Ads

من قتل شهداء يناير ....؟!



بقلم الصحفية والإعلامية هيام محى الدين
أصدرت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي حكمها ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير داخليته ومساعديه مما نسبته إليهم النيابة في قرار الاتهام من تهم كان على رأسها قتل متظاهري ثورة يناير ؛ وبصرف النظر عن الهياج الذي يتسم بالمراهقة السياسية والحماسة الحنجورية الذي مارسته بعض العناصر الثورية وانتهزته جماعات التأسلم السياسي لإثارة الشارع فإن علينا أن نناقش القضية بصورة موضوعية شاملة تتسم بالحياد والتجرد.
وبداية يستحيل على القاضي أن يميل مع الهوى أو يحكم على متهم بانحياز معه أو ضده فأحكام الجنايات تتعرض للمحاكمة أمام محكمة النقض من خلال نظام قضائي يكفل أقصى ما يمكن من ضمانات للمتهم وللنيابة العامة معاً ؛ وحيثيات وأسباب الحكم يستعرضها القاضي ليبين الأدلة والبراهين والوثائق وشهادات الشهود التي أوصلته إلى القناعة التامة بما ينبغي أن يحكم به إدانة كان أو براءة ؛ وليس لأحد سلطة التعليق على أحكام القضاء سوى القضاء نفسه بدرجاته التي حددها القانون.
إذن نحن أمام جريمة وقعت وشهداء سقطوا ؛ ومتهمين قدمتهم النيابة ولم تستطع أن تثبت عليهم ارتكابهم للجريمة محل الاتهام ؛ وكانت الأدلة التي قدمتها من الضعف والتهافت بحيث تمكن دفاع المتهمين وشهود النفي من دحضها وإسقاطها ؛ والتشكيك في دقتها وصحتها حتى ثبت في يقين المحكمة أنها أدلة غير قاطعة ولا توجب الإدانة ؛ فمن الذي قتل الشهداء ؟!
فلنرجع بالذاكرة إلى أحداث ثورة يناير 2011 لنستعرض أحداثها ؛ ولنبدأ بالفترة من 25 يناير حتى 28 يناير وهي الأيام التي نشطت فيها أجهزة الشرطة في مواجهة الثوار قبل أن تنهار وتنسحب من المواجهة ؛ فنجد أن البيانات الرسمية تشير إلى عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة سقطوا واستشهدوا لأسباب لا علاقة لها باستخدام أدوات قتل عمدية من أي من الأطراف ؛ واعتبارا من 29 يناير تم الهجوم المنسق الشامل على أقسام الشرطة والسجون وتم قتل العشرات من جنود الشرطة وضباطها في هذه الأماكن كان على رأسهم اللواء البطران وتم اقتحام السجون وإخراج آلاف المجرمين والمعتقلين منها ؛ وثبت بالأدلة القاطعة صوتاً وصورة دخول عناصر أجنبية من خلال الأنفاق منتهزة فرصة الانهيار الأمني وانشغال الجيش بتأمين مرافق الداخل واستخدمت هذه العنصر أسلحة ثقيلة في اقتحام السجون وفي حرق الكثير من أقسام الشرطة ؛ وقد قدم دفاع مبارك تسجيلاً لحوار بين أحد أعضاء المجلس العسكري وأحد قيادات جماعة الإخوان يثبت وجود عناصر الجماعة فوق أسطح العمارات المحيطة بالميدان يلقون منها بكرات مشتعلة وزجاجات المولوتوف ويستخدم بعضهم – في الغالب غير مصريين – بنادق القناصة ؛ وهذه الأدلة التي قدمها الدفاع وأكدها شهود النفي تبين تقصير النيابة في فحص الأدلة والإحاطة السليمة بموضوع الدعوى وذلك نظراً لانهيار الأجهزة الأمنية التي تعد وسيلة النيابة على دلائل الاتهام.
ولا يختلف المصريون كغالبية ساحقة أن عصر مبارك الذي استمر ثلاثين عاما احتوى على أسوأ عشر سنوات مرت في تاريخ مصر استشرى فيها الفساد وانهارت الخدمات من تعليم وصحة ومواصلات ؛ وبدأ مشروع توريث الحكم وبلغت الوقاحة في تزوير الانتخابات والتلاعب بإرادة الشعب حد الفجور ؛ وبلغ الفقر وسوء توزيع الدخل القومي حدا جعل اقتصاد مصر اقتصادا مشوهاً ينمو بنسب كبيرة ويوزع بظلم بشع فظهرت طبقة شديدة الثراء تحتكر معظم الدخل القومي على حساب جموع الفقراء ؛ الذين كانوا يبحثون عما يسد رمقهم في مقالب القمامة ولكننا لم نقدم مبارك ورجال عصره إلى المحاكمة بكل هذه الآثام ؛ بل قدمناه بتهم يسهل تبرئته منها ؛ وتشير أصابع الاتهام إلى قوى أخرى ؛ وعلينا بدلا من الجعجعة الحنجورية ضد حكم قضائي أن نطالب أجهزة الدولة بالبحث عن القتلة الحقيقيين للثوار والوصول إلى الأدلة القاطعة التي لا يرقى إليها الشك والقادرة على إقناع المحكمة بأن هؤلاء هم القتلة الحقيقيون للثوار ؛ وهم الذين يحملون في رقابهم دماءهم وأعتقد أن أجهزتنا الأمنية بعد تعافيها وعودتها إلى ممارسة دورها في مقاومة الإرهاب وخدمة الأمن قادرة بخبراتها التاريخية وعناصرها المدربة على الوصول إلى القتلة الحقيقيين لشهدائنا سواء من سقطوا في يناير 2011 أو طوال سيطرة جماعات التأسلم السياسي على البلاد في 2012 ؛ أو من سقطوا بعد ذلك شهداء سلميين لحرية الرأي والتعبير وسواء كانوا من المدنيين أو من الشرطة والقوات المسلحة ؛ فلكل شهيد حرمة الدم ؛ أيا كان رأيه السياسي أو واجبه الوطني أو مطالبه الثورية ؛ ولكل شهيد أسرة وزوجة وأبناء وأمهات ذاقوا مرارة فقد الأعزاء ؛ ولن يهدأ لهم بال إلا بالقصاص والثأر من القتلة الحقيقيين وهذا هو واجب الأجهزة الأمنية وحين يحال الأمر إلى القضاء يتوقف الجميع أمام محراب العدالة خاشعين مسلمين لما تقضي به محاكمنا التي لا يتطرق الشك إلى نزاهتها واستقلالها اللذان كفلهما القانون والدستور والتاريخ القضائي المصري الذي يتمتع بأنصع صفحات العدالة.
وفي الختام أهيب بكل شبابنا الثوري بمختلف توجهاته أن يتحاشى مطالبة رئيس الجمهورية أو السلطة التنفيذية بكل مؤسساتها بالتدخل في أحكام القضاء ؛ أو إبداء آراء شخصية منحازة إلى أي فئة معروضة قضيتها أمام المحاكم فهذه المطالبات هدم كامل لأي نظام للدولة ؛ وفتح لباب من أبواب الظلم والطغيان حين تتدخل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء.
وأدعوا الله أن يلهمنا الحكمة وأن يوفقنا للقصاص لشهدائنا بالحق والعدل والقانون.
                                    هيام محي الدين






0 تعليقات:

إرسال تعليق