Ads

هدايا السقوف


د.راوية الشاعر

تحاول المراوح إسكات الغضب، فالحرارة تحرق وجه الصفوف وأقلام السؤال ودفاتر التاريخ الموجع بالهراء ، تمتدُ الى سكينة الدود المطمئن في شروخ الجدران ، دخل الأستاذ صالح الى الصف يمسح جبينه المقفل بأصوات الموتى بــ يدٍ تحمل من الأصابع ثلاث فقد جردهُ النداء متعة اللمس بــ كفٍ كاملة ، حين رفعَ علم بلدهِ في رهان خاسر ، بدأ محاضرته كالعادة بحكمة تعلمها من كتبه المرصوصة في قبو منزله الملون بعذاباته أيام كان لساناً معتقلاً في أفواه تدعي العز والكرامة ، نظر لهم دون ان يراهم وقال ( أحبتي : الكثير منا يعرفون غاية البحث عن شمعة تضيء ظلمة عصرهم المرمى في سلة الكراهية ولا يقفون عند الشكل دون معنى يغير درب الإنسانية نحو الأجمل ) ، صرخَ أحد طلابه وهو في آخر الصف .. يا أستاذ كيف أوقد قنديل الحلم في وطن تحاصرهُ عتمة الحقد من كل صوب ؟؟
ثم صرخَ طالب آخر : كيف يكون الرغيف ساخنا في تنور لا يحرق سوى الثلج ؟ ، وطالب آخر أدلى بدلوه : يا أستاذ ، الإنسانية مفهوم سريالي لا أكاد أفهمه سوى في قصص يموت فيها البطل لأجل هدف يتخيله سامياً .
حتى همسَ أحد الطلاب في سرهِ (( الأحلام رغبة في التخدير ، ونحن لا نجبرُ الوسادة سوى على اليقظة ، نجلدُ الليل بهسهسة الحزن على نوافذ النعاس ، نطيلُ عنق النجم حتى لا يخرج كلام الصباح سوى متعباً من رحلة أوتار تجيدُ الصمت والخضوع )). أما المشاغب ميثاق فقال ( ألا تُقفلُ ثلاجة السماء؟؟ وهي تحلم بإدخالنا لمجموعة غينيس للحمقى فنحن نبرعُ في صناعة الأصنام وذبح الملائكة ، نأكلُ المفاتيح ليبقى القفل شريداً هارباً ، نرتدي الفساتين حين يكونُ البنطال ضيقاً بكومة أعضاءنا ، نَزفُ الشوارع بالفراغ و نكنسُ نعوش العطش في عباءة الأرامل ونلم عوز الأيتام بمجرفة الخذلان ) . تلعثمَ الأستاذ من كلام طلابه وشهقَ بطريقة غريق ظن الموج خذلهُ ، ثم قالَ : (( لكل حلم طريقته في التحدث داخل مخاوفنا ، يبقى علينا الغوص في معنى ذلك الهاجس وتقويضه وإعادته بشكل يضمن سيره ولو بنصف شمعة ، القناديل تمنحُ الضوء للقاع .. دعوا مرجان أنفسكم يُضيء حتى تبقى الإنسانية شعلة الخنادق في ذواتنا العالقة في حرب الهواجس )) .
أدارَ ظهره المنحوت كـ مسلة لقوانين السياط ، ماسكاً طبشوره المبلل في خطوط يديه التي هجرتها نعومة طفليهِ وراحَ يرسمُ على السبورة شكل الوطن بهيئة حدائق خضراء تحتها يقيمُ الاحتلال النفطي سجونه التي تقرعَ فيها الأجساد بالاغتصاب وعنف السياط وقتل الجذور ، هزأَ سقف الصف من عناد صالح ، وسقطَ على تلامذته وهم يحلمون بلوحة أرقام تُعيرُهم مقود النجاة ، وقعتْ الجدران بدبابيس سيارة يُفخخها قردٌ يدعي هوية الأيمان بإنسانيته وهو يمسكُ مسبحة الحزامِ هاجساً .

0 تعليقات:

إرسال تعليق