوحظ أن هذه الاتفاقيات اتسمت في معظمها بالآتي:
1-أن بريطانيا كانت تمثل قاسماً مشتركاً في جميع هذه الاتفاقيات حتى اتفاقية 1953.
2-الاتفاقيات المتعلقة بتنظيم استخدامات نهر النيل في معظمها ما هي إلا جزء من اتفاقيات الحدود وبالتالي فهي تخضع لمبدأ التوارث الدولي.
3-اعتنقت الاتفاقيات السابقة عدة مباديء وأكدت عليها مراراً كان أهمها الاعتراف بحقوق مصر التاريخية والطبيعية في مياه النيل ووجوب عدم المساس بها على نحو مباشر أو غير مباشر.
4-منح مصر حق الفيتو على أية مشروعات تتم على مجرى النيل أو روافده أو منابعه بما يؤثر على كمية المياه الواردة لمصر.
5-احتواء الاتفاقايات السابقة على عدد من المباديء التي أصبحت الآن تشكل جزء أصيلاً
 من قانون الأنهار الدولية المعاصر من أهمها:-
أ-التعاون بين دول الحوض.
ب-الاستخدام المنصف والمعقول.
جـ-عدم جواز إضرار الدولة بمصالح غيرها من الدول النهرية عند استخدام نصيبها من المياه.
د-التعويض عن الأضرار الناتجة عن استخدام مياه النهر.
وفى قراءة للتسلسل التاريخى  لهذه الاتفاقيات نجد أنها بدأ ت منذ القرن التاسع عشر حيث اتت على التوالى  :-
1-بروتوكول روما 1891م- بين بريطانيا/ايطاليا
2- اتفاقية أديس أبابا 1902-من الاتفاقيات الهامة بين : - بريطانيا + إيطاليا + إثيوبيا
3- اتفاقية لندن الموقعة في مايو 1906-بين بريطانيا + بلجيكا بالنيابة عن الكونغو
4- اتفاقية لندن ديسمبر 1906-بين بريطانيا + فرنسا + إيطاليا
5- المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا 1925
6- اتفاقية مياه النيل 1929-بين مصر+بريطانيا (نيابةعن السودان وتنجانيقا وكينيا وأوغندا)
- قضت هذه الاتفاقية :- بتحريم إقامة أي مشروع من أي نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التي تغذيها كلها إلا بموافقة مصر.
- منحت مصر الحق في مراقبة مجرى نهر النيل من المنبع إلى المصب في كل الدول الخاضعة للنفوذ البريطاني وقتها وليس السودان فقط!
7- اتفاقية لندن 1934- بريطانيا (نيابة عن تنجانيقا +بلجيكا (نيابة عن رواندا وبوروندي)
8- اتفاقية 1953: مجموعة من المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا خلال الفترة ما بين (1949 – 1953) مصر وبريطانيا (نيابة عن أوغندا)
9- اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل 1959/دخلت حيز النفاذ في 12/12/1959- بين مصر والسودان
أكدت الاتفاقية على :- احترام الحقوق التاريخية المكتسبة لطرفيها وحددت هذه الحقوق بدقة حسماً لأي نزاع حيث أقرت لمصر بـ 48 مليار م3 من المياه وللسودان بـ 4مليار م3 والمقدرة بـ 4 مليار م3 باعتبار أن هذه هي الحقوق التاريخية المكتسبة لكليهما.
*إنشاء السد العالي في مصر وتقاسم منافعه بين مصر والسودان، والموافقة على إنشاء سد الروصيرص على النيل الأزرق في السودان، وكذلك على أية مشروعات أخرى تراها السودان لازمة لاستغلال نصيبها.
* دفع مصر تعويضات مالية للسكان السودانيين الذين سيتضررون من إنشاء بحيرة السد العالي.
*التعاون الثنائي بين البلدين في إنشاء عدد من المشروعات لاستغلال المياه الضائعة في مستنقعات (بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال ونهر السوباط) لزيادة إيراد النهر من المياه، على أن يتم تقسيم صافي الفائدة من هذه المشروعات  بين البلدين بالتساوي وعلى أن تسهم كلتا الدولتين في دفع تكاليف تلك المشروعات مناصفةً بينهما.
* تشكيل هيئة فنية دائمة بين البلدين تعمل على إجراء البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط النهر وزيادة إيراده ومتابعة الأرصاد المائية على منابع النيل العليا ومراقبة تنفيذ أية مشروعات متعلقة بمياه النيل خارج حدود الدولتين.
*إلتزام مصر والسودان بالتنسيق  فيما بينهما لاتخاذ موقف موحد إزاء أية مطالب أو أزمات تثيرها أية دولة من دول المنابع بخصوص مياه النيل.
*في حال مطالبة أي دولة من دول الحوض بتحديد حصة مائية لها يتم خصم هذه النسبة مناصفةً
بين كل من مصر والسودان على أن يتم خصم هذه الحصة من فائض المياه الذي يوفره السد العالي
10- اتفاقية1991كانت في شكل خطابات متبادلة بين مصر واوغندا .
11- اتفاق القاهرة 1993-بين مصر واثيوبيا  .
خلاصة القول أن الملاحظ من قراءة هذه الاتفاقيات الخاصة بتنظيم استخدامات مياه النيل أنها أكدت على الاسس التى يجب ان تراعى فى استخدامات مياه النيل وحقوق مصر كدولة المصب فى الانتفاع المنصف لمياه المجارى المائية :-
وذلك من ماأكدته كافة الاتفاقات التاريخية والتى ابرمت على مدى قرنين من الزمان بالإضافة إلى التأكيد على احترام الاعراف والحقوق التاريخية المكتسبة من هذه المياه ، وكذلك الاستخدامات القائمة وذلك لان الحقوق تمس مصالح مجتمعات قائمة منذالاف السنين واقيمت علية أقدم حضارة انسانية منذ فجر التاريخ واستقرت عليها اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وتعرضها لاى اضطراب يهدد السلم والامن الاجتماعى ، كما أكدتك تلك الاتفاقات على مرعاة حقوق الدول الاخرى المشاطئة لنهر النيل من خلال التأكيد على مبدأ عدم الاضرار بحقوق ومصالح الدول النهرية الاخرى ،وهى القاعدة الاساسية الثانية والتى مفادها : ان لكل دولة نهرية عند استعمالها لمياه النهر الدولى يجب الا تلحق ضرر بحقوق الدول النهرية الاخرى ، كأن تقوم بتحويل النهر كليا او جزئيا او اقامة مشروعات عليه من شأنها انقاص كمية المياه لدول المجرى او المصب ، وقد استخدمت لجنة القانون الدولى الخاصة بتنظيم استخدامات المياه المشتركة بين دول الاحواض النهرية ،مصطلح (الضرر الجوهرى) والذى يعنى ان الضرر لايكون طفيفا ولكنه ليس ضرر جسيما  ،    


تحياتى سهام عزالدين جبريل 

0 تعليقات:

إرسال تعليق