Ads

نهاية اللاعب الأعظم

د. هاني حجاج
Hany_haggag@hotmail.com


في صباح يوم 21 يناير تساقطت الثلوج بكثرة لدرجة أن الكاهن خاف من عدم الوصول إلي الكنيسة في الوقت المحدد لذلك, ولقد كان هناك ترتيبات سرية جدا لجنازة فيشر. حتى الكاهن لم يتم إخباره بموقع الجنازة إلا قبلها بساعات قليلة. وكانت صلاة الجنازة في  مصلي صغير بمكان يقع جنوب غرب أيسلندا حيث تم حفر القبر(الضريح) بدون علم الوزير أو تصريح منه بالدفن. لقد كافح جاكوب رولاند طويلا من أجل الوصول إلى هذه المقبرة الصغيرة, حيثما وجد الرجال الخمسة الحاملون لنعش فيشر في انتظاره ليقومون بإنزال النعش في الحفرة المظلمة وردمه وكان حين ذلك يقارن ذلك الرجل العبقري الذي يقوم بدفنه بموزارت أو دافنشي حيث انه تم دفنه مثلهم تماما بإجلال وبحضور أفراد قليلين. وقال الرجل القائم على ردم النعش بالتراب أن فيشر مثلهم تماما قد امتلك براعة وذكاء حيث استطاع أن يفهم ما لم يستطع الآخرون فهمه وتفسيره.
لقد كان شخصا مثيرا للجدل على مر التاريخ. و كان بدون منافس هو أعظم لاعب علي مر التاريخ. واشتهر فيشر جدا بعد هزيمته اللاعب بوريس  سباسكي في عام 1973 ولقد كانت مبارة شطرنج ليس لها نظير. وعرف فيشر أيضا بقسوته ومعاديته للسامية رغم انه كان أمريكيا يهوديا في نفس الوقت.
ويعد فيشر عند كثير من الناس رجلا منعزلا تماما، منطويا على نفسه.. في شمال أيسلندا عاش هائما علي وجهه في شوارعها حتى بلغ الرابعة والستون من عمره. ولقد قضى سنوات عمره الأخيرة في العاصمة ريكيافيك في المنفى, بعد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء جواز سفره ونفيه إلى هناك. وبعد أن كان بطلا أمريكيا أصبح منبوذ عالميا. والأكثر من ذلك وجود بعض الإشاعات التي أثيرت عنه بعد وفاته. ولقد أذيعت الأخبار (السارة) عن وفاته من قبل الأشخاص المنقلبون عليه أثناء حياته.
على الرغم من الأصدقاء القليلون الذي تركهم فيشر فإن الشخص الوحيد الذي وثق فيه فيشر لينتفع بثروته التي بلغت أكثر من 1.5 مليون جنيه إسترليني كان رفيقته اليابانية مايوكو- واتي وهي لاعبة شطرنج موهوبة. وتبعا لقانون ايسلندا فإن تركة الشخص الذي لم ينجب أطفالا تورث تلقائيا إلى زوجته ولكن فيشر لم يتزوج في حياته.
وفيما عدا الكاهن, فإن واتي كانت الشخص الوحيد الذي يذهب إلى ضريح فيشر وبعد الاستماع إلى التذكير القليل الذي قيل في جنازة فيشر تم دفن ذلك الرجل العجوز البالغ من العمر 64 عاما في فجر يوم 21 يناير بعد أداء صلاة الجنازة. وتوجهت واتي بعد ذلك في رفقة الرجل الذي قام بالاعتناء بفيشر إلي نهاية عمره وهو صديقه جاردار سفيرسون والذي كان يعيش مع زوجته وأبناءه في نفس القرية. إن سفيرسون هو الشخص الذي قام بتجهيز ترتيبات جنازة فيشر, وتم بناء كنيسة لوجر- ديلر التي توجد في مدينة سيلفوس على أرض ملك عائلة زوجته. ولذلك السبب فإن سفيرسون شعر انه لا حاجة لأن يخبر الوزير بجنازة فيشر لأخذ تصريح لدفنه هناك. ولقد كان سفيرسون هو الرفيق الوحيد لفيشر والذي قام باستقبال واتي عندما كانت تأتي ذهابا وإيابا كل بضعة أشهر من طوكيو لكي تقوم بالكتابة في مجلة الشطرنج ولكي تكون بجانب فيشر. ويعد سفيرسون هو رفيقه الدائم كما انه واحدا من القليلون الذين يعلمون بزواج فيشر من واتي.
