Ads

ما مصلحة الغرب في نشر الديمقراطية عندنا الآن ؟


دكتور عادل عامر

ليست الديمقراطية أمراً جديداً على المنطقة، بل تعرفت منطقتنا على الديمقراطية منذ ما يزيد عن قرن ونصف، فبدأت الخلافة العثمانية أولى تجاربها الديمقراطية بعد إعلان خط كلخانه عام 1839م والذي يقر بحقوق الإنسان وإعلان الدستور عام 1876م، كما بدأت مصر أولى تجاربها الديمقراطية في عهد إسماعيل باشا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كما عرفت تونس تجربة مماثلة في إعلان الدستور والبرلمان في فترة مقاربة في عهد خير الدين التونسي، ثم قامت تجارب أخرى في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى في مصر والعراق ولبنان والسودان وسورية الخ

 وكانت أبرزها التجربة الديمقراطية في مصر والتي انبثقت بعد ثورة 1919م بقيادة سعد زغلول، والتي انتهت بانقلاب جمال عبد الناصر في عام 1952م، والذي تحول إلي ثورة شعبية من بعد التفاف الشعب إليها وحضنها  ولكن الأمر الملاحظ هو فشل هذه التجارب جميعها، فلماذا فشلت؟ فشلت لأنها لم تراع شخصية المنطقة الحضارية ومنظومتها الثقافية، فهل يكون مصير التجربة الجديدة مشابهاً للتجارب القديمة؟ من الأرجح ذلك طالما أنها تقوم على نسخ تجربة من جسم الحضارة الغربية إلى جسم الحضارة الإسلامية دون مراعاة أية ظروف ثقافية أو حضارية خاصة

يجب أن نعي أن الديمقراطية التي تتطلع إليها الأمة، واستهدفتها من الثورات التي قامت بها، ومن التضحيات التي قدمتها، تعني تحقيق العدل والمساواة لكل أفراد الأمة، وتعني محاسبة المسئولين، وتعني اختيار الحاكم، وأن يكون حكمه برضا الجماهير وموافقتها وانتخابها له، وتعني حرية إبداء الرأي، وتعني تساوي جميع أبناء الأمة أمام القانون، وتعني تداول السلطة.

ويجب ألا تعني الديمقراطية عندنا نسبية الحقيقة -كما هي في الغرب- لأن لدينا أشياء ثابتة إلى قيام الساعة فيما يتعلق بالعقيدة والعبادة والأسرة، فإن إمضاء نسبية الحقيقة سيؤدي إلى فوضى لا نهاية لها في مختلف شعب الحياة الفكرية والخلقية والاعتقادية والسلوكية.

ويجب أن لا تعني الديمقراطية عندنا حرية الفرد المطلقة في كل المجالات –كما هي في الغرب- لأن ذلك سيؤدي إلى دمار وخراب، ومن الأمثلة على الآثار السيئة لحرية الفرد المطلقة: الأزمة الاقتصادية التي وقعت في أميركا وانعكست على كل أنحاء العالم عام 2008، والتي كانت بسبب حرية الفرد الاقتصادية التي لا تخضع لأية رقابة، مما اضطرهم إلى تعديل هذا الوضع ووضع الضوابط والرقابة المناسبة على حرية الفرد الاقتصادية.

 أن التاريخ يكشف أمامنا صورة أخرى تقابل الصورة "الحسنة" التي بتداولها بعض الناس عن الدور الأمريكي فوق الكوكب. ويذكر الصحفي الأمريكي (كندي الأصل) بيتر سكادين في كتابه (الكتاب الأسود للولايات المتحدة الأمريكية)، أن أمريكا كانت تدعم الأنظمة التي نكلت بخصومها أسوأ تنكيل، وكانت ترتكب المجازر الوحشية في حق مواطنيها. فأمريكا - كما يراها بيتر سكادين - كانت تحارب قوى التقدم المتمثلة في الطلاب والنقابيين والصحفيين والمثقفين اليساريين، بل وتحارب حتى الكنيسة ورجال الدين التحريريين. لقد داست الولايات المتحدة - في نظره - على مبادئ الحرية والديمقراطية، خارج الولايات المتحدة، في الهندوراس ونيكاراغوا وغواتيمال والتشيلي وسواها في أمريكا الجنوبية فضلاً عن النشاطات المشبوهة لـ CIA في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وقد أثبتت الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخراً مدى تورط الولايات المتحدة الأمريكية وجهاز استخباراتها في الانقلابات والاضطرابات التي سادت أمريكا اللاتينية طوال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وأن جهازها كان لا يتورع عن التعامل مع تجار المخدرات والمافيا الإجرامية من أجل زعزعة الأنظمة التي لا تعجب الولايات المتحدة.

وقد اعتبرت الإدارة الأمريكية، في العام 1937م، أن الفاشية شبه متوافقة مع المصالح الاقتصادية الأمريكية، بما يعني توافقها مع المفهوم الأمريكي للديمقراطية. وفي العام 1922م امتدح السفير الأمريكي في إيطاليا تقدم موسوليني نحو روما، وهو الذي قضى قضاء مبرماً على الديمقراطية في إيطاليا، وقد وصف السفير الأمريكي ذلك بـ "الثورة الجميلة والشابة"، وشرح لإدارته لماذا سيكون الفاشيون العامل الأقوى في الضغط على البلاشفة ومواجهتهم. ومن ثم تمتعت إيطاليا الفاشية بوضع خاص لدى الإدارة الأمريكية في حينه، وكانت أحد الأنظمة الأولى بالرعاية، ولا سيما فيما يخص تسوية ديون الحرب، ومن ثم الاستثمارات الأمريكية المتدفقة. وفي العام 1933م تحدث روزفلت عن موسوليني ووصفه بـ "هذا الجنتلمان الإيطالي .. اللطيف".

