بقلم / سهام عزالدين جبريل
*تمثل علاقة مصر مع إثيوبيا مزيج من الروابط التاريخية القديمة والمصالح المشتركة وتعتبر الرابطة الدينية والنيلية من أهم روابط مصر بإثيوبيا ، وفى نفس الوقت كانت هناك عوامل من عدم الثقة المتبادلة والادعاءات المشتركة بالمطامع التى تتعارض مع مصالحهما وتشكل خطرا على أمنهما الوطنى ، وفى ظل العلاقات المتوترة التى تسود منطقة القرن الأفريقى ، فقد تميز موقف مصر بدرجة كبيرة من التأثر سواء فيما يتعلق بالعلاقات المباشرة بين مصر وإثيوبيا أو بعلاقات مصر بالصومال وهى علاقات قديمة كثيرا ما أثرت على العلاقات مع إثيوبيا أو علاقات مصر بالسودان حيث إن ارتباط الدولتين مصيرى وتعتبر العلاقات بينهما ذات أبعاد حضارية وثقافية مشتركة بالإضافة إلى كونها مصدر - تهديد مباشر لموارد مصر من مياه النيل وهذا ما يجعل من الضرورى قيام علاقات حسنة دائما مع السودان وفى أحيان كثيرة يتعارض ذلك مع علاقة مصر بإثيوبيا، أما العلاقة بين إثيوبيا ومصر فهى قديمة ربما بدأت منذ دخول الديانة المسيحية عن طريق مصر والتحام الكنيسة الإثيوبية بالكنيسة القبطية فى الإسكندرية ، كما أن مصر تستمد حوالى 85% من مياهها من منابع النيل فى إثيوبيا ولذلك فقد كان من المهم دائما بالنسبة لمصر وإثيوبيا أن تكون العلاقات بينهما جيدة وإن كانت الصراعات السياسية والتنافس الدولى قد أثرا فى مراحل كثيرة على تلك العلاقة ومحاولات القوى الكبرى وحافائها بالمنطقة الى جانب بعض القوى الاقليمية خلق فجوة فى هذه العلاقات التاريخية من منطلق تأمين مصالح هذه القوى .
*وتتمثل وابط وعلاقات تاريخية نتذ الاف السنين :-
* العلاقات الدينيـة
تعود العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادى تاريخ دخول المسيحية إلى إثيوبيا عندما تمكن أحد المصريين ويدعى " فرومينتوس " من نشر الدين المسيحى بين رجال البلاط الأكسومى وعند عودته إلى مصر طلب من البطريرك القبطى أن يرسمه مطرانا على إثيوبيا وأصبح بهذا أول مطران للكنيسة الإثيوبية عينته الكنيسة المصرية وبذلك نشأ تقليد بأن يقوم بطريرك الإسكندرية بترسيم مطران الكنيسة الإثيوبية من بين الرهبان المصريين ويأخذ المطران الجنسية الإثيوبية بمجرد وصوله إلى مقره وظل هذا التقليد الكنسى معمولا به حتى عام 1950 أى طوال ما يزيد على ستة عشر قرنا وعلى الرغم من ذلك ظلت العلاقات الدينية مستمرة مع مصر وإن كانت تمر بمراحل قوة وضعف وفقا للظروف السياسية التى كانت تجتازها إثيوبيا .
وقد تدهورت العلاقات بين الدولتين إبان فترة الاحتلال الإيطالى ثم انتعشت مع عودة الإمبراطور هيلاسيلاسى إلى العرش عام 1941 وطلب عودة المطران المصرى إلى إثيوبيا ثم تجمدت العلاقات على أثر اعتراف إثيوبيا بإسرائيل وما تبع ذلك من إعلان الإمبراطور من فصل وقطع العلاقات التاريخية التى تربط بين الكنيستين، ومع ذلك فثمة علاقة بين الكنيستين ظلت قائمة ومنها الاتحاد فى المذهب الأرثوذكسى وإبقاء طلبة إثيوبيون للدراسة بكلية اللاهوت بمصر كما افتتح قسم للدراسات الإثيوبية بمعهد الدراسات القبطية وبحلول عام 1959 وقعت اتفاقية بين الجانبين المصرى والأثيوبى تم بمقتضاها جعل رئيس الأساقفة الإثيوبى بمرتبة بطريرك على الكنيسة الإثيوبية وتكون له المرتبة الثانية فى الكرازة المرقسية . فى محاولة لإحترام الإرادة الإثيوبية فى أن يتولى إثيوبيين مراتب دينية فى بلادهم ، ومع ذلك فقد تحرك الإمبراطور هيلاسيلاسى فيما بعد نحو إعلان استقلال الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة المصرية ، ليكون ذلك بمثابة أحد التحديات لتلك العلاقة الدينية، التى ظلت وطيدة لمئات السنين .