لقد علم أيضا أنه بموت صديقه فإنه سيكون هناك صراعا على ثروته. لقد استقبل سفيرسون بعد ساعات قليلة من وفاة فيشر بسبب الفشل الكلوي اتصالا من البطل الأكبر لدوري الشطرنج وهو روزيل تارج.  روزيل تارج هو الزوج السابق لأخت فيشر جوان والتي لم يسامح فيشر نفسه أبدا على تركها وحيدة. ولم يكن اتصال تارج من أجل المواساة وإنما ليقوم بإخبارهم بأنه قادم إلى مدينة ريكيافيك ليطمئن على نصيب أبناءه الاثنين من الميراث وهما ابني أخت فيشر.
 وعلى عكس المتوقع فإن فيشر بعد وفاته تسبب في الصراع على ثروته ولم يكن تارج هو الشخص الوحيد الذي يبحث عن ثروة فيشر ولكن أيضا رجال سفيرسون بالكنيسة قاموا بذلك. وعلى الرغم من الجدال الذي انتشر حول فيشر في آخر سنواته فإنه كان معلوما جيدا أن فيشر هو من وضع مدينة ريكيافيك على الخريطة. 
لقد حدثت ضجة كبيرة بعد بطولة الشطرنج عام 1972 إذ تم إنتاج 40 فيلما وحلقات تلفزيونية وثائقية و150 كتابا شاملة الكتاب الأكثر مبيعا في ذلك الوقت "بوبي فيشر ذهب إلى الحرب" وأيضا الفيلم الذي حمل نفس الاسم للتحدث عن بطولة الشطرنج في هذا العام. ولذلك فإن البعض أراد أن يتم دفن فيشر في المقابر التاريخية في العاصمة حيثما تكون محلا لجذب السياح إلى هناك ولكن فيشر كان يرفض مثل ذلك في حياته.
المفاجأة الصغيرة بعد ذلك, أن رولاند قد وصف جنازة بطل الشطرنج فيشر بأنها كانت آخر حركة كش مات في الشطرنج. لعب بوبي فيشر حركته الأخيرة جيدا جدا وحصل على ما أراد من السلام والهدوء بوفاته. ولكن الآن يبدو أن جنازة فيشر لم تكن هي حركته الأخيرة حيث إن البعض يقول أن جسم فيشر تم استخراجه من ضريحه.
وبالإضافة إلى الصراع على تركة فيشر من قبل واتي وتارج ظهر طرف ثالث يطالب بحقه في التركة.. إنها كانت والدة جينكي الفتاة الفيليبينية البالغة من العمر سبعة سنوات والتي ادعت أنها ابنة فيشر.
وفي ماك فيلان والتي تعد عالم الشطرنج فإن البعض يصدق والدة جينكي وهي مارلين يونج وهي دراسة عمرها 29 عاما قالت أنها واحدة ممن تركهن فيشر وحيدات. ولكن محامي يونج وهو بطل الشطرنج قال إنها إن كانت واثقة من مطالبتها بحقها في الميراث, و لذلك فإنه سوف يطالب بأجراء اختبار الحمض النووي د.ن.ا بأخذ عينة من ابنتها وجثمان فيشر للتأكد من صحة ذلك الادعاء.
ولكن بعض الناس المخلصون لفيشر كانوا معترضين على ذلك. وفي الاختلاف الشديد بين الصفات التي تم إطلاقها على فيشر انه مختل عقليا وجشع ومتعصب غالبا ومنعزل تماما فإن هذه الصورة المتكونة كانت بعيدة تماما عما يستحق ذلك الرجل.
