Ads

الأنظمة الانتخابية وانسبها للحالة المصرية


دكتور عادل عامر

لقد جرت انتخابات مجلسى الشعب والشورى 2000، 2001 على التوالى دون أن يصاحبهما أى دعوة تصريحاً أو تلميحاً من قبل أى صاحب رأى كان للعودة لنظام القوائم. لقد تم تطبيق النظام الانتخابى بالقائمة فى مصر مرتين فى انتخابات عام1984 وعام 1987 وحكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية الانتخابات فى المرتين سواء لعدم المساواة فى المرة الأولى، نتيجة حرمان المستقلين من الترشح، أو لعدم تكافؤ الفرص فى المرة الثانية نتيجة قصر الترشح للمرشحين المستقلين على مرشح واحد على مستوى المحافظة وقد ثارت المطالبة فى السنوات الأخيرة بالأخذ بنظام القائمة، حتى داخل دوائر النظام السابق ولكن الأمن كانت له الكلمة الفصل ورفض نظام القائمة خوفا من ازدياد تمثيل المعارضة، أو بمعنى أدق الإخوان المسلمين فى البرلمان وإذا نظرنا إلى المشكلات التى ستنتج عن تطبيق القائمة بصفة عامة نتيجة طبيعة هذا النظام فسنجد الآتى:

- إن نظام القائمة يضع نسبة كحد أدنى، لابد للحزب من اجتيازها لدخول البرلمان، وتتفاوت هذه النسبة من بلد لآخر، فالبعض يضع نسبة متدنية تصل فى الكيان الصهيونى إلى 1% فقط والبعض يضع نسبة عالية تصل إلى 10% فى تركيا، وكانت النسبة فى مصر أثناء تطبيق هذا النظام 8% وينتج عن هذه النسب مشكلتان، الأولى تتعلق بعدد الأحزاب الممثلة فى البرلمان وتشكيل الحكومة، خاصة فى النظم البرلمانية فتدنى النسبة قد ينتج عنه دخول عدد كبير من الأحزاب، مما يؤدى لحالة من عدم الاستقرار نتيجة المساومات عند تشكيل الحكومات، وعدم إكمال هذه الحكومات مدتها الدستورية -  أما المشكلة الثانية، فتتعلق بكيفية توزيع النسبة التى حصلت عليها الأحزاب التى لم تستطع اجتياز النسبة المطلوبة، لدخول البرلمان فلو افترضنا أن القائمة مطبقة فى مصر وأن النسبة المطلوبة للحزب لدخول البرلمان 5% وحصلت 4 أو5 أحزاب على أقل من 5% فأين تذهب النسب التى حصلت عليها هذه الأحزاب؟.إن النظام المتبع والشائع أن يتم توزيع هذه النسبة على الأحزاب الفائزة بمقدار النسبة التى حصلت عليها فى الانتخابات، فعلى سبيل المثال، لو فاز الحزب(أ) بنسبة 40% فى الانتخابات، فسوف يحصل على نفس النسبة من الأصوات التى حصلت عليها الأحزاب التى لم تدخل البرلمان والمشكلة هنا أن الحزب الفائز سيحصل على أصوات لم يحصل عليها فعليا، بل قد تكون حصلت عليها أحزاب معارضة لأفكاره ومبادئه وقد تكون هذه النسبة كبيرة، خاصة فى البلاد التى ترتفع فيها نسبة الحد الأدنى لدخول البرلمان كتركيا. - مشكلة ترتيب القوائم: فبالرغم من أن الأحزاب الديمقراطية العريقة تلجأ إلى التصويت داخل الحزب على ترتيب الأسماء فى القوائم، إلا أن الواقع قد يكون مختلفا على الأرض، فقد يحصل المرشح رقم واحد فى القائمة على 10 آلاف صوت، بينما يحصل المرشح رقم 8 فى القائمة على 30 ألف صوت، ومع ذلك يفوز المرشح رقم واحد ويسقط المرشح رقم 8 بالرغم من حصوله فى دائرته على نسبة أعلى من نسبة الفائز. - المشكلة الدستورية الخاصة بالمستقلين وكيفية عمل قوائم للمستقلين والتغلب على عقبة ترتيب قوائمهم، فهل يصلح النظام الألمانى المعقد والذى يجمع بين النظامين فى مصر؟ وهل يمكن تطبيق النظام الذى يعطى الحق للناخب بترتيب القائمة فى ورقة التصويت مع انتشار الأمية فى مصر؟إلا أنه بإزاء ما أظهرته انتخابات مجلس الشعب عام 2000 والتى جرت لأول مرة فى ظل الإشراف القضائى الكامل من ضعف أحزابنا السياسية وتدهورها، وغلبة العناصر المستقلة على الترشيح، وحصول هذه العناصر على العدد الأكبر من المقاعد فى مقابل التهافت الشديد لأحزاب المعارضة بالذات التى لم تزد مقاعدها جميعا عن خمسة عشر مقعداً من بين مقاعد المجلس وعددها 444 مقعداً وكذلك إزاء ضعف المشاركة السياسية من قبل الناخبين، واقتصار موضوعات المعركة على الأمور والمصالح المحلية التى تحصل أبناء كل دائرة، بل وربما اقتصارها على الأمور والمصالح العائلية والقبلية والشخصية التى تخص مناصرى كل مرشح على حدة. إزاء ذلك كله فقد عاد الملف لحالة السخونة من جديد وأخذت الدعوة للعودة للأخذ بنظام القوائم الأنتخابية تجتذب أنصاراً من جديد ولتحديد الموقف من هذا الجدل يتعين بداية شرح طرق الأنتخاب المختلفة تمهيدا لبيان ما يناسب مصر منها.