*وفى إطار العلاقات الدينية بين مصر وإثيوبيا يبرزالدور الاسرائيلى فى خلق فجوة خطيرة والتى اظهرت معلمها فى مسألة دير السلطان الذى يطل على كنيسة القيامة بالقدس والذى تم تسليمه من جانب صلاح الدين الأيوبى إلى أقباط مصر تقديرا منه لدورهم الوطنى فى الحروب الصليبية وقد استمر هذا الدير فى حوزتهم فترة طويلة (1187-1961) حتى استغلته إسرائيل فى تدعيم علاقاتها بإثيوبيا من منطلق التقرب لهم (العقيدة السليمانية الراسخة لدى الكنيسة الاثيوبية ) والتقائهم فى فكرة هيكل سليمان ، من ناحية ، وفى إساءة العلاقات بين مصر وإثيوبيا من ناحية أخرى حيث تم الاستيلاء عليه من جانب السلطات العسكرية الإسرائيلية وقامت بتسليمه إلى الرهبان الإثيوبيين فى القدس ، وعلى الرغم من قبول الإثيوبيين تسلم الدير الذى يعتبر حقا تاريخيا ثابتا لأقباط مصر فى القدس وما يترتب على ذلك من خلق حالة من عدم الثقة بين مصر وإثيوبيا فقد ظلت العلاقات الدينية أحد الروابط الروحية التى تربط بين الدولتين .
*الرابطة النيلية
وقد كانت الدلائل وحتى وقت قريب تشير إلى أنه لا توجد فى الوقت الحاضر أو فى المستقبل القريب احتمالات لتصادم المصالح بين مصر ودول أعالى حوض نهر النيل وخاصة إثيوبيا نظرا لأنها ليست فى حاجة ماسة إلى المياه وذلك لتوافر مصادر المياه من ناحية ، ولاعتمادها من حيث النشاط الاقتصادى على الرعى بجانب الزراعة مع ضعف الموارد الاقتصادية للاستغلال الأكبر للمياه ، د الالقية التى بدء بتنفيذ الخطوات العملية لهذا المشروع ، حيث انه كانت هناك بعض الموضوعات التى كانت بين الحين والاخر تحاول إثيوبيا إثارته باعتبارها الدولة التى تتمتع بموقع متميز على النيل من المشاكل وخاصة فى ظل النظام الماركسى السابق ، حيث أخذت تثير الاضطرابات بالإعلان عن خططها بإقامة سدود على النيل فى أراضيها بحجة حرية تصرفها فى مواردها الطبيعية ، وربما كان ذلك بدافع سياسى وبتحريض خارجى كمحاولة للضغط على مصر ، أو فى ظل مطامع دول الحوض للحصول على حصة من المياه لبيعها ، وتطلعهم للاستفادة من المياه المتوفرة لديهم كثروة قومية مثل البترول ، لا سيما وأن دول أخرى من خارج الحوض تعرض شرائها ( إسرائيل ، ليبيا ) وذلك على الرغم من وجود نظام قانونى محكم فيما يختص بتدفق مياه النيل ابتداء بالاتفاقية المعقودة بين المملكة المتحدة وإيطاليا فى روما سنة 1891 والتى تعهدت فيها إيطاليا بعدم بناء أى إنشاءات على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر فى سريان مياهه إلى النيل ،ثم المعاهدة المبرمة بين المملكة المتحدة وإثيوبيا لسنة 1902 والتى تلزم إثيوبيا بعدم إقامة أى إنشاءات على النيل الأزرق أو بحيرة تانا بما يمكن أن يعوق سريان المياه إلى نهر النيل ، إلا بالاتفاق مع الحكومة البريطانية والسودان إلى غير ذلك من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التى تضمن تدفق مياه النيل إلى الأراضى المصرية ، وتعتبر من العوامل التى تقيد من حرية تصرف إثيوبيا ، ومع ذلك كانت الؤية المصرية دائما تتجه نحو ضرورة الابقاء على علاقات حسنة مع إثيوبيا .
