Ads

الهدية

بيت هادئ ...مرتب اكثر من اللازم ، ارضياته لامعة جدا ،شرفاته تزكي اضاءة خافتة في ارجاء البيت .....
دخل احمد غرفة نومه ،يبحث عن زوجته ليلي بعد عودته من العمل منهكا ومتعجبا انها لم تستقبله كما عودته عندما 
يعود من العمل بابتسامتها الظريفة ومداعبتها التي تزيل عنه عناء التعب .
وعندما دخل غرفة النوم وجد ليلي جالسة امام المرآة محدقة في شئ يلمع امامها بلا حراك وكأنها في زمن مغاير
لدرجة انها لم تشعر به ولم تسمع نداءاته المتكررة عليها .
فسالها احمد ما بك يا ليلي ؟ اناديك ولا تجيبين ! ثم ما هذا الذي امامك؟
قالت: له انها هدية 
قال: من من ؟
قالت :من صاحب العمل الجديد الذي التحقت به 
قال بغضب: وكيف تقبلين هدية من رجل غريب ؟
قالت: وهي ما تزال شاردة ولا تشيح بنظرها عن الخاتم الهدية الذي يلمع امامها ببريق يخطف الابصار 
ومن قال لك انني قبلته ؟
قال: الم تأخذيه وتأتي به الي المنزل ؟او ليس هذا يعني انك قبلتيه ؟ ولعلك قبلتيه بترحاب شديد فانت لا تكادين تشيحين بوجهك عنه !
قالت :له لا تظلمني فانا انوي اعادته لصاحبه غدا حتي لو تسبب موقفي هذا في تركي لعملي الجديد الذي طالما 
حلمت به 
قال :لها احمد هل تريدين ان تصيبيني بالجنون ؟ ولماذا اخذتيه من الأساس اذا كنت تريدين ان تعيديه ؟
وكيف تأتيك الجرأة ان تقولي لي هذا الموضوع بمنتهي البساطة هكذا ؟ ماذا حدث لك يا ليلي ؟
قالت :لقد قلت لك هذا الموضوع لأنني لم اتعود ان اخفي عليك شيء من يوم زواجنا منذ عشرة سنوات وحتي الان 
ثم انني لم افعل شيء خاطئ اسيئ به اليك او لنفسي قبلك فقد قلت لك انني سوف اعيده غدا حتي لو تسبب هذا في ترك
للعمل 
قال :اذن لماذا لم ترفضيه ؟ ولماذا اخذتيه ؟ لماذا تنتظرين الغد لكي تتخذي هذا الموقف؟
قالت وعينيها مغرورقتان بدموع مرة متحجرة في مقلتيها: لم استطع ان اخذ هذا الموقف اليوم اتعرف لماذا ؟
لان هذه اول هدية تأتيني من شخص يريد ان يشعرني بانه يهتم بي وان لي قيمة عنده وانني لازلت موجودة 
وانني ما زلت انثي جميلة استطيع جذب انتباه الاخرين الي ،
لان هذا الخاتم عندما قدم لي سمعت معه كلمات لم اسمعها منذ زمن طويل حتي وصلت لدرجة انني اعتقدت انني لا استحق ان اسمعها او تقال لي حتي .

