الجمعة، 31 أكتوبر 2014

التعددية النقابية العمالية تهدد مصالح العمل

الدكتور عادل عامر
تبني العديد من المناضلين العماليين التعددية النقابية، ولكن مع التطور الزمني لدورة الحياة النقابية، وتعاظم النظام الرأسمالي، وتحول العالم لقرية صغيرة، وتعاظم مفهوم العولمة المتوحشة، التي طالت مصالح العمال، وهددت إنجازاتهم ومكاسبهم النقابية، أمسى من الواقعي تقييم حالة النقابات العمالية، وما وصلت إليه الحركة العمالية ووضعها الحالي خاصة في ظل الثورات، وما يسمي بالربيع العربي؛ فأي تغيير أو ثورة يعتبر العمال جزء أصيل منها، بحجم تأثيرهم المجتمعي، والخاصة لما يعيشون من ظروف صعبة، وما يتعرضون له من القهر والاستغلال، مما يدفعهم ليكونوا وقود لأي ثورة أو حركة تغيير؛ ولأنها طبقة كبيرة ومؤثرة يحتم علينا الضمير وانتماءنا لها أن نكون أوفياء ، ونشاركها في التفكير لنهوض بواقعها نحو الأفضل، من هنا نسلط الضوء على موضوع التعددية النقابية، وما آلت له الأوضاع العمالية في معظم الأقطار العربية؟ وسنتحدث بعمومية حول هذا القضية لما نستشعر من خطر قد يهدد مستقبل العمل النقابي، ومصالح العمال في المرحلة القادمة، خاصة أن حجم المشاكل النقابية، والصراع بين قيادات النقابات العمالية، ورموز العمل النقابي أصبح يتصدر وسائل الإعلام، والمواقع الالكترونية، وصفحات الفيس بوك، والصحافة العمالية، وتجاوز كل المنابر العمالية المحلية والدولية، لدرجة وصلت لحالة التخوين بين النقابيين، وتوجيه الاتهامات بالعمالة لصالح العدو، إن كانت هذه حصاد التعددية في العمل النقابي وانعكاسها على مصالح العمال، فإن خطرها ومضارها أكبر من منافعها، من هنا يجب أن نقف للحظات، ونفكر لماذا في هذه الفترة بالذات تزيد الدعوة للتعددية؟ رغم إمكانية الإصلاح عبر المؤسسات النقابية القائمة في هذه الفترة لما تحمل من بوادر تغيير وثورة طالت النظم السياسية والمؤسسات المجتمعية بالمنطقة.
عندما نتسأل من هم الأشخاص الذين يقومون بإنشاء النقابات العمالية الجديدة؛ نجد معظمهم إما انشقوا عن الأجسام النقابية الموجودة، وأما لم ينجحوا بالانتخابات أو لم يحققوا مصالحهم من خلال الأجسام الموجودة، فأسسوا نقابات تحت مسميات وأهداف مشابهة لما هو قائم، وهذا يعني أن تشكيل الهيئات النقابية الجديدة يحمل نفس أفكار المدرسة القديمة القائمة، ولم تكن تجديدية، بمعنى أن الذين أسسوها أتوا من هيئات نقابية فوقية لا قاعدية؛ وبدعم أو برعاية من مؤسسة نقابية دولية، والملاحظ أن هذه الأجسام النقابية التي أنشأت؛ بهدف خدمة مصالح العمال لتغطية عجز النقابات التقليدية القائمة التي لا تقوم بدورها اتجاه العمال حسب المفهوم السائد، نجدها خلقت صراع مع النقابات القائمة والأجسام النقابية، وتطور الخلاف بينها لأعلى المستويات، وغاب العمل النقابي الحقيقي عن أجندتها ونشاطاتها النقابية، وهذا ما يؤكد أن النتيجة للتعددية خرجت عن الهدف الحقيقي لخلفياتها، وهذه النتيجة السلبية إما تعود لعدم وعي القيادات النقابية لمهمتهم الحقيقية أو أنهم وقعوا فريسة لخطة موضوعة لتفريغ العمل النقابي العمالي من مضمونة الوحدوي والنضالي والمؤثر، لوضعه في حال صراع داخلي، للتنافس في تقديم التنازلات على حساب مصالح العمال، لصالح المشغل والنظام الرأسمالي، وما يحقق مصالح أشخاص يتربعون على عرش العمل النقابي أن صح التعبير كمملكة خاصة، إذا كان هذا المنظور للتعددية فإن القيادات النقابية والعمالية وقعت في شرك خطير يهدف له الممول الذي يرعى ذلك، مما يدعو لإعادة النظر لمفهوم التعددية النقابية، وما المصلحة منها؟ وكيف يمكن أن تكون رافعة للعمل النقابي؟ لا معول هدم يهدد تاريخ الحركة النقابية وقوتها النضالية. فالتنظيم النقابي مثل كافة التنظيمات الأخرى هو شكل من الاتحاد الطوعى بين أعضائه من اجل تحقيق أهداف محددة وفى حالة التنظيم النقابي تكون أهدافه هي الحصول على أجور أعلى، وشروط عمل أفضل، وساعات عمل أقل. ومن حق العمال تنظيم أنفسهم دون وصاية من أي جهة كانت وتحديد شروط العضوية والاشتراكات وتحديد أهمية انضوائهم تحت اتحاد على أساس مهني أو سياسي أو جغرافي. ومن الممكن أن يوجد داخل المنشأة الواحدة أكثر من لجنة نقابية. فما الذي يضير في وجود عشرين نقابة داخل المصنع ستكون منهم نقابات حقيقية يلتف حولها العمال وأخرى شكلية لن ينتمي إليها أحد، والأهم من كل ذلك هو إعادة الحياة للحركة النقابية وجعلها أكثر حيوية في الدفاع عن مصالح العمال، والنقابة الأكثر جذرية في مواقفها هي التي سينضم إليها عدد أكبر من العمال ويسددون اشتراكاتها ويحرصون على تطورها. فالأصل في التنظيم بشكل عام والتنظيم النقابي بشكل خاص هو التعددية، وهى جزء من الديمقراطية التي أساسها التعدد، أما التنظيم الواحد والنقابة الواحدة والاتحاد الواحد فهي مخلفات عهود الاستبداد الذي اختفى من جميع البلدان الديمقراطية.فالتعددية هي الأساس والتوحد الشكلي هو التعبير عن الاستبداد وغياب الديمقراطية.
في الأول من مايو من كل عام، يطل علينا القابع على رأس السلطة، أي كان اسمه، ليحتفل بعيد العمال، متحدثا بفخر عن سواعد العمال ودورهم الحيوي في بناء الدولة، دون الإشارة إلى أوضاعهم ومطالبهم أو أي خطط لحلها وتحسينها على المدى القريب أو البعيد. فكان خطاب نظام “السيسي – عدلي منصور” أمس مشابها لخطابات من سبقوه. يدرك العمال جيدا أن حقوقهم لن تأتي إلا بالضغط، فهم لايؤمنون بنظرية تساقط ثمار النمو الاقتصادي عليهم من تلقاء نفسها، كما كان بشر نظام مبارك سابقا.
 ويعي العمال أيضا إن اصطفافهم في تنظيمات نقابية حقيقية تعبر عنهم أمرا ضروري لتحقيق مطالبهم، الأمر الذي يفسر نشأة النقابات العمالية المستقلة قبل الثورة وتزايد عددها بعدها. نشأت النقابات المستقلة في مصر كرد فعل على خضوع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ” الاتحاد الرسمي للعمال” لسيطرة الدولة وتعبيره عن مصالحها أكثر من تعبيره عن مصالح العمال أنفسهم. تبنى الاتحاد الرسمي وجه نظر الدولة على طول الخط، وليس أدل على هذا من المبادرة التي أطلقها مؤخرا رئيس الاتحاد جبالي المراغي بوقف الاحتجاجات والإضرابات العمالية لمدة عام في الوقت الذي تشتعل فيه تحركات العمال على الأرض للمطالبة بحقهم في تحسين ظروف العمل والمعيشة.
نشأ اتحاد عمال مصر عام 1959 بقرار فوقي من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد حله نقابات المنشات التي كانت موجودة قبل عام 1952. ويتكون الاتحاد من 23 نقابة عامة. جاءت نشأة الاتحاد الرسمي للعمال مماثلة لما فعله عبد الناصر مع الأحزاب السياسية التي حلها ، لينشىء بدلا منها كيانا سياسيا أوحدا ممثلا في الاتحاد القومي. ويرى كثيرون أن إنشاء كيان واحد ممثل للعمال سهل من مهمة سيطرة السلطة عليه وتدجين الحركة العمالية لفترات طولية. وعلى النقيض من الاتحاد الرسمي، نشأت النقابات المستقلة بشكل قاعدي وبدفع من احتياج العمال لجود كيانات نقابية حقيقية تعبر عنهم. فبعد نجاح موظفي الضرائب العقارية في تنفيذ إضراب شامل، أعلنوا عن تأسيس نقابة مستقلة للضرائب العقارية في 2009، لتكون بهذا أول نقابة عمالية مستقلة تنشأ قبل الثورة. توالى بعد هذا إنشاء نقابات مستقلة عديدة وصل عددها حتى الآن إلى 1500 نقابة. غير أن النظام الحالي يرفض وجود هذه الكيانات المستقلة ويرفض إقرار قانون الحريات النقابية الذي يعطي الحرية للعمال لإنشاء النقابات التي تمثلهم.
 يرى مناصرو الاتحاد الرسمي للعمال إن النقابات المستقلة شرا مستطيرا وإنها تهدد وحدة العمال والاقتصاد المصري وتسعى لخلق الفوضى وأنها تتحرك وفق أجندات أجنبية، متمسكين بفكرة قصر التمثيل النقابي للعمال على كيان واحد. في المقابل، تكفل التعددية النقابية حرية العمال لإنشاء أكثر من نقابة للمنشأة الواحدة. ويرى مناصرو التعددية النقابية أنها تتيح مناخا تنافسيا مفيدا. ففي حالة فشلت إحدى النقابات في التعبير عن العمال أو الضغط لتحقيق مطالبهم، يحق للعمال الخروج من هذه النقابة والانضمام إلى أو إنشاء نقابة أخرى أكثر تعبيرا عن مصالحهم. كما يرى هؤلاء أن وجود أكثر من نقابة تعبر عن العمال يحد من قدرة السلطة في السيطرة على النشاط النقابي للعمال مثلما هو حادث حاليا مع الاتحاد الرسمي لعمال مصر اللافت للنظر أن تلك النقابات سعت إلى فرض وجودها على أرض الواقع بإنشاء مواقع على شبكة الإنترنت، وإصدار بيانات في المناسبات المختلفة توضح وجه نظر تلك النقابة وأعضائها وأحيانا تطالب الجهات رسمية بتشريع وجودها بموجب الدستور الجاري وتعديله إن هذا التعديل في الدستور أصبح ضرورة ملحة، خصوصاً في ظل تأثير الصحافة الإلكترونية المتزايد والذي يزداد تأثيراً يوماً بعد يوم، حيث إنها مهنة المستقبل، مضيفاً أن النقابة تسعى إلى أن يتضمن الدستور هذا التعديل من أجل ضمان حقوق الصحفيين الإلكترونيين، والسعي لحمايتهم، عن طريق الاعتراف بهم وبمهنتهم، التي تختلف عن الصحافة المطبوعة اختلافاً جوهريا في الوسيط، الذي يعتبر ورق الطباعة في الصحافة المطبوعة، والإنترنت في الصحافة الإلكترونية.
 وكانت نقابة الصحفيين الإلكترونيين قد أشهرت بوزارة القوى العاملة برقم 1797/2 لسنة 2011، بالإدارة العامة للاتصال النقابي تحت عنوان (نقابة العاملين بالصحافة الإلكترونية)، حسب قرار وزاري بشأن الحريات النقابية. أن التعددية النقابية عن طريق إنشاء النقابات العمالية بالإخطار وليس بقانون، ينظم عملها لهو أمر غاية في الخطورة ويؤدى إلى تفتت وتشرذم العاملين في هذا المجال الإعلامي إلى كيانات صغيرة ويسمح بتسلل الدخلاء بينهم وبانتحال البعض لمسمى إعلامي، ومن ثم ارتكاب جرائم تسيء لكل العاملين في هذا المجال، داعيا الدولة إلى الاعتراف بخطئها عندما سمحت في فترة ما بعد ثورة 25 يناير بإنشاء هذه النقابات سواء بالإعلام أو غيره دون أن تضع قوانين تنظم عملها وتلزم القائمين عليها بإبراز صفة نقابة عمالية على أعضائها، وتحدد نوعية الأعضاء المستهدف انضمامهم تحت لواء تلك النقابة العمالية مؤهلاتهم العلمية ونوعية عملهم وشروط الاستمرار في النقابة واشتراكاتهم وحقوقهم تجاه تلك النقابة ونوعية المظلة التأمينية التي ينالونها في حالة التقدم في العمر أو العجز عن العمر، لان استمرار هذه الكيانات النقابية دون تقنين لطبيعة عملها سيؤدى لانتشار الفوضى داخل المجتمع.لذلك نطالب بإصدار قانون ينظم هذه النقابات ودورها
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق