بقلم : د. عبد الحليم منصور
رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالدقهلية – فرع جامعة الأزهر
تحرير محل النزاع :
لا خلاف بين الفقهاء في أن الصحيح القادر على الحج بنفسه لا يجوز له أن ينيب غيره مقامه في أداء نسك الحج ، إذ الأصل في الأعمال البدينة أن يؤديها المسلم بنفسه .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج ، لا يجزىء عنه أن يحج غيره عنه . وإنما وقع الخلاف في المريض المأيوس من شفائه ، ينيب غيره مقامه في أداء الحج عنه ، هل يجوز، أو لا يجوز ؟ .
وقد قسم الفقهاء المريض إلى قسمين: مأيوس من شفائه ، وغير مأيوس منه ، ولكل حالة حكمها .
حكم الحج عن المريض المأيوس من شفائه :
اختلف العلماء في حكم وجوب الحج على المريض المأيوس من شفائه على رأيين:
الرأي الأول : وهو للحنفية والمالكية ومن نحا نحوهم ، حيث يرون أن المريض والزمن ومن في حكمه لا يجب عليه الحج .
الرأي الثاني : يرى الشافعية ، والحنابلة ، والظاهرية ومن وافقهم أن المريض العاجز عن الحج بنفسه ، وهو المعضوب كما يسمونه الذي لا يثبت على الراحلة أن الحج واجب عليه ، وعليه أن ينيب غيره ليقوم مقامه في أداء هذا النسك ، قال الشربيني :"والمعضوب .. العاجز عن الحج بنفسه ، حالا أو مآلا ، لكبر ، أو زمانة ، أو غير ذلك .. إن وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل ، .. لزمه الحج بها "
الرأي الراجح :
يبدو لي بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة رحجان ما ذهب إليه الشافعية ومن وافقهم ، القائلون بوجوب الحج عن المريض ومن في حكمه إذا كان يملك أجرة من يقوم مقامه في أداء هذا النسك ، وذلك لما يأتي :
1 – لأن هذا المريض مستطيع بغيره ، لأن الاستطاعة كما تكون بالنفس ، تكون ببذل المال ، وطاعة الرجال ، ولهذا يقال لمن لا يحسن البناء : إنك مستطيع بناء دارك ، إذا كان معه ما يفي ببنائها ، وإذا صدق عليه أنه مستطيع وجب عليه الحج للآية .
2 - وفي الصحيحين أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إن فريضة الله تعالى على عباده في الحج ، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع .
وفي رواية : عن ابن عَبَّاسٍ عن الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً من خَثْعَمَ قالت : يا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أبي شَيْخٌ كَبِيرٌ عليه فَرِيضَةُ اللَّهِ في الْحَجِّ ، وهو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ على ظَهْرِ بَعِيرِهِ ، فقال النبي : فَحُجِّي عنه "
3 - وسئل علي رضي الله عنه ؟ عن شيخ لا يجد الاستطاعة ، : قال يجهز عنه .
4 - ولأن هذه عبادة تجب بإفسادها الكفارة ، فجاز أن يقوم غير فعله فيها مقام فعله ، كالصوم إذا عجز عنه افتدى ، بخلاف الصلاة . والله أعلم .
0 تعليقات:
إرسال تعليق