اتعرف عندما أعطاه اياي صاحب العمل اخذته وانا في حالة ذهول ولم انطق بكلمة واحدة وعدت به للبيت فورا 
وجلست امام المرآة ووضعته امامي ولا زلت هكذا حتي اتيت انت ومن ساعتها وانا الوك كلام هذا الرجل في اذني وعقلي مرارا وتكرارا ولا اريده ان يصمت 
قال: احمد بغضب شديد مقاطعا اجننت يا امرأة كيف تقولين لي هذا الكلام ؟
والله يا ليلي لو كنت لا اعرفك جيدا واعرف مدي تدينك ووفائك لي واعرف اخلاقك الحميدة لكان الشيطان جعلني افعل بك الافاعيل انا مصدوم فيك ، كيف تفكرين بهذه الطريقة الغريبة عليك وعلي مبادئك ؟
احرمتك من شيء حتي تقبلي مثل هذه الهدية من شخص غريب ؟
وحتي لو حرمتك من شيء فهذا ليس عذرا مقبولا لما فعلتيه ولما تقولينه لي .
قالت له ليلي وهي تقف امامه وتنظر في عينيه :نعم يا احمد لقد حرمتني كثيرا وانا انتظرتك كثيرا ان تقلع عن هذا الحرمان ولكنك لم تلتفت لغضبي ومشاعري التي اعتقد انك لم تشعر بها حتي 
لست انكر انك لم تحرمني من طعام ولا من شراب ولا من ملبس ولا من حلي ولكنك كنت تفعل كل هذا بدافع الواجب والكرم والمسئولية تجاهي ولكنك في المقابل حرمتني من كلمة الحلوة او اطراء لطيف تشعرني به انني ما زلت موجودة 
وانك تراني وانني لست جزءا من اثاث المنزل او صديق يعيش معك في البيت 
اقسي اللحظات عندما كنت اتزين لك و اغمر نفسي بالعطور وانا انتظر قدومك لأسمعك تثني علي تسريحة شعري او عطري او زينتي وعندما تاتي لا تلاحظ حتي وتطلب مني ان احضر لك الغداء وتحدثني عن عملك ومتاعبه فافر هاربة الي غرفة نومي لأزيل اثار انهزامي وحسرتي واخرج لك وانت لا تلاحظ اي تغيير 
كانت الأيام تمر وكأنها يوم واحد ما يحدث اليوم يحدث كل يوم لا جديد تمر مناسبات بيننا ولا تفكر ان تأتي لي بهدية تفاجئني بها ...هدية تشعرني بها باهتمامك وتقديرك لي وحبك المستمر لي وتعزز به فنائي لذاتي في خدمتك انت والأولاد والبيت دون اي تواني او تقصير 
هدية ولو بسيطة ...ورد ..بطاقة صغيرة مكتوب عليها كلمات تعبر فيها عن مشاعرك 
الهدية الخاصة تفرح المرأة وتدخل عليها السرور وتعني لها الكثير وتحمل الذكريات 
أتذكر اخر مرة سمعت منك فيها كلمة حلوة او غزل لطيف ؟ انا حتي لا اذكر !
لقد استبقيت الهدية لأنني اردت ان احتفظ بمعني هذه اللحظة التي لم اشعر بها منذ سنوات لفترة من الوقت 
ثم اعيد كل شيء لنصابه الصحيح بعد ذلك فإن ديني وشرفي واخلاقي التي تتحدث عنها تمنعني ان اقبل مثل هذا الشيء والذي قد يعد تنازلا تليه تنازلات اخري ،وانا امرأة تحترم نفسها جدا وتحترم زوجها وأولادها وتحبهم جدا لا يسعني الا ان افعل ما سوف افعله غدا ان شاء الله حتي لو كان علي حساب عملي الذي تمنيته طويلا 
ولكنني انسانة قد اضعف ولو قليلا ...امام كلمة حلوة او اهتمام حاني ،كنت اتمني لو اتاني من الرجل الذي احبه واجهشت ليلي بالبكاء ولم تتمالك نفسها وانهارت علي الكرسي المواجه للمرآة وكان قواها خارت واستنزفت في دفع هذا العبء الثقيل عن صدرها فلم تعد تقدر علي الوقوف علي قدميها 
نظر اليها احمد في ذهول وحالة من المفاجأة الشديدة التي الجمت لسانه وهو يسمع ليلي تتكلم بهذه المرارة الشديدة 
لم يكن يشعر بها ولا بمشاعرها ،اخذته دوامة العمل والبحث عن الرزق وتخيل انه بوفائه بمتطلباتها المادية انها ستكون سعيدة ،وانه عمل ما عليه من واجب لم ير انهزاماتها وانكسارها وهي امامه وبجواره، هي التي كانت تخفف عنه وتضحك في وجهه واحيانا تشاكسه لتخرجه مما هو فيه وهو أحيانا يصدها بدعوي ان حالته المزاجية لا تسمح لم يكن يتخيل انه اضر بالإنسانة التي يحبها وشاركته حياته كل هذه الفترة بهذا الشكل وانه سمح للخطر ان يتسلل داخل بيته ،كم غضب من ليلي وكم اشفق عليها وتألم لألمها مسكينة انت يا ليلي ....مسكينة يا حبيبتي 
وعندما افاق من ذهوله قال :لا ادري يا ليلي ماذا أقول لك ...ااغضب عليك حد الجنون ام احتضنك واقبلك واعتذر لك عن كل ما سببته لك دون قصد 
دعينا لا نتكلم الان ودعينا نفكر بهدوء لأنني اشعر ان حياتنا تحتاج الي إعادة تقييم واتمني ان يكون هذا هو الوقت المناسب لذلك وان الأوان لم يفت بعد .

رانيا ثروت