Ads

لا يوجد قانون لإنشاء الحرس الجامعي

الدكتور عادل عامر
تضافرت العديد من الانتهاكات في خلق حالة من الإرهاب الفكري بالجامعات المصرية، فهناك تباين واضح بين الحقوق والحريات العامة التي يكفله الدستور المصري ، والتشريعات والممارسات الحكومية من ناحية أخري.  حيث عكست التشريعات المصرية بشكل واضح التناقض مع النصوص الدستورية، فعلى الرغم من تأكيد الدستور على أهمية استقلال الجامعة بحيث تكون بمنأى عن أي تدخل خارجي سواء كان حكومي أو غير حكومي يعوق رسالتها التعليمية، يأتي قانون تنظيم الجامعات رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ ليسمح للسلطات الحكومية بموجبه والممثلة في المجلس الأعلى للجامعات" الذي برئاسة وزير التعليم العالي، حق تحديد أعداد المقبولين بالجامعات، وتقرير إنشاء الدرجات العلمية والأقسام والكليات الجديدة، كما يتدخل أيضاً في صميم العمل الجامعي فيحدد توزيع ميزانيات الجامعات على البنود المختلفة، ويعكس تشكيل المجلس الأعلى للجامعات" ارتباطه بالتوجه الحكومي حيث يشكل من وزير التعليم العالي ويضم في عضويته أمين المجلس الأعلى للجامعات ورؤساء الجامعات المعينون بقرارات جمهورية، إلي جانب خمس من الشخصيات يعينهم وزير التعليم العالي. كما يتضمن قانون تنظيم الجامعات مخالفات متعددة تجعل للحكومة السيطرة الكاملة على الجامعات من خلال تعيين رؤساء الجامعات بقرار من رئيس الجمهورية، هذا بالإضافة إلى حق رئيس الجامعة في تعيين عمداء الكليات ورؤساء .
 الأقسام بدلا من الانتخاب الذي كان معمولاً به قبل عام واستمرت الحركات الطلابية تناضل ضد الحرس الجامعي ونظام التوريث، إلى أن أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا بإلغاء الحرس الجامعي وإنشاء وحدة مستقلة للأمن الجامعي في أكتوبر 2010، ولم ينفذ الحكم، بالعكس ازداد قمع الداخلية ضد الطلاب إلا أن قامت «ثورة 25 يناير»، التي شارك فيها الطلاب بقوة، ورفعوا مطالبهم بإلغاء الحرس الجامعي واستقلال الجامعات وإصدار لائحة طلابية جديدة تطلق العنان للحقوق والحريات، دون تقييد لحقوهم التي حرموا منها لعقود مضت. وبالفعل تم إلغاء الحرس الجامعي التابع للداخلية، عقب «ثورة يناير»، وتم الاستعانة بالأمن الإداري للتخلص من التدخل الأمني في الجامعات وتقييد الحريات السياسية للطلاب. أصبحت الجامعة النموذج المصغر لأحداث العنف التي شهدتها الدولة عقب« 30 يونيو» وإزاحة «الإخوان» عن الحكم، ومن ثم تزايدت أحداث العنف وأعمال البلطجة داخل الجامعات ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما نال الإرهاب من بعض الجامعات لاسيما التفجيرات التي شهدتها جامعة القاهرة والتي جعلت الكثير من الأصوات تتعالى للمطالبة بعودة الحرس الجامعي مرة أخرى، لضبط حالة الانفلات الأمني التي تشهدها الجامعة، في حين رأها البعض محاولة أخرى لعودة التدخل الأمني في الجامعات وحرمان الطلاب من حقوقهم التي حاربوا كثيرًا من أجلها.
ويبقى عودة الحرس الجامعي من الأمور المثيرة للجدل عبر التاريخ، بين من يطالبون بعودته نظرًا لوجود ضرورات تستدعي وجوده لاسيما في ما تشهده الجامعة من أعمال عنف وتخريب، وبين من يرفضون رجوعه في ظل الخبرة السيئة له، وفي ظل توافر إمكانية دخول الأمن للجامعات في حال ما استدعى الأمر ذلك، ومن ثم لا حاجة لعودته من جديد، كما تظل عودة الثقة بين الطلاب والإدارة الجامعية متطلب رئيسي.١٩٩٤هناك أيضا قانون المطبوعات رقم ٢٠ لسنة ١٩٣٦ الذي يمنح حق منع دخول الكتب وتداولها مجلس الوزراء بما فيها الكتب الدراسية، وكذلك قرار رئيس الجمهورية رقم ٢٩١٥ لسنة ١٩٦٤ الخاص بإنشاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي يعد الجهاز الذي له الحق بإصدار التصاريح الخاصة بإجراء الأبحاث الميدانية. وأخيرًا اللائحة المنظمة للأنشطة الطلابية التي فرضت الكثير من القيود على حق الطلاب في حرية الرأي، والتعبير،وتكوين الجمعيات، تلك اللائحة التي وضعت شروط معقدة ومانعة للترشيح لتعطى مبررات قانونية للإدارة والأجهزة الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات المصرية بين سياسة القمع..وغياب الرؤية الأمنية لشطب الطلاب المنتمين لتيارات فكرية، بالإضافة إلى أعطاء الإدارة سلطة التحكم في الأنشطة الطلابية ومنع ما يتعارض معها مما أفقد الطلاب حقهم في إدارة شئونهم الخاصة، وحقهم في التنظيم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
أما الممارسات الحكومية كانت أشد وطأة على أعضاء هيئة التدريس  الأكاديمي في الجامعات المصرية، وتعد السيطرة الأمنية أحد أهم العقبات التي تقف أمام الحرية الأكاديمية، والأنشطة الطلابية بالجامعات. كذلك خلقت الأجهزة الأمنية حالة من الخوف، نظراً لفرض نفوذها وسيطرتها على الأنشطة الطلابية سواء ما يتعلق منها بالانتخابات الطلابية وشطب ومنع الطلاب المنتمين لتيارات فكرية مختلفة من الترشيح، وإحالتهم للتحقيق ومجالس التأديب بسبب ممارسة حقهم في التعبير بناء على مذكرة أمنية، وتصديها باستخدام العنف للاحتجاجات والتظاهرات السلمية الطلابية، مما أدي إلى خلق حالة من الإرهاب ساهمت بشكل مباشر في تراجع مشاركة القطاع الأكبر من الطلاب خوفاً من قمع هذه الأجهزة.رفضت المحكمة الإدارية العليا في مصر، عبر حكم نهائي أصدرته اليوم الاثنين، عودة الحرس الجامعي ودخول قوات الشرطة إلى الحرم الجامعي.
 وأيدت المحكمة الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري برفض دعوى عودة الحرس الجامعي التي كان قد أقامها عدد من المحامين، وطعنوا فيها على الحكم الصادر بمنع دخول قوات الأمن للحرم الجامعي، وذلك في أعقاب أحداث العنف والتخريب والمظاهرات التي شهدتها الجامعات على مستوى محافظات الجمهورية من قبل الطلاب المنتمين إلى جماعة الإخوان. وكان تقرير مفوضي الدولة قد أوصى بعودة الحرس الجامعي وإلغاء الحكم المطعون فيه، مشيرا إلى وجوب إنشاء إدارة للحرس الجامعي تابعة لوزارة الداخلية، خاصة في ظل ما يحدث من أعمال تخريبية داخل الجامعات في الوقت الحالي. وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها أنه "لا يوجد نص قانوني يلزم وزارة الداخلية بأن تنشئ إدارة للحرس الجامعي، في كل الجامعات المصرية، تتواجد بشكل دائم في هذه الجامعات، إلا أن نص هذا الحكم لا ينتقص من الاختصاص الأصيل لهيئة الشرطة الذي بينته المادة 3 من قانون الهيئة، وينص على أن تختص الشرطة بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب وحماية الأرواح والأعراض والأموال، وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها.
 إن "هذا الاختصاص هو اختصاص أصيل ممنوح للشرطة في كل أرجاء البلاد، ولا يمنعها من أداء واجباتها ومهامها أي مانع، وذلك حفاظا على الأمن العام والآداب، ولا يحد من سلطاتها في هذا الشأن أية إدارة تابعة لأية هيئة إدارية أخرى".لان "سلطة الضبط الممنوحة لهيئة الشرطة جاءت لتصون المجتمع من الخروج عن القانون، وإلا لكان في عدم قيامها بمهامها تقاعس غير مبرر ومخالفة لما هو واجب دستوريا وقانونيا، دون أن ينال من ذلك وجود وحدات للأمن بالجامعات وفقا لنص المادة 317 من اللائحة الداخلية لقانون الجامعات".
و أنه "يقضى برفض الطعن دون أن ينتقص ذلك من سلطة هيئة الشرطة في القيام بمهامها كسلطة ضبط، سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه".أنه لا يوجد نص قانوني يلزم وزارة الداخلية بأن تنشئ إدارة للحرس الجامع بجميع الجامعات المصرية تتواجد بشكل دائم في هذه الجامعات إلا أن نص هذا الحكم لا ينتقص من الاختصاص الأصيل لهيئة الشرطة والتي بينته المادة 3 من قانون هيئة الشرطة، والذي نص على أن تختص الشرطة بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب وحماية الأرواح والأعراض والأموال، وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها. وقالت المحكمة، إن هذا الاختصاص هو اختصاص أصيل ممنوح للشرطة في كل أرجاء البلاد ولا يمنعها من أداء واجباتها ومهامها اى مانع، وذلك حفاظا على الأمن العام والآداب ولا يحد من سلطاتها في هذا الشأن أي إدارة لأي هيئة إدارية أخرى.
 وأشارت المحكمة إلى أن سلطة الضبط الممنوحة لهيئة الشرطة جاءت لتصون المجتمع من الخروج عن القانون، وإلا لكانت في عدم القيام بمهامها تقاعس غير مبرر بالمخالفة لما هو واجب دستورا وقانونا ودون أن ينال من ذلك وجود وحدات للأمن بالجامعات وفقا لنص المادة 317 من اللائحة الداخلية لقانون الجامعات، فليس هناك تناقض بين وجود هذه الوحدات وقيام هيئة الشرطة بمهامها المنوطة بها كاختصاص أصيل ملقى على عاتقها قانونا، فلا يعنى إنشاء مثل هذه الوحدات للجامعة سلب هيئة الشرطة اختصاصها أو الانتقاص منه، خاصة أن ما صدر عن المحكمة الإدارية العليا من حكم بجلسة 23 أكتوبر 2010 جاء خاليا في أسبابه من يوصى بحلول وحدة الأمن للجامعة والتي تنشأ وفيا للمادة 317، بل أن مقصود الحكم هو عدم وجود ما يمنع من تواجد الشرطة لأداء مهامها وفق الدستور والقانون تحقيقا للغايات التي هدف لها المشرع، كما أن مقصوده هو عدم وجود مانع من وجود الشرطة للقيام بمهامها سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه ولا يحدها في ذلك سوى مراعاة حكم الدستور والقانون والحفاظ على استقلال الجامعة في أداء رسالتها العلمية، وذلك دون توقف على إرادة هيئة إدارية أخرى، أو وجوب طلب ذلك من قبلها.
 وأضافت المحكمة في حيثياتها، أنه يقضى رفض الطعن دون أن ينتقص ذلك من سلطة هيئة الشرطة في القيام بمهامها كسلطة ضبط سواء خارج الحرم الجامعي أو خارجه.
وحكمت بإجماع الآراء برفض الطعن مع مرعاه مقتضى هذا الحكم وفقا للأسباب المبينة وألزمت الطاعن المصروفات، وأمرت بمصادرة الكفالة.

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية 

0 تعليقات:

إرسال تعليق