وذلك بالرغم من الانتقادات الإثيوبية لمصر بسوء التصرف فى مياه النيل وبأطماعها فى مياه كل من بحيرة تانا والنيل الأزرق ، وأنها تستغلهما كذريعة لتهديد سلام وأمن إثيوبيا على طول التاريخ والتلويح باستخدام القوة ضدها ، وإدعاءات اثيوبيه مفادها أن مصر لم تتخل عن حملتها الرامية لإضعاف إثيوبيا وأنه حتى عندما جعلت مصالح مصر السياسية فى منظمة الوحدة الأفريقية وأنه كان من الصعب عليها إظهار عدائها المباشر ضد إثيوبيا فإن مصر عملت على مواصلة حملتها المناهضة لإثيوبيا عن طريق الوكالة مستخدمة فى المقام الأول أنظمة عربية أخرى وأن استخدام إثيوبيا لمواردها المائية أمر ضرورى ليس فحسب من أجل تنميتها الاقتصادية وإنما أيضا من أجل الحفاظ على سلامها وأنه ليس من مصلحة المصريين والسودانيين إثارة حفيظة جيرانهم الإثيوبيين المحبين للسلام وأنه ليس هناك ما يمنع من التطوير الشامل للنيل كنهر دولى ، إلا أن ذلك لا يمنع من محاولة السعى الدؤوب من أجل ولو الإبقاء على الحدود الدنيا من العلاقات الجيدة والطيبة مع تلك الدولة .
وتجدر الإشارة إلى أن مصر كانت قد اقترحت فى منتصف الأربعينيات إنشاء دولة حوض النيل الكبرى التى تضم مصر والسودان وإثيوبيا (4) ولكن الأخيرة ادعت أن الاقتراح ما هو إلا محاولة من مصر لإنشاء دولة مسلمة ولتأكيد ميولها التوسعية فى المنطقة . وقد رفض هيلاسيلاسى هذا الاقتراح تماما ، ولعل فى هذا ما يعكس مدى عدم الثقة المتأصل من قبل إثيوبيا تجاه مصر الذى بقيت انعكاساته قائمة ، ومن ذلك أنه بعد قيام ثورة 1952 فى مصر فإن واضعى السياسة الخارجية المصرية استهدفوا إقامة علاقات دولية جيدة ، وخاصة مع دول حوض النيل ، ولذلك فقد اقترح الرئيس " جمال عبد الناصر " إقامة تجمع أو تكتل أو حتى حلف عسكرى يجمع بين مصر والسودان وإثيوبيا ولكن هذا الاقتراح لم يجد قبولا وخاصة من إثيوبيا وعندما أعلنت مصر عن نيتها فى إنشاء السد العالى عام 1955، ففى الوقت الذى بادر الاتحاد السوفيتى للإعلان عن استعداده لتحمل نفقات إنشاءه واقترحت الولايات المتحدة تقديم مبلغ 56 مليون دولار من خلال البنك الدولى لذلك المشروع فقد آثار ذلك حفيظة هيلاسيلاسى الذى أعلن انتقاده الصريح للولايات المتحدة لإعطائها مصر المعادية للغرب مثل هذه المعونة ، فى حين أن إثيوبيا الموالية للغرب تفتقر لرأس المال اللازم للتنمية ، كما أعلن أن مصر تخرق كل المواثيق الدولية المنظمة لمياه الأنهار الدولية لعدم استشارتها إثيوبيا فى إنشاء السد .
كما انه من أهم الأسباب التى أدت إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا ومصر تأميم مصر لقناة السويس فى عام 1956، على الرغم من الاستفادة الكبيرة لإثيوبيا من القناة فقد شاركت مع الدول الغربية فى مؤتمر لندن فى أغسطس 1956 وتكونت لجنة من 18 دولة ، وانبثقت عنها بعثه كان أحد أعضائها إثيوبيا لمقابلة جمال عبد الناصر لإقناعه بتعويضات عن عملية تأميم شركة قناة السويس، وتكوين هيئة دولية للإشراف على القناة ، وكان رد فعل مصر إعلانها حظر استخدام مجالها الجوى أمام الطائرات الإثيوبية ، وبعد عدوان 1956 على مصر بدأت إثيوبيا فى اتخاذ سياسة عدائية تجاه مصر والسودان ، وسمحت بإقامة قنصلية لإسرائيل فى عام 1956، كما أعلنت فى سبتمبر 1957 فى مذكرة موجهة لكل من مصر والسودان عن رفضها التام لاتفاقية 1902، وأعلنت أنها المالك الأصلى لمياه النيل ، وأنها تستطيع أن تتصرف فيه كيفما شاءت ، وأن تقيم أى مشروعات فى صالحها ، وزاد من حدة التوتر بين الدولتين تأييد مصر لمحاولة الانقلاب فى إثيوبيا فى عام 1960 .
*وشهدت العلاقات بين الدولتين قد تحسنت عام 1963، وذلك فى أعقاب التأسيس لمنظمة الوحدة الأفريقية باعتبارها منظمة أفريقية قارية ترعى التعاون والعمل المشترك من أجل تحقيق أهداف ومصالح دول القارة ، وكانت مصر من أولى الدول التى رحبت وشاركت مشاركة فعالة فى ذلك ، كما أنها رحبت بأن تكون أديس أبابا دولة المقر لتلك المنظمة ، وأعلنت مصر التزامها بقراراتها بالنسبة للحدود القائمة فى القارة ، فإن هذه العلاقات ساءت حين أعلنت مصر عن مساعدتها للصومال فى حرب الأوجادين مع إثيوبيا عام1977، وكان رد إثيوبيا على ذلك أن هددت بإقامة مشروعات تعوق وصول مياه النيل إلى مصر ، وكان رد الفعل المصرى ممثلاً فى أن هدد الرئيس " أنور السادات " بإعلان الحرب على إثيوبيا إذا حدث ذلك .
*وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا رفضت الاشتراك فى إنشاء هيئة دول حوض النيل والتى تم اقتراح إنشائها فى ديسمبر 1977 واستمر التفاوض على إنشائها فى أعوام 1979، 1982، 1984 وترى إثيوبيا أنه إذا رغبت مصر والسودان إجراء أى محادثات بخصوص مياه النيل فإن عليهما التعامل مع إثيوبيا فقط وليس مع باقى دول حوض النيل ، وهكذا كان نهر النيل ومياهه حجة تعكس عوامل سياسية قوية أخرى هى التى تحدد سياسة دول حوض النيل والدول الخارجية ، كما أن التهديد باستخدام مياه النيل كسلاح بين الدولتين كان انعكاسا أيضا لعوامل سياسية متشابكة فى الوقت الذى لا يترتب على هذا التهديدات الإثيوبية - والتى تثير المخاوف لدى مصر - أى مخاوف حقيقية حتى مع فرض إمكان تنفيذها وفق لتقديرات بعض المتخصصين وبالدرجة التى تؤدى إلى هذا التوتر فى العلاقات بين الدولتين ولعل مما يخفف من حدة هذه التوترات والتهديدات هو أن العلاقات بين مصر وإثيوبيا قد أخذت اتجاها جديدا منذ بداية الثمانينيات بغض النظر عن التوجهات السياسية وذلك بهدف إقامة تعاون على أساس قوى يؤدى إلى إقامة المشروعات ذات العائدات المشتركة للدولتين فيما يتعلق بمياه نهر النيل ، غير أن الواضح أنه يجب على مصر إعادة صياغة العلاقات المصرية الاثيوبية خاصة والافريقية عامة بما يضمن حقوق مصر المائية من منطلق المصالح المشتركة والشراكة التاريخية للدولتين ولباقى دول حوض النيل أيضا .
تحياتى _إعلامية / سهام عزالدين حبريل
0 تعليقات:
إرسال تعليق