Ads

الأجر في الدستور


دكتور عادل عامر

أثارت المادة الرابعة عشر من باب مقومات الدولة بمسودة الدستور جدلاً واسعاً بين المؤيدين والمعارضين، خاصة فيما يتعلق بحقوق العمال ورفع المعاناة المعيشية وزيادة رواتبهم. وقد نصت المادة على ضرورة ربط الأجر بالإنتاج، وهو ما اعتبره البعض انتهاكاً لحقوق العمال وربط مصائرهم بهوى صاحب العمل. وفيما يخص العاملين بالقطاع الاستثماري للدولة وفى مصانعها فإن النص الدستوري لم يلزم الدولة بتوفير الأدوات الحديثة وكل متطلبات زيادة وجودة الإنتاج، وهو ما يعنى عدم تحقيق العائد المرجو الذي يسمح بزيادة أجر العامل، خاصة في ظل تدنى أدوات الإنتاج من مدخلات وماكينات بمصانع الدولة.
كان يجب  ربط أجر العامل بالإنتاج دون أن يصاحب ذلك التأكيد على حق العامل فى الأدوات والإمكانيات التى تساهم فى زيادة إنتاجيته خاصة فى المصانع الحكومية.
 إن الإنتاج فى الكثير من الأحيان يرتبط بالمناخ الاستثماري وحجم الطلب
 أن أى مصنع أو شركة قد تواجه معوقات خارجة عن إرادتها ينجم عنها تراجع أو تباطؤ الإنتاج وما يترتب على ذلك من انخفاض أجر العامل أو توقفه نهائيا.
أن الجميع مع فكرة ربط الأجر بالإنتاج حال تذليل جميع العقبات التى تواجه الأعمال
أن المصانع تمتلك آلات على درجة عالية من الكفاءة إلى جانب عمال مهرة ينتظرون بيئة مواتية للإنتاج والعمل.
أن الجدل المثار «حاليا» حول المادة 14 من الدستور التى تنص على ربط الأجر بالإنتاج هى بالفعل مطبقة فى المصانع حيث يحق للعامل الحصول على نسبة من الأرباح تقدر بـ 10% بحد أقصى 12 شهراً وفى حال تطبيق الحد الأدنى للأجور سيكون ذلك ملزما للدولة بدعم الصناعات التي لا تحقق هذا الحد مثل الغزل والنسيج والجلود نظراً للمنافسة الشديدة فى هذه القطاعات. أن تلك المادة ستشكل عبئاً كبيراً على الدولة وسوف تضطر لدعم الصناعات الحيوية أما التى لا تشكل أهمية للدولة فلن تدعمها وبالتالي ستختفي وتسرح عمالتها.
 أن المادة 14 من الدستور فى الجزء الخاص بربط الأجر الإنتاج بأنها مادة مستقاة من كتب الإدارة أو المحاسبة ورددت كثيراً من حكومات سابقة هى مادة فضفاضة للغاية خادعة أو مظهرها براق ولكن مضمونها كارثى على العمال، وإذا طبقت بحذافيرها سيضار العمال كثيرا وستنخفض أجورهم خاصة أن مقومات منظومة العمل لا تشجع العمال على الإنتاج، فالماكينات المتهالكة والقديمة يجب إحلالها والإدارة فى مصانع القطاع العام مازالت تختار القيادات على أساس الأقرب وليس الأكفأ، لا يوجد تأهيل أو تدريب كاف للعمال لذلك لا يجب تحميلهم مسئولية تراجع الإنتاجية، والدليل أن العامل المصري يثبت كفاءته بالقطاع الخاص أو فى خارج مصر أما نحن فنعانى من غياب المنظومة المتكاملة للعمل. كان على المشروع ألا يضع الجزء الخاص بربط الأجر بالإنتاج أو كان يجب أن يضاف للمادة جملة أن الأفضل أن تنص المادة على ربط الدخل بالإنتاج لضمان عدم المساس بالأجر الثابت للعامل حال تكبد الشركة التى يعمل بها أى خسائر أما عند تطبيق هذه المادة بنصها الحالى فسوف تؤدى إلى خفض رواتب العمال بنسب ضخمة، وهو ما يصعب فى ظل الظروف الاقتصادية التي تعانيها البلاد، حيث إن عمال شركات القطاع العام اعتادوا الحصول على نسبتهم من أرباح الشركة رغم أنهم يعلمون أنها لا تحقق أرباحاً.
 إن المادة الدستورية الجديدة الخاصة بربط الأجر بالإنتاج عامة سوف ينبثق منها قانون ينظم ويفصل ربط الأجر بالإنتاج. أكد الدستور بالنص أن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام
ويترتب على المفهوم الاقتصادي والاجتماعي والانساني للعمل في الاسلام الذي استمد منه الدستور النص على أن العمل واجب على كل مواطن أنه لا يجوز القعود عن العمل أو التلكؤ فيه للقادرين عليه، وبذلك يصبح من يشترط العمل في القطاع الحكومي أو في الشركات الكبرى أو يرفض العمل بدوامين مخالفا لتعاليم الاسلام وللدستور ويصبح من حق الدولة أن تضع الشروط اللازمة لقيام المواطن بأداء واجب العمل، ومثالها اسقاط حقه من الترشيح للوظائف المتوافرة اذا تخلف عن قبولها ثلاث مرات او اسقاط الحق في التأمين ضد البطالة - بعد تقريره - اذا رفض العمل اكثر من مرة في الوظائف التي يرشح لها.
 إن الآراء والاتجاهات التي تطالب الحكومة بتوفير العمل فورا للباحثين عنه والقادرين عليه لها كل التقدير والاحترام فهي تنادي بتنفيذ مبدأ ونص دستوري تكفل بمقتضاه الدولة حق العمل للمواطنين إلا أن هذه الآراء والاتجاهات يجب أن تضع في اعتبارها أنه يستحيل توفير العمل لجميع العاطلين في آن واحد وان تحقيق هذا الهدف النبيل والعظيم يرتبط بالأوضاع والقدرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ومدى استقرارها الداخلي، وقدرتها على جذب الاستثمارات الوطنية والعربية والأجنبية وإمكانات زيادة معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي، وهكذا ينمو ويتطور حق العمل وفق تدابير تمتد زمنا وتتصاعد كلفتها بالنظر إلى مستوياتها وتبعا لنطاقها، ويعني ما تقدم ضرورة تضافر جميع الجهود التي تبذلها الدولة مع جهود منظمات العمال وأصحاب الأعمال ومنظمات المجتمع المدني للعمل على تنمية القدرات الاقتصادية لمملكة البحرين وتحقيق مزيد من التطور الاجتماعي والاستقرار الداخلي، ومن أهم هذه الشروط امتناع التمييز بين العمال في مجال استخدامهم لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل، أو النزول بأجورهم عن حد أدنى يكفيهم لمعاشهم، وضمان راحتهم الأسبوعية، وأن يكون زمن عملهم محددا، وعجزهم عن العمل مؤمنا وعطلاتهم الأسبوعية مأجورة، وضمان المساواة بينهم في الأجر عن الأعمال المتماثلة وهو مبدأ قررته المادة (75) من العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكفلته كذلك المادة (15) من الميثاق المبرم بين بعض الدول الإفريقية في شأن حقوق شعوبها. وقاعدة الأجر المتكافئ للأعمال ذاتها، هي التي تبنتها الاتفاقية رقم (100) التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، والنافذة اعتبارا من (23) مايو 1953، ذلك أنها تنص في مادتيها الثانية والثالثة على أن تتخذ الدول أطراف هذه الاتفاقية التدابير الملائمة التي تكفل لكل رجل وامرأة أجرا متماثلا عن الأعمال التي تتكافأ قيمتها، سواء من خلال تشريعاتها، أو عن طريق آلية تنشئتها أو تقرها في مجال تحديد الأجور، أو على ضوء اتفاق جماعي فيما بين العمال وأصحاب الأعمال، أو بمزج هذه الوسائل جميعا، على أن يكون مفهوما أن تفاوت الأجور فيما بين العمال، لا يناقض مبدأ الأجر المتكافئ عن الأعمال ذاتها، كلما كان ذلك راجعا إلى التقييم الموضوعي للأعمال التي يؤدونها على ضوء متطلباتها، وما يكون لازما لإنجازها، وليس راجعا إلى ذكورتهم أو أنوثتهم. وقد أكدت المادة (36) من دستور جمهورية الهند هذه المعاني فنصت على أن تعمل الدولة بوجه خاص على أن تؤمن خلال توجيهها سياستها، أجرا متكافئا في شأن الأعمال ذاتها أيا كان القائمون بها، ونصت المادة (36) من الدستور الايطالي على أن لكل عامل الحق في أجر يكون متناسبا مع الأعمال التي يزاولها في كمّها ونوعها، وكافيا لأن يوفر للعمال وعائلاتهم وجودا حرا كريما، ونص البند (4) من المادة (38) من الدستور الروماني، على أن للمرأة أجرا مماثلا للرجل عن الأعمال عينها، كما نصت المادة (95) من الدستور التركي على أن تتخذ الدولة التدابير اللازمة التي تكفل بها حصول العمال على أجر يكون منصفا ومناسبا للأعمال التي ينجزونها (حكم المحكمة الدستورية في مصر السابق الاشارة اليه). نص الدستور على أنها لا يجوز فرض عمل اجباري على أحد إلا في الاحوال التي يعينها القانون لضرورة قومية وبمقابل عادل، أو تنفيذا لحكم قضائي. ويعني هذا النص أن الاصل في العمل أن يكون اراديا قائما على الاختيار الحر، فلا يفرض عنوة على أحد، إلا أن يكون ذلك وفق القانون وبمقابل عادل. وهو ما يعني أن عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التي يؤديها العامل، سواء في نوعها أو كمها، فلا عمل بلا أجر، ولا يكون الأجر مقابل العمل إلا بشرطين:
 أولهما: أن يكون متناسبا مع الأعمال التي أداها العامل، مقدرا بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن انجازها، وغير ذلك من العناصر الواقعية التي يتحدد على ضوئها ونطاقها ووزنها.
ثانيهما: أن يكون ضابط التقدير موحدا، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر، ومن هنا فإن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء أخيرا بدراسة وضع حد أدنى للأجر في بعض قطاعات النشاط الاقتصادي يعتبر خطوة أساسية ومهمة لتحقيق مبدأ عدالة الأجر وتوفير الشروط التي يتطلبها حق العمل، بعد أن وصل الحال الى أن يكون الأجر المعروض على العامل الوطني في بعض منشآت القطاع الخاص طاردا لقوة العمل وليس جاذبا لها لأداء الأعمال المطلوبة وضمان الحد الأدنى اللائق من مستوى المعيشة، ويصبح من المأمول بعد فترة الوصول إلى تحديد حد أدنى للأجر في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي. تتطلب الحقوق الدستورية السابق الاشارة اليها والمتمثلة في حق العل وعدالة الأجر والمساواة في الأجر عن الأعمال المتماثلة أداء ما يقابلها من واجبات، من هنا فإنه تقع على عمال البحرين مسئولية اتقان العمل وأدائه بأمانة وإخلاص والابداع فيه وعدم النظر إليه على أنه وسيلة للكسب فقط وانما سبيل لبناء نهضة البحرين وتحقيق تقدمها الاقتصادي والاجتماعي، وعلى عمال البحرين وقد أثبتوا جدارتهم وكفاءتهم في المنشآت الاقتصادية الكبيرة وفي قطاع المصارف وغيره من الأنشطة الاقتصادية أن يثبتوا لأصحاب الأعمال أنهم أهل للاعتماد عليهم والثقة فيهم وأن في امكانهم أداء ما يكلفون به من أعمال بإنتاجية أكبر من انتاجية العامل الوافد وذلك هو التحدي الرئيسي الذي يجب على أجهزة الإعلام العمل على مواجهته في المرحلة المقبلة


--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق