الخميس، 16 أكتوبر 2014

** أردوغان والصعود إلى الهاوية **

** أردوغان والصعود إلى الهاوية **

كتبت المقال الصحفية والإعلامية هيام محى الدين
عاد السلطان رجب من رحلته الفاشلة إلى نيويورك وقد فقد فيها التاج والهيلمان والهيبة وأيضا الكرامة ، فقد التاج السلطاني حين تحدد توقيت كلمتة في الجمعية العامة متأخراً عن الرئيس المصري بمساحة زمنية تجعل هجومه على ثورة الشعب المصري في يونيو 2013 وإسقاطه لحكم الإخوان مرتبطاً باستقبال دول المنظمة العالمية للرئيس السيسي وتجاوبها مع خطابه أمامها ؛ وكان ينبغي على رجب أن يردعه ما لقيه الرئيس المصري من حفاوة وما قوبل به خطابـــه من حمـــاس وتأييد وما حققه من نجاح في إقناع العالم بأن ما قام به الجيش المصري كان تنفيذاً لإرادة شعبيه عارمة ؛ ولكنه أصر أن يكون الصوت الشاذ الوحيد وأن يلقي خطابه المعد سلفا قبل أن يلقى الرئيس المصري هذا التأييد الواسع والنجاح الكبير وكان عليه أن يتجنب هذه السقطة الغبية بعد فشل حلفائه من إخوان الخارج في إفشال زيارة الرئيس المصري ، وأن يلقي خطابا يهتم فيه بالشأن التركي ويدافع عن اتهام بلاده برعاية الإرهاب ، وفقد الهيبة حين انسحبت وفود عدد كبير من الدول أثناء إلقاء خطابه الذي استمعت إليه القاعة شبه الخالية بمقاعد شاغرة ؛ وفقد الكرامة حين كشف بغباء اشتهر به جنسه وفكر التيار الذي يتبعه عن تأييده لجماعات إرهابية متطرفة تهدد العالم أجمع  وليس المنطقة فقط ، عاد يجر أذيال الخيبة والفشل ليجد أمامه النتائج الخطيرة لسياسته الغبية تحاصره فالموقف الشاذ الذي جرته إليه اختياراته السياسية جعله عضواً في تحالف دولي ضد تنظيم داعش الإرهابي الذي سلحه ودرب عناصره وارتبط به بعلاقات وثيقة ليسقط به نظام بشار الأسد في سوريا ولكن قيادات داعش – كعادة كل التنظيمات الإرهابية المماثلة – خرج عن الخطوط المرسومة له واقتحم شمال غرب العراق متعجلاً الإعلان عن أهدافه الخاصة بإقامة خلافه إسلامية ومشتبكاً عسكريا مع إقليم كردستان العراق المشمول بالحماية الأمريكية ثم تطور الوضع العسكـــــري على الأرض بإصــــرار التنظيم الإرهابي على الســــــــيطرة على بلدة " عين العرب " أوكوباني وهي مدينة يسكنها الأكراد في شمال سوريا على حدود تركيا الجنوبية ويرتبط أكرادها بأكراد تركيا بعلاقات الدم والمصاهرة علاوة على رابطة الجنس والقومية فهب أكراد تركيا مطالبين بتدخل الجيش التركي لإنقــــــاذ إخوانهــم في " كوباني " من الجماعة الإرهابية من خلال مظاهرات ضخمة تعامل معها الأمن التركي بقسوة بالغة لفضها وسقط فيها قرابة الأربعين قتيلا وعشرات المصابين ومئات المعتقلين ؛ مما جعل تشدق " أردوغان " بالديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان مدعاة لسخرية العالم ؛ ومما لفت نظري بشدة هو هتاف إحدى المتظاهرات ورجال الشرطة التركية يسحلونها على الأرض في طريقهم لإيداعها بسيارة الشرطية وهي تهتف " سيسي مصر سيسي مصر " في إشارة واضحة للاستغاثة بالجيش