الصراع الديني والحضاري والثقافي هو من سنن الحياة. هكذا كان الأمر عبر التاريخ وهكذا سيبقى، ولكن المميز في هذه الحقبة أن المسلمون دون غيرهم من أطراف النزاع اعتبروا انه صراع ديني، ,بينما نجد أن الغرب ذاته هو من دافع عن المسلمين ضد الصرب.انه صراع بين من يريد أن يكتشف النجوم وبين من يريد أن يكتفي بعدّهاّ. مع مد للجسور من احد الجانبين يمكن أن يقلل الهوة ويحل المشاكل وأكيد الكل يتحمل مسؤولية هذا التوتر فمشكلتنا أننا لا نتقبل آراء الآخرين ومفروض علينا أن نقبل بأفكار قياداتنا فمتى سيأتي اليوم الذي نعترف به بحرية الرأي والتعبير الذي يحرك الحكومات الديمقراطية هو مصالح وضغوط الأغلبية عندها. ومصلحة الغرب الآن هي نشر الديمقراطية عندنا، فعلينا أن نستغل الفرصة وأن لا نصغي إلي الأنظمة المتهرئة. أسئلة تشغلني: من أنقذ المسلمين في البوسنة وكوسوفو وأفغانستان، والآن في دارفور؟ إذا فعل أناس يدعون المسيحية في مدننا ما فعل (إخواننا) في نيويورك ومدريد وغيرها فما سيكون رد فعلنا؟ لماذا يضع الغرب وزنا لشعوبنا وهي لساسا عديمة الوزن سياسيا؟ حيث الحاكم أثقل سياسيا من ملايين المساكين.

إن المستقبل في دول الربيع العربي سيؤدي إلى تحدٍ جديد للباحثين والمنظرين السياسيين، ويكمن ذلك التحدي في نظرية سياسية استند إليها أساتذة العلاقات الدولية لشرح علاقة الدول يبعضها وحل الأزمات بينها وهي نظرية السلام الديمقراطي.

 نظرية السلام الديمقراطي تشير إلى إن الدول الديمقراطية من الصعب جداً إن تتصادم وتدخل في حرب بينها، كما يشير إلى ذلك الفيلسوف “عمئيل كانت”. التعليلات التي يسوقها أصحاب هذه النظرية تكمن في عدة محاور منها إن الدول الديمقراطية لا تقبل فيها الشعوب، وهي المقرر النهائي في شؤونها ومصدر الشرعية، لن تقبل بأن تخرج بلادها في حرب ضد دولة ديمقراطية أخرى.

 ويضيف أصحاب هذه النظرية إن الدول الديمقراطية تتجه وبشكل طبيعي لحل المشاكل ضمن مفاوضات ومناقشات بينها وتصل لاتفاقيات بينها لأن الطرفان معنيان بالحفاظ على السلم وعلى اقل الخسائر والمتاعب وهذا ما يتوقعه كل طرف من الأخر. كما إن كل شعب في هذه الدول الديمقراطية ينظر إلى الشعوب الأخرى في الدول الديمقراطية الأخرى على أنهم أناس يشاركونهم نفس القيم وإذا حل خلاف بين دولتيهم فيكون ليس أكثر من سوء تفاهم يجب حله بأساليب دبلوماسية. ويشير أيضا مروجو هذه النظرية بأن السياسيين وصناع القرار في الدول الديمقراطية وخوفاً على مناصبهم وفقدان الثقة الشعبية التي تهمهم كسياسيين كي يستمروا في القيادة لن يتجهوا لحرب تضعفهم شعبياً، إضافة إلى إن المبنى السياسي للدول الديمقراطية يقلل احتمال نشوب حرب كهذه فهناك المؤسسات المختلفة التي تلجم أي سياسي بإعلان الحرب.

بناء على ما تقدم فإن المناقشة التي ينبغي أن تتبلور وتشجع في بلداننا حول الديمقراطية والليبرالية يليق أن تتجنب الخلط بين الاثنين خلطا تعسفيا. ومن جهة أخرى فإنه ينبغي الإجابة على هذا السؤال: هل يمكن أن نبني الديمقراطية دون الليبرالية؟ أم أنه يجب أن تخضع الأخيرة لمعايير الأولى حتى نضمن عدم التفريط في محاسن الليبرالية وفي مقدمتها الحريات شرط أن لا تشتط وتتحول إلى إلغاء للجماعية في شكلها المتفتح وأن لا يلغي أيضا الأقلية أو الفردية؟ وهنا تطرح قضايا في صميم الديمقراطية كمشروع لتحرير الليبرالية نفسها من عيوبها مثل تسلط الطبقات الغنية على الثروة والسلطة، وتحويل قيمها إلى معايير مطلقة تفرض على المحكومين طبقيا وسياسيا وثقافيا وأخلاقيا.

وأخيرا نقول

الحق يستعصى على الهوى، فمن ملكه الحق ملك القدرة على أهوائه ورغباته، والباطل ينقاد للهوى، فمن ملكه الباطل غذا أذل الناس لأهوائه ورغباته، وبالإيمان يتميز الحق من الباطل، وبتوفيق الله تعرف رغبات الخير من رغبات السوء، وما لبَّس الشيطان على كثير من المتديِّنين رغبات السوء، على أنها رغبات الخير، إلا لأنهم حرموا نعمة التوفيق، فأسأل الله ألا يحرمك منها.

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق