د.صهباء محمد بندق
هل من الممكن أن تتحول التوصيات الإلهية إلى ذرائع شرعية مبررة في أيدي السلطات القمعية ؟ كيف يتحول " برالوالدين " من وصية إلهية جليلة إلى أداة شرعية لإبتزاز الأبناء عاطفيا باسم الدين؟ كيف تتحول " طاعة أولي الأمر " إلى سيف شرعي على رقاب البلاد والعباد ؟ كيف تتحول تلك الوصايا الربانية الجليلة إلى خناجر في خصر العقل المسلم .. ترغمه على التحرك – تحت التهديد – في اتجاه صاحب " الحق الشرعي" أبا كان أو أما أو حاكما .. دون السماح بأدنى حد من الذبذبات الذهنية التي توحي بان هناك عقل حي وظيفته التفكير ... خلقه الله ليميز ويختار ..؟
إن إعمال العقل في المنظومة الإسلامية هو عماد الدين في الأساس .. فهل من المعقول شرعا وعقلا أن ينقاد الأبناء لرغبة الآباء .. أوالرعية لرغبة الحكام دون تمحيص وتدقيق في صحة وسلامة القرار ومدى موافقته للبيان الإلهي والهدي النبوي؟ وهل يحمل ذلك الخضوع أي معنىً حقيقي من معاني البر وخفض الجناح والطاعة؟
هل هذا ما قصده الإسلام بالفعل من تلك التوجيهات .. هل هذا التسلط " الشرعي " من الإسلام في شيئ؟!!
الإسلام الذي يُعد التفكير فريضة شرعية ؛؛ و أطلق للإنسان حرية التفكير بل وحرية اختيار الدين الذي يتصالح مع العقل أيا كان ذلك الدين على أن يتحمل العقل نتيجة اختياره ..
الإسلام الذي لا يعرف الطاعة العمياء لكائنٍ من كان ؛ حتى كبار علماء الدين ليس لهم طاعة في معصية الله ؛؛ والاجتهادات السياسية الخاطئة من باب أولى عدم طاعتهم فيها ؛ بل إن الاسلام يعتبر طاعة رجال الدين فيما لا يرضي الله عبادة لهم
روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير الطبري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، فأسرت أخته وجماع...ة من قومه ، ثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته ، وأعطاها ، فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم عدي إلى المدينة ، وكان رئيساً في قومه طيء وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم ، فتحدث الناس بقدومه فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة ، وهو يقرأ هذه الآية : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } .
- قال ( عدي ) : فقلت : إنهم لم يعبدوهم فقال : بلى ، أنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم !!
إذن ؛ إنها ذات الحيل السلطوية التي يمارسها المستبدون في كل عصر وزمان .. إذ لابد من توفير التغطية الشرعية لكل رذيلة .. ولابد من ذريعة شرعية لتبرير عملية " قيادة القطيع " ليتحرك قطيع الثيران خلف ثور واحد .. إنها ثقافة الإستبداد الذي يبحث في سطور القرآن عن آية أو كلمة يرفعها سوطا على ظهور المقهورين ..المستسلمين للإستبداد تعبداً وتقرباً إلى الله تعالى ..
ولا بأس إن لم يجد مبتغاه في القرآن الكريم أن يفتش في كتب الحديث عله يجد حديثا هنا أو هناك يسلطه سيفا على رقاب من يرغب في التسيّد عليهم وتسخيرهم لإمرته من الأبناء إن كان أباً أو أماً .. أو من الشعب إن كان رئيسا لدولة وحبذا لو زيّن استبداده القميئ بمكياج شرعي ماركة " السمع والطاعة ".!!
0 تعليقات:
إرسال تعليق