التركي للانضمام للشعب ؛ كما فعل الجيش المصري ؛ كما دل الهتاف على وعي المتظاهرة التركية بالعقدة النفسية التي تحدثت عنها في مقالي السابق كدافع من دوافع معاداة الرئيس التركي المتأسلم للثورة المصرية والجيش المصري وهي خوفه ورعبه من أن يقلد الجيش التركي ما فعله الجيش المصري إذا اشتدت المعارضة الشعبية لحكم أردوغان وحزبه المتأسلم ، وهو ما وضع الرئيس التركي في مأزق حقيقي فقد انكشف أمام العالم تعاطفه مع الجماعات الإرهابية وخاصة داعش وطبعا التنظيم الأم المتمثل في جماعة الإخوان وقد أقر بذلك أحد نواب حزبه نفسه " العدالة والتنمية " في البرلمان التركي الذي أكد تسليح تركيا لتنظيم داعش وتدريب عناصره ؛ ولذلك اضطر أردوغان إلى الابتعاد ببلاده عن صدارة المشهد الدولي فليس باستطاعته أن يكون عضواً فاعلاً في التحالف الدولي ضد داعش في نفس الوقت الذي يتلقى فيه تقريعا عقابيا من سادته الأمريكيين الذين يتهمونه بأنه غرر بهم وجعلهم يتورطون سياسياً وعسكرياً في دعم جماعات ومنظمات الإسلام السياسي ؛ وظهر أن لكل منها " أجندة خاصة " لا تتوافق مع ما كانت تريده منهم السياسة الأمريكية كما أنه يعلم أنه إذا تنكر لحلفه مع داعش وأمر الجيش التركي بالتدخل العسكري الفعال ضدها فسيكون كمن يسعى إلى حتفه بظلفه ؛ فالجيش سيعتبر أردوغان نفسه جزءاً من تنظيم داعش يجب الخلاص منه كعدو للشعب ، ولعل من أبرز مظاهر سقوط الدور التركي إقليميا ودوليا نتيجة اختيارات أردوغان السياسية الشديدة الغباء غياب تركيا عن مؤتمر إعمار غزة في القاهرة الذي حضره السكرتير العام للأمم المتحدة وممثلو خمسين دولة وسبعين هيئة ومنظمة دولية وافتتحه الرئيس السيسي  الذي تبارت الوفود في شكره وتقديره والعرفان بدور مصر الإقليمي القائد والرائد وقدرته على استعادة الأمن والاستقرار والرخاء للمنطقة ؛ بينما لم تمثل تركيا في المؤتمر بأى مستوى من مستويات التواجد مثلها مثل إسرائيل ؛ ويا لها من صفعة مؤلمة لأردوغان حين يرى أن البلد الذي سعى لتهميش دوره في المنطقة لكي يقوم هو بهذا الدور ؛ قد استعاد مكانته وريادته كاملة بينما سقط دور بلاده في المنطقة إلى هوة سحيقة يصعب الخروج منها ؛ ويرى الرجل الذي كال له الاتهامات الكاذبة بالدكتاتورية والانقلابية وهو يتلقى إعجاب وعرفان العالم وتقديره بينما ينزوي هو في ركن قصي في قصر الرئاسة في أنقرة تسهده كوابيس الرعب من غضبة شعبه ورفضه لسياسته الغبية التي أضاعت أحلام الشعب التركي الحلم تلو الآخر ؛ فلا عضوية للاتحاد الأوربي ؛ ولا دوراً إقليمياً رائداً ؛ ولا حليف يعتمد عليه للبقاء في الحكم ؛ ولا تأييد من السيد الأمريكي الذي لا تعنيه إلا مصالحة التي فشل أردوغان في تحقيقها ؛ وأعتقد أن السيد / رجب خبيث أردوغان قد بدأ طريق الصعود إلى الهاوية
                " وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "

                             هيام محي الدين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق