Ads

د. أمل الجمل تكتب: ارفعوا أيديكم عن الحجاب

لما يزيد عن 17 عاما كنت أرتدي الحجاب.. لعدد طويل من السنوات كان ذلك باختياري الشخصي، أو تحت تأثير أفكار اقتنعت بها، أو تماديا في العناد لأن آخرين يرغبون لي في أن أخلعه، لكن لابد أن أعترف أنني خلعته ثلاث مرات خلال تلك السنوات؛ الأولى تمت بعفوية الصبية المراهقة في مواجهة حب الحياة والرغبة في الاستمتاع من دون قيود أو معوقات، والثانية كانت رغبة ملحة لفتاة جامعية، لكن المحاولة لم تنجح بسبب الحصار المجتمعي وأشياء أخرى.. في المرة الثالثة كانت عزيمة الفتاة الناضجة أقوى من أن يهزمها أي شيء.
سأحكي تجربتي.. لا تتوقعوا أن أهاجم الحجاب، أو أن أدافع عنه في حد ذاته، رغم أني أعلم أنه أمر لا يتعلق بالإسلام وحده، ومن يشك، عليه بتأمل الديانة اليهودية، سيجد فيها الحجاب.. سأكتب دفاعاً عن حق أخواتي في ارتداء الحجاب لأن هذا ما اخترنه، وهذا ما يحقق لهن السلام النفسي والرضا.. سأكتب أيضا دفاعا عن حق زميلاتي وجاراتي، وصديقاتي المقربات، وسأكتب دفاعا عن حقي أنا أيضاً في خلع الحجاب.. ليس من حق أحد أن يُحدد لي ما الذي عليَّ أن أرتديه؟ حتى لو كان اختياري خطأ.. من حقي أن أخوض التجربة طالما رغبت في خوضها.. الخطأ ليس نهاية الكون.. الخطأ في أحيان كثيرة خطوة على طريق الصواب، فمن الأخطاء نتعلم ونفهم وندرك أشياء، وليس من حق أحد أن يدس أنفه في اختياراتي أو في حياتي أيا كانت تفاصيلها.
كفوا عن التدخل في الحريات الشخصية وفي حياة الناس.. كفوا عن سياسة المنع تحت مسمى الدعوة للتحرر والتقدم، فالمنع مثلما يُؤجج الرغبات، أيضا لن يزيد الناس إلا نفورا وعناداً.
وصدقاً مندهشة أنا لجرأة تلك الدعوة إلى تظاهرة، وإلى حشد مليونيه للمطالبة أو حتى للتحريض أو التشجيع على خلع الحجاب! هل انتهينا بحمد الرب من علاج كافة أمورنا المستعصية وأمراضنا المستفحلة وصناعتنا المُخربة وزراعتنا الفاشلة المسرطنة ومياه الشرب الملوثة ونقص الكيروسين وانقطاع الكهرباء، هل استعدنا الأمن والأمان في كافة أرجاء أرض الكنانة، ولم يعد أمامنا سوى مأزق الحجاب؟ خلاص؟! كل مشاكل وهموم المرأة تم تسويتها، وأصبحت هانئة لا يعكر صفوها سوى الحجاب؟
أرجو من المتطرفين في دعواهم هذه أن يرفعوا هم الحجاب عن عقولهم، لأنه بصراحة، وببساطة، مَنْ يدعو لتلك المظاهرات هو شخص تم استخدامه – بإرادته أو بجهله وعنتريته – لتوجيه أنظار الرأي العام عن قضايا ومشاكل أساسية؟ هذا أسلوب مبتذل قديم ومعروف، ولمن سيقول أنه لا يمكن الفصل بين قضايا المرأة وقضايا المجتمع أقول؛ لو كنا نسير في اتجاه حل الأثنين معاً سيكون عندك حق، لكن طالما أننا في كل مشاكلنا الأساسية المستعصية لم نحقق خطوة واحدة على طريق التقدم، عندها يصبح الحديث عن الحجاب رفاهية، وكما قال غاندي: “لو أراد الله أن ينزل للبشر فلينزل لهم على شكل رغيف من الخبز.”
من زاوية أخرى، صحيح أن الإخوان المسلمين لأكثر من أربعين عاماً كانوا يمارسون الدعوة ويحثون على فرض الحجاب، لكن هذا ليس مبررا لممارسة نفس أفعالهم وأخطائهم، ونحن نندد وننتقد سلوكهم، وبالمناسبة، الإخوان المسلمون لم يكتفوا بممارسة الدعوة لارتداء الحجاب، لكنهم كانوا يدعمون الناس الفقراء في جوانب شتى سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم، وأنا عايشت ذلك بنفسي جيداً في مرحلة من حياتي.
الدعوة الأخيرة لمليونيه “خلع الحجاب” تُؤكد شيئا أساسيا، وهو أنه كما تعامل الإخوان المسلمين مع المرأة على أنها جسد، فالداعي والمؤيد لتلك التظاهرة – تحت دعوى الحرية وإزالة الجهل والتخلف عن وجه مصر – هو أيضاً يتعامل مع المرأة على أنها جسد، والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن؛ لماذا لازلتم غير قادرين على التعامل مع المرأة إلا كجسد؟! احترموا المرأة قليلا، وفكروا في العقل الذي تحمله، فهى ليست مجرد قطعة من اللحم أو ثقب وفقط.
لماذا لم يتبار السيد المطالب بالمليونية بالدفاع عن حق المرأة العاملة في أن يكون لها نقابة تحميها ضد المخاطر المختلفة؟ لماذا لم يفكر في مأزق المرأة المعيلة التي تشكل نسبة كبيرة من الأسر المصرية؟ لماذا لم يناقش مشاكل المرأة العاملة التي تُواجه بالتحرش اللفظي والجنسي من مرؤوسيها؟ لماذا لم يقترح قانوناً رادعا للتحرش في مكان العمل وفي الشارع لحماية المرأة من الأذى النفسي والجسدي؟ لماذا لم يقترح سبلا جديدة لمشاكل البطالة؟ أو حلا يكفل الدعم الطبي لمرضى الكبد الفيروسي الذي ينتشر باستفحال في مجتمعنا وينهش أكباد المصريين، أو لماذا لم يتطوع ليجد مخرجا عمليا لمشاكل التأمينات الاجتماعية ومعاناة 45 % من الشعب المصري الذين هم تحت خط الفقر؟ يبدو أن الناس عندما تفلس وتتلاشى عنها الأضواء تبحث عن سُبل جديدة لتعيدها لبؤرة الشهرة، وطبعاً الحديث عن الحجاب يفتح شهية الصحف والمجلات والقنوات الصفراء.
وجه آخر للفاشية
أمر أخير.. النقاش الذي دار من حول مليونيه الحجاب يكشف أمرا لافتا؛ وهو أن الكثير من الشعب يمارس الديموقراطية بروح الفاشية، فبعض الليبراليين، أو من نعتقد ونتخيل أنهم حداثيون أو تقدميون، وبالتالي المفروض أن يتحلى أسلوبهم في النقاش بروح الديموقراطية، لأنهم يمتلكون القدرة على تقبل الرأي الآخر المختلف معهم – أو هكذا شُبه لي- أقول بعض هؤلاء اتضح أنهم أكثر ديكتاتورية وجمودا، ومثلهم مثل المتخلفين فكريا والرجعيين، وربما يصلح الوصف أنهم الوجه الآخر لهذا التوجه المتطرف القبيح.
لماذا؟ طبعاً ليس لأنهم يدافعون عن فكرة خلع الحجاب والتحرر منه، فكل امريء من حقه أن يطرح أفكاره ويدافع عنها طالما لم يضر الآخرين، لكن لأنهم أثناء نقاشهم يتحدثون بثقة ويقين القابض على زمام كل شيء.. لأنهم يصفون الرأي المخالف لهم بصفات مشينة ويُتوجونه بشتائم تصل أحياناً لحد السب والقذف، وهذا ليس أسلوب الأقوياء الأصحاء عقليا ونفسياً في النقاش.. هذا أسلوب إرهابي لتخويف الآخرين.. لردعهم عن ممارسة التفكير واكتشاف ضعفهم.. هو خطة يلجأ إليها البعض ليُربك الخصم، لجعله يلوذ بالصمت، خصوصا إذا كان لا يمتلك أدوات المناظرة، أو يصمت حتى لا يُحسب ضمن تلك الدائرة المُهانة.
في تقديري أن الإنسان القوي لا يحتاج لأن يسب الآخرين أو يشتمهم.. الإنسان القوي يحاكي الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة والدليل بالدليل.. ومع احترامي لكل الرجال الذين يدافعون عن خلع الحجاب أو ارتدائه، لكني أقول لهم: ارفعوا أيدي الوصاية عن المرأة، وكفوا عن المتاجرة بقضاياها، ولو أنكم صادقون صحيح.. شوفوا حلول عملية لمشاكلها من دون كلام.. من دون وقوف أمام

0 تعليقات:

إرسال تعليق