سيد الوكيل
على المستوى التكتيكي ، كانت الطلعة الجوية على ليبيا ضرورة، فهى من ناحية مهمة استطلاعية لفضاء مختلف وجديد على الطيار المصري فمن المحتمل أن يضطر لخوض عمليات قتالية واسعة فيه.
ومن ناحية أخرى اختبار لردود الأفعال العالمية إذا ما قررت مصر نقل عملياتها في ضرب الإرهاب إلى خارج حدودها. وهذا محتمل أيضا في باب المندب وربما اثيوبيا او السودان.
ومن ناحية ثالثة استعادة ثقة الشعب في القيادة المصرية عن طريق وضعه في أجواء حرب حقيقية، وهذ ا استهداف لفكرة الاصطفاف التي ركز عليها السيسي في كلمته قبل الطلعة.
أكثر من مرة تؤكد القيادة على أن مصر تخوض حرب وجود، أي إنها حرب تستهدف تحطيم إحساسانا بوجودنا وكينونتنا.. لكن واقع الحال أن الناس لا تتوقف عند الكلمات والمعاني كما تتوقف عند الحوادث والصور، لهذا فبيان عسكري عن ضربة ناجحة في سيناء لاتستوقفنا، بقدر مشهد النعوش المحمولة لشهداء الجيش والشرطة، فسواء بحسن نيه أو بسوئها فالكثيرون يلهجون بكلام عن الفشل وضعف الدولة والقيادة والجيش. هم معذورون، فلا يرون غير صور النعوش والشهداء، وإذا كان تصوير العمليات ونتائجها في سيناء محذور أمنيا لأسباب عديدة لا يسمح المجال لذكرها هنا، فإن تصوير طلعات الطيران ومشهد الأهداف المصورة من الطائرة بالجيرونوسكوب، هما أكثر المشاهد المسموح بتصويرها في الحروب الحديثة. ومنذ حرب الحليج الثانية وحتى الآن، فكل ما تحرزه طلعات التحالف من تقدم هو صور من هذا النوع، مما دعى تشومسكي وآخرون إلى القول بإنها حروب افتراضية ..
لكن هكذا هى حرب الصور، تستهدف هزيمة المشاعر والنفوس قبل أي شيء، لتتركنا محطمين يسهل اختراقنا بأقل جهد وكلفة. وبهذه الطريقة سيطرت داعش على العراق الذي كان ومازال معملا كبيرا لحرب الصور، بنفس السهولة التي دخلت بها قوات التحالف العراق حتى أن اختفاء الجيش العراقي الكبير مازال لغزا حتى الآن.
والآن لو لم ندرك حقيقة ما نحن مقدمون عليه سنكون أغبى شعب في العالم لأننا لم نتعلم مما حدث في العراق. ولم ندرك أن الهزيمة في حر ب الصور هى الهزيمة النفسية أولا، لهذا كان تصوير طلعة الطيران على ليبيا ضرورة للتخفيف من أثر الهزيمة النفسية التي عشناها بعد مشهد إعدام المصريين على الشاطيء، المصور بحرفية سينمائية تتداخل فيه رومانسية البحر الأبيض برمزية الدم الأحمر. وفي المقابل رأينا الطائرات وهي تسبح في ظلام الليل، لتضيئة بكتلة اللهب التي تنبعث من فتحة الجت (مؤخرة الطائرة ). إنها حرب الرسائل النفسية.
والآن: ماذا نفعل؟ وما الذي تعنيه القيادة بفكرة الاصطفاف؟ ولماذا يركز السيسي على الإعلام؟ ومتى يتوارى جهابذة التوك شهو عن المشهد ليفسحوا المجال لجيل من الشباب التقنين المهرة في إنتاج الرسائل المصورة؟ أما الذي يحيرني.. أن كثيرا من المثقفين على صفحات الفيس بوك والمقاهي مازالوا عند كل مشهد في حرب الصور، يشعرون بالرعب ، وتنفلت أعصابهم ويفقدون الثقة في انفسهم وجيشهم ومستقبلهم كله..