عندما بدأت صحة فيشر في التدهور في السنوات الأخيرة فإنه تقرب أكثر وأكثر من هؤلاء الأشخاص ممن اعتبرهم أصدقاؤه وهم ثلاثة رجال هم: سفيرسون وبطل الشطرنج الأكبر فريدريك اولافسون وماجنوس سكولاسون وهو أيضا لاعب شطرنج  أيسلندي والأكثر أهمية من ذلك انه طبيب نفساني قضى ساعات كثيرة مع فيشر يتحدث في مواضيع كثيرة شاملة بطولاته الماضية في لعبة الشطرنج. من السهل الآن معرفة سبب إصابة فيشر بالبارانويا, وعلي حد قول سكولاسون. إنه كان رجلا طيب وحساس,  وفي وسط مجموعة من المذكرات التي أعطاها فيشر لسكولاسون وجد مجموعة من صفحات الشعر منسوخة عن قصيدة شعرية بعنوان "ساعدوني لارتاح".
ولكن الطبيب النفسي قام أيضا باستخدام طرق عديدة لسبر أغوار النفسية المعذبة في أعماق فيشر. لقد كان سكولاسون رئيسا لمستشفى ايسلند المجرمين المجانين. وفي عيادة سكولاسون الخاصة قام الدكتور بحك إصبع إبهامه بمقدمة جبهته ليقرر ما يمكن وما لا يمكن أن يخبرنا به عما قام بالتناقش فيه مع فيشر. حيث انه لم يكن مريضا بالنسبة له ولكن صديقا.
لقد قال أنه يجب أن تفهم أني لم اسأله أبدا عن نفسه ولقد بدا سكولاسون بالشرح مترددا " لقد سألني فيشر ذات مرة عن أسباب المرض النفسي وهنا اعتقدت انه وجد شيئا ما يفتقده في نفسه وكان يبحث عن ذلك الشئ مثل الطفل محاولا أن يفهم نفسه ويفهم العالم المحيط به".
البعض يعتقد انه إذا ولد فيشر حاليا فانه سيتم تشخيصه أنه يعاني من حالة نفسية تسمى " أعراض – سبيرجر" وذلك بسبب المصاعب التي واجهها في حياته الاجتماعية والميل إلى الانفجار الفجائي وأيضا قيامه بتكرار بعض المحادثات في ايسلندا بدون فهم لغة ايسلندا. 
لم يكن سكولاسون موافقا على أن يخبرنا بذلك ولكن الضغوط الصعبة التي وجدها على شخصية فيشر أجبرته على ذلك بالإضافة إلى حبه لفيشر.
لقد اخبرنا الطبيب النفسي بأن: فيشر كان يظهر اهتماما بالأحلام في أحاديثه مع الآخرين ولقد اخبرني أن احتفظ بحلم واحد ولكنه لم يرغب أبدا بالحديث عنه فهي تبدو كذكريات ماضية في حياته يحاول استعادتها ولا اعتقد تماما أن فيشر يمكن وصفه بأنه كالطفل ولكنه كان يعاني من الوحدة. فلقد افتقد فيشر وجود والده وكانت أمه دائما خارج المنزل.
لقد ولد روبرت جيمس فيشر في شيكاغو في 9 مارس عام 1943 ولم يعرف فيشر والده أبدا الذي كتب علي اسمه في شهادة ميلاده. لقد كان طبيب نفسي ألماني وعرف باسم هانز جيرهارد فيشر. طلّق والدة فيشر وتدعى ريجينا عندما كان عمر فيشر عامين.
ولكن أوراق الاتحاد الفيدرالي والمستندات به تعتقد أن والد فيشر الحقيقي كان دكتور يدعى باول- نيمني وهو طبيب نفسي ولد في هنغاريا حيثما كانت تعمل ريجينا والدة فيشر عام 1942 والذي قام بالاعتناء ببعض مصاريف المدرسة لفيشر.
وسجّل الاتحاد الفيدرالي أن ريجينا من أصل بولندي يهودي وعلى الرغم من هذه المساعدة من قبل نيمني فإن ريجينا تركت ابنها فيشر وأخته وحيدين ولقد كافحا من اجل المال واستقر في بروكلين عام 1948.
عندما بلغ فيشر السادسة من عمره قامت أخته البالغة من العمر إحدى عشرة عاما بشراء لعبة الشطرنج البلاستيكي ليتعلما معا طريقة اللعب. وعندما بلغ فيشر الثالثة عشرة من عمره أصبح اصغر بطل للشطرنج بالولايات المتحدة الأمريكية وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره أصبح بطل الولايات المتحدة الأمريكية في الشطرنج ولقد فاز بهذا اللقب 8 مرات وعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره أصبح اصغر بطل عالمي للشطرنج.
ويعد فيشر موهبة استثنائية مميزة فهو أكثر عبقرية من آينشتاين ويعتبر هذا حدث مميز في ذلك العمر. لقد تمت الإشادة بموهبته الرائعة. ولكن حتى في ذلك السن كان من الواضح أن قدرته غير العادية تتوافق مع سمات شخصيته ذات المتطلبات المتزايدة والتي لا يمكن التنبؤ بها.
عندما بلغ سن 16 سنة ترك المدرسة, وطلب من أخته و أمه أن يقوما بالانتقال من شقة بروكلين ليستطيع الحياة بمفرده فيها, وقد لاحظ زائروه انه كان ينام علي الثلاثة سرائر بالتناوب.
كما كان يحتفظ برقعة شطرنج مع العاب مختلفة بجانبها. ومع أن ريجينا قامت بتشجيع ابنها علي مستقبله في الشطرنج, فقد كان ذلك احد أسباب دفاعها. وقد كان التزامها مسالم, حيث قضت شهور في اللف في أرجاء أوروبا في مظاهرات مناهضة للحرب. ونقص الحضور الأبوي في حياة فيشر كان له الأثر علي تحديد هويته وعدم التطور الكامل لمشاعر الثقة عنده.
وعلى حد قول سكيلسون, " بدون وجود أساس من الثقة, يعتمد الشخص إلى حد بعيد علي دفاعاته الذاتية كحوائط البناء, فيلقي اللوم علي الآخرين ويملك مشاعر سلبية تجاههم." وقد قام فيشر نفسه في احد المرات باعترافه بأنه شخص عدواني, و قام بتفسير ذلك قائلا " أن هؤلاء الذين ينشئون بدون أب, يصبحون كالذئاب.
" فريدريك اولفاسون, الذي قام بمقابلة فيشر لأول مرة عندما كان يبلغ من العمر 15 سنة في احدي المباريات الدولية للشطرنج في سلوفانيا, قام برواية حكاية مقلقة عن: إنه في أحد الأيام عند تقديم الإفطار صباحا, قام فيشر بأخذ سكينته وبدأ في قطع الدبابير الزاحفة عبر الطاولة, قائلا بأن: " هذه الطريقة التي سأقوم بسحق خصومي بها."!!
وفي السنوات التالية لم يقم فقط بهزيمة خصومه, لقد سحقهم.
وبحلول البطولة الدولية للشطرنج عام 1972, تم وصفه علي انه " أكثر بطل عالمي يتميز بالفردية, والتعنت, وصموت, وغير متعاون, ومنعزل...", وهو اقوي لاعب عاش علي وجه الأرض. لقد اكتسب أيضا سمعة انتزاع الأموال, فضلا عن الشكوى من مقعده, ومن الإضاءة وضجيج كاميرات التلفاز بمدينة ريكيافيك, وكان فيشر يشكو من أن قيمة الجائزة والتي تبلغ حوالي 125.000 دولار غير كافية, وقد كسب سباسكي حوالي 1.400 دولار عندما فاز باللقب العالمي قبله بثلاث سنين.
ولكن فيشر لم يكن ليوافق علي اللعب في ايرلندا حتى جاء الممول الانجليزي جيم سلاتر من شركة سلاتر ووكر الأمنية, ورفع قيمة الجائزة إلي 250.000 دولار, وقد آمن سكيلسون وآخرين أن المال هو المهم بالنسبة إليه, و لكن بالأحرى هي حجم الجائزة ما جعلت فيشر يشعر بقيمته, وبعد فوزه بالبطولة عام 1972, قام برفض الكثير من العروض بمبالغ مالية ضخمة عرضت عليه للخروج من عزلته ودفاعه عن لقبه, حتى أن شاه إيران عرض عليه في مرة مبلغ حوالي 2.000.000 دولار, وقام فريلند ماركوس من الفلبين بعرض 3.000.000 دولار, ومليونير آخر من اسبانيا عرض عليه 4.000.000 دولار, إذا اختار لعب المباراة ببلادهم.
لكن بدا خوفه من الخسارة عظيما, وعندما عاد فيشر من ريكيافيك إلي نيويورك, تلقي ترحيب الأبطال وتم تسليمه مفاتيح المدينة. وبعد ذلك انزوى بعيدا عن الأضواء, وقام بالانتقال إلي كاليفورنيا لفترة من الوقت تاركا ما قيمته 5.000.000 مليون دولار من قيم عقود تركها غير موقعة علي مكتب محاميه.
 كان المجتمع الدولي للشطرنج يتتبع رفضه اللاحق مثل المذنب الميت. و بعد قيامه بالرفض عن الدفاع عن لقبه العالمي بوجود جدال علي القواعد الخاصة بالمباراة, خسرها عام 1975 وكان خصمه اناتولي كاربوف. وعندئذ كانت مسالة وقت قبل أن يبدأ غضبه بالظهور ليغطي على تألقه. وفي كاليفورنيا تورط مع طائفة اوبدال المتعصبة, والقي القبض عليه للاشتباه في قيامه بسرقة مسلحة, كنتيجة لالتباس الهويات, وبالتالي أصبح هائما في عالمه الخاص, وأصبح يلبس مثل المتشرد منتقلا من فندق سيء السمعة إلى آخر.
التالي, والأخير, هو وقت دخوله إلي عالم التألق الحماسي مع لمحات من موهبته القديمة حيث أعيدت مباراته مع سباسكي في بلغراد عام 1992.
وبتجاهل تهديد بعشر سنين سجن وطرد نهائي من الولايات المتحدة الأمريكية لوجود تحريم من منظمة UN التجارية علي يوغوسلافيا السابقة, هزم سباسكي مرة ثانية وتلقى مبلغ 3.5.000.000 دولار, ولكن صدرت مذكرة باعتقاله أيضا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكنه ظل رجل مطلوب في بلاده التي ولد فيها حتى يوم مماته. مصدر للألم النفسي المبرح, علي حد قول سكيلسون, وهو ترجيح السبب لعمه سام باشينج. لقد قام فيشر بالذهاب إلي بلغراد لاحتياجه للمال. وهو ما يشكل الآن تركته محل النزاع.
ولأكثر من عشر سنوات بعد تلك المباراة الأخيرة في بلغراد, قام فيشر بتجوال متواصل في مركز أوروبا و شرقا. كما قضي الكثير من وقته في بودابست وزار واتي في اليابان. وعاش فترة أيضا في الفلبين. ولفترة من الوقت, كان يسعي الكثير من الصحفيين إلي عقد لقاءات قد تكون مستفزة, ولكنه من الممكن أن يوافق, إذا كان بث تلك اللقاءات حي حتى يقوم باستخدام الوقت المخصص للقاء في بث سخريته الشديدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية, وإسرائيل, واليهود.
وقد كان الانفجار الذي كان عقب هجمات 9-11 في نيويورك هو ما أمال الميزان أخيرا. أطلق فيشر العنان لنقده اللاذع الفظ.
وكانت خلاصة وصفه للهجمات أنها " أخبار رائعة ".
وبعد ذلك بثلاث سنين, عندما كان في طريقه لركوب الطائرة متجها إلي طوكيو, تم القبض عليه بتهمة السفر بجواز سفر أمريكي ملغي والتهرب من الضرائب. وقضي الثماني أشهر التالية في السجن باليابان بينما سعي الأمريكيون للمطالبة باستلامه, وفي خلال الوقت الذي سجن فيه نجح  في الحصول علي رخصة زواج خاصة ليتزوج واتي.
وقد عرف القليلين بأمر زواجه, وهو احد الأسباب التي أوجدت التكالب علي ثروته. 
ومع يأسه من احتمال تسليمه, بدا فيشر في الاتصال باصدقاءه القدامى بايرلندا و طلب المساعدة. و قد قام كل من لجنة هواة الشطرنج, و لجنة RJF, وتشمل أيضا سكيلسون وسفيرسون واولافسون, والحارس السابق لفيشر وسائقه سامي بالسون, بتقديم التماس للحكومة الايرلندية لتضمنه في منفاه.
على الرغم من المعارضة القاسية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, صوت البرلمان بالإجماع علي منحه المواطنة الكاملة. وفي مارس 2005, خرج فيشر بمظهر متشرد من الطائرة في ايرلندا علي مرأى ومسمع من وسائل الإعلام, ولكن في السنتين والنصف التاليتين اختفي تماما من الساحة. وقد تم رصده أحيانا يتجول في بعض الأنحاء و هو يرتدي قبعة بيسبول, ويأكل الهامبورجر, وهو ما يطلق عليه الأسلوب الأمريكي, ثم يجلس للقراءة في مكتبة تسمي بوكين. لكن العامة تركوه بمفرده, و كرجل يعيش في الظل كان غالبا يتم وصفه من قبل أصدقاءه أنه كان يتمتع بمعاملته كمواطن عادي.
"إن شهرته في تلك السن المبكرة وضعت عبئا كبيرا عليه".
وكثير من الناس حاولوا أن يكتسبوا المال منه. ولكنه علي حد قول سكيلسون كان سعيدا بالتخلص من ذلك, وحتى في ايرلندا, كان أي شخص بدعي صداقته و يحاول اكتساب بعض المال منه, مثل ذلك الحارس القديم بالسون, الذي نفاه من حاشيته.
وفي النهاية كان سفيرسون وعائلته هم من قضي فيشر معهم معظم وقته بأحاديث طويلة و هادئة, و قد كان سيفرسون يذهب في بعض الأحيان إلي المؤسسة الايرلندية للمعوقين و الذين يعانون من صعوبات الحياة, وكذلك زوجته, وممرضة. وكان الزوجان غالبا يقومان بأخذ فيشر معهم غب جولة طويلة للتمشية حول لوجر دايلر,  السبب في اختيار ساحة الكنيسة لدفنه.
في الشهور الأخيرة من حياته, قام فيشر بشراء شقة من ثلاث ادوار فوق منزل سيفرسون في ضواحي ريكجيفيك, والرجل ذا الـ 48 ربيعا كان يتردد عليه غالبا مع زوجته ليبيتون معه في الشقة حتى لا يكون فيشر وحيدا. ومن وقت إلي آخر كانت واتي تأتي للإقامة. ولكن مع  وجود عملها في طوكيو, لم تقم أبدا بالانتقال للإقامة هناك, فكيف شعرت عند علمها بالزيارة التي تلقاها فيشر من ميرلين يونج في سبتمبر 2005 مع ابنتها جينكي؟, وهو غير مؤكد. مع أنها كانت في ايرلندا في ذلك الوقت. وكانت يونج بالتأكيد غير سعيدة.
وعلى مرمي حجر من مكتبة بوكين حيث كان فيشر يقضي الكثير من وقته في محل يقوم ببيع الطعام الشرقي, ذهبت يونج لتبتاع بعض الأشياء التي تنقصها في المنزل. وأخت المالك هي الكونتيسة الفيليبينية برسيللا زانوريا والتي قامت يونج بعد وصولها بالاتصال بها لأنها كانت مريضة و ملازمة الفراش. " كانت وحيدة و طلبت الإقامة معي لبضعة أيام."كما قالت زانوريا.
وقام فيشر بإيجار شقة صغيرة لمدة ثلاثة أشهر ليونج, وجينكي, ومربية الطفلة. ولكن يونج شعرت بالاهانة الشديدة من أنها غادرت بعد ثلاث أسابيع فقط. وقد قالت زانوريا عنها:" لقد كانت امرأة شابة بريئة", " لقد سألتني كثير من الأسئلة عن أيسلندا, ولكنها لم تشعر بالراحة هنا, وقد كانت ابنتها مفعمة بالحياة وظلت تتكلم كثيرا عن والدها. و كانت متشوقة جدا لرؤيته. وعندما جاء فيشر لرؤيتها, كان حلو المعشر, وقام بحملها واللعب معها".
غير معروف كيف تعرف فيشر علي يونج. في بعض الأحيان كانوا يتقابلون في النادي الريفي في مدينة باجيو, العاصمة الصيفية للفلبين. وآخرون يقولون أن فيشر كان صديق لوالدي يونج ولخاطرهم قام بعرض كفالة مالية لطفلتها عندما حملت بها بعد علاقتها بشخص آخر. و يقول أصدقاءه أن فيشر كان يحب الأطفال. ويقول سكيلسون:" لا احد يتكلم عن ذلك, و لكن بوبي غالبا ما كان يقوم بإعطاء المال للفقراء عندما كانوا يحتاجونه, و أنا متأكد تقريبا من انه كان فقط صديقا لعائلة تلك المرأة."
وقد ادعى المحامي الشاب استيمو بغير ذلك. فهو يقول أن فيشر كان يعيش معها لمدة عامين في مدينة باجيو من أغسطس عام 2000 وقد ولدت ابنتهما في 21 مايو عام 2001.
وطبقا للوثائق التي قاموا بتقديمها للسلطات الأيسلندية لتدعيم دعواهم هي شهادة ميلاد الطفلة, جواز سفرها, صورو بطاقات مكتوبة و موقعة من فيشر قام بإرسالها لابنته, ونسخ من إشعارات البنك التي توضح انه كان يرسل شهريا بانتظام حوالي ألف جنيه إسترليني.
ويقول استيمو إن آخر مدفوعاته قام بها قبل وفاته بشهر و انه كان يقوم بإرسال العاب لابنته من عرائس وطائرات وما نحو ذلك مرفق معها رسالة فحواها " أتمنى أن تتمتعي بتلك الألعاب الجميلة, مع حبي- أباكي".
ومع أن ايستيمو قام بوصف يونج أنها امرأة طيبة تود أن يتم تسوية موضوعات ممتلكات فيشر علي نحو ودي, لكنه يفعل العكس, أولا قام برفع دعوي للشك في وثيقة زواج فيشر من واتي, مدعيا أن بطل الشطرنج لم يكن في وعيه التام خلال الزفاف. ثم قيامه بالطلب من أن تؤخذ عينة من جثة فيشر لعمل تحليل دي إن ايه.
وقال: " نحن نرغب في الوصول لذلك الحد", ثم يؤكد إنه يسعى للحصول علي معلومات دقيقة عن حجم الممتلكات الحقيقية لفيشر. قائلا: " لقد سمعنا بوجود إيداعات من الذهب و مجموعة من الأسهم و هناك الفيلم الضخم الذي تم إنتاجه بوبي فيشر يذهب إلي الحرب, و طبقا لذلك ربما ترغب جينكي في ادعاء الملكية من ذلك".
الكثير من تلك الأخبار وصل لمحامي واتي الأيسلندي آرني فيجالمسون, الذي قام بعمل نسخة من شهادة الزواج ليؤكد ان فيشر وواتي تروجا في طوكيو بتاريخ 6 سبتمبر عام 2004.
ويقول فيجالمسون " لقد تم عملها من قبل السلطات اليابانية و تؤكد زواجهما"، وقد كان أيضا المحامي الخاص بفيشر. حيث كان يقوم بمساعدة بطل الشطرنج علي حل مشكلته مع البنك السويسري UBS, حيث قام البنك بدون اخذ موافقة فيشر بتحويل مبلغ 3.000.000 فرنك سويسرا وهو ما بعادل تقريبا 1.5.000.000 جنيه إسترليني قام بإيداعها في البنك الأيسلندي بعد منحه حق المواطنة هناك. وقد كان فيشر مقتنعا أن تلك الحركة هي جزء من مؤامرة يهودية ضده وأصر علي إعادة تحويل الأموال مرة أخري إلي سويسرا.
تلك المشكلة كانت مازالت سارية حتى وفاته, و احد الأسباب للموقع الدقيق, كمان ن مجموع ممتلكاته غير واضح. وبالإضافة إلي الدعاوي القضائية الخاصة بواتي وجينكي, كان هناك طرفان آخران, الحكومة الأمريكية, حيث كانت تسعى إلى تحصيل الضرائب التي لم تدفع, و أبناء أخت فيشر, أبناء راسل تارك, علي أساس أن زواجه لم يكن قانوني.
وطبقا لمحامي تارك جودجون أوليفر جونسون, وهو محامي أيسلندي صرح بأن الأقارب الأحياء لفيشر هما أمه وأخته وقد ماتا, ويمكن القيام بدعوي علي ممتلكات شخص في حالة وفاته وعدم زواجه وليس له أولاد. والزوجة ترث كل الأموال إذا كان متزوجا وله أطفال, حيث ترث الزوجة الثلث والطفل أو الأطفال الثلثين.
وحتى تاريخ 17 مايو مازالت كل الأطراف تقدم دعواها إلي وزارة العدل الأيسلندية,  والتي يمكن أن تحكم عندئذ ما إذا كان سيتم إحالة تلك المسالة إلى محكمة محلية لحلها أو إلى المحكمة العليا.
وبالرغم من الترتيبات السرية التي تم اتخاذها لدفن فيشر كآخر مناورة يتم اتخاذها في حياته المعقدة كما كان يناور علي لوحة الشطرنج. قال أصدقاءه انه إذا كان موجودا كان سيحزن لكل تلك المشاكل القانونية القائمة.
لقد آمنوا أنه كانت لديه فكرة قليلة عن ذلك عند اقتراب وقت وفاته, وهو من الممكن أن يكون سبب في اعتلال صحته. وحتى مع رفضه  للعلاج بآلة غسيل الكلي كعلاج لمرض الكلي الذي كان يعاني منه و قضي الأشهر الأخيرة في حياته خارج المستشفي. فد خرج قبل وفاته قصيرة من عيادة رايجيفيك المركزية ليتعافي في المنزل.
وهنا حيث رآه سكيلسون في آخر مرة. الطبيب النفسي الطيب عرض عليه بعض العنب و لبن الماعز, و لكن لم  يكن فيشر ليحتفظ بأي منهما. ويقول سكيلسون:" لقد كان لدي إحساس بأنه يريد التحدث أكثر عن نفسه". و لكنه لم يفعل ذلك, ليس مرة ثانية. ففي الصباح التالي أسرع به سيفرسون إلي المستشفي حيث توفي هناك.
كانت آخر كلمات تحدث بها (فيشر) لصاحبه, بمثابة منبه مؤلم لما فقده معظم أو ربما كل أيام حياته, وكانت عن سبب ما تركه وراءئه من إضطرابات. معانياً من آلام مبرحة في رجليه، فقد طلب من سكولاسون تدليك رجليه قليلاً، ثم همس:
 "ليس هناك ما هو أكثر شفاءً من اللمسة البشرية".


 

0 تعليقات:

إرسال تعليق