1- الانتخاب المباشر وغير المباشر:

الانتخاب المباشر هو قيام الناخبين بانتخاب نوابهم مباشرة ودون وسيط والانتخاب غير المباشر هو قيام الناخبين أولا باختيار مندوبين عنهم ثم قيام هؤلاء المندوبين المنتخبين فى مرحلة تالية باختيار النواب. ويمكن من خلال هذا النظام توسيع قاعدة المندوبين أو تصييقها من خلال تحديد عدد المندوبين الى عدد الناخبين فيمكن مثلا تحديد مندوب لكل عشرين أو ثلاثين أو خمسين مواطنا أو غير ذلك من النسب، وقد اخذت مصر بهذا النظام كما قدمنا حتى استقر نظامها على الانتخاب المباشر منذ عام 1938 وحتى اليوم.

2- الاقتراح المقيد والاقتراع العار:

الاقتراع المقيد هو ذلك الأقتراع الذى لا يسمح فيه للمواطن بمباشرة حق الانتخاب إلا إذا توافرت شروط معينة تتلخص فى شرطين مجتمعين أو فى أحدهما فقط الشرط الأول. هو شرط الغنى أو الثروة التى تحدد بحجم ما يدفعه من ضرائب أو ما يحوزه من عقارات أو ما يدفعه من إيجارات لمسكنه، وفى تطور لاحق سمح بالتصويت فى بعض البلاد الأوروبية لعملى الصناعة ثم لعمال الزراعة فى مرحلة تالية.

الشرط الثانى هو شرط الكفاءة، وفى اغلب الأحيان كان هذا الشرط يخص ما حصل عليه المواطن من مؤهلات دراسية وقد عرفت مصر هذا النظام لفترة محدودة فى ظل دستور عام 1930، ولكن الدستور كان يأخذ بشرط الغنى مع إعفاء المواطنين الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الأبتدائية على الأقل من هذا الشرط أى أنه كان يشترط توافر احد الشرطين فقط وقد ألغى هذا الدستور عام 1934 وألغى معه هذا النظام. أما الأقتراع العام فهو ذلك الاقتراع الذى يسمح فيه لسائر المواطنين الذين بلغوا سنا معينة - تسمى سن الرشد الانتخابى أو السياسى - بممارسة حق الأنتخاب وقد رأى آخرون تعريف الاقتراع العام تعريفا سلبيا فقط، فاعتبروه "ذلك الأقتراع الذى لا يستبعد فيه أى شخص بسبب ثروته أو دخله أو مولده أو جنسه أو تعليمه" وبرغم هذه التعريفات، فقد ظل حق الاقتراع أو الانتخاب مقصوراً على الذكور فقط ولم يتم التفكير فى منحه للنساء إلا منذ نهايات القرن التاسع عشر وبشكل محدود جداً أخذ فى التنامى اعتبارا من عام 1918، بل ولم يمنح فى بعض البلاد مثل فرنسا وايطاليا إلا عام 1945 وتأخر فى سويسرا حتى عام 1971. وإذا أردنا التوقف عند عقبات تنفيذ هذا النظام الآن فى مصر سنجد أن نظام القائمة يقوم فى الأساس على تعدد الأحزاب وحرية تشكيلها، والواقع الآن أنه لم يشكل أى حزب جديد حتى هذه اللحظة- سوى حزب الوسط الجديد- حزب الحرية والعدالة - ولاتزال الأحزاب التى أعلنت عن نيتها التقدم لتشكيل أحزابها الجديدة تسير فى إجراءات التأسيس، بينما الوقت المتبقى على الانتخابات محدود ولايسمح لها بالعمل والانتشار، فمعنى الأخذ بالقائمة أننا نضع العربة أمام الحصان وأن الانتخابات ستجرى فعليا بالنظام الفردى، - لو أخذنا بالتقسيم الذى حدث فى 1984 و1987 عندما قسمت المحافظة إلى دائرة واحدة أو دائرتين حسب حجم المحافظة ستحدث الكثير من المفارقات عند التصويت، فسوف تقوم كل مدينة بالتصويت لمرشحيها حسب موقعه من قائمة الحزب الذى ينتمى إليه بصرف النظر عن الحزب وبرنامجه فلو افترضنا أن لمدينة ما3 مرشحين فى 3 قوائم حزبية مختلفة أحدهم رقم 1 فى قائمة والثانى فى المركز الثالث أوالرابع فى القائمة الثانية والثالث فى مركز متأخر فى قائمة ثالثة، فسوف تتجه الأصوات بطريقة آلية عند الأغلبية من باب العصبية ومن باب أن يكون هناك أكثر من ممثل للمدينة فى البرلمان نحو إعطاء أصواتهم للمرشح الذى يحتل المركزالثالث أو الرابع ولن تذهب أصواتهم للمرشح الذى يحتل المركزالأول على أساس أن فرص نجاحه محققة أوكبيرة وبالتأكيد لن تذهب لمن يحتل المركز المتأخر على أساس أن فرص نجاحه محدودة أى أن اختيار التصويت لقائمة لن يكون له علاقة بالحزب وبرنامجه، هذه أبرزالمثالب التى ستنتج عن تطبيق نظام القائمة فى الانتخابات القادمة وهو الأمر الذى يستوجب التأنى ونرجو ألا تفاجئنا الحكومة والمجلس العسكرى بإصدار قانون بالقائمة دون التشاور مع القوى والأحزاب السياسية، وفتح باب النقاش المجتمعى حول هذا القانون، خاصة فيما يتعلق ببعض الأمور التى تحتاج إلى نقاش معمق مثل كيفية عمل قوائم للمستقلين ونسبة الحد الأدنى المطلوبة للحزب لدخول البرلمان